الضلع الأعوج

Cover Image for الضلع الأعوج
نشر بتاريخ

يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: “استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا”.

وفي رواية مسلم: “وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها”، وفي رواية ابن حبان والحاكم والطبراني في الأوسط: “خلقت المرأة من ضلع، فإن تقمها تكسرها، فدارها تعش بها”. كذا قال الحافظ رحمه الله.

تستوقفنا في هذا الحديث المحبة الغامرة والنظرة الرحيمة التي كان يشمل بها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم النساء وهو يوصي الرجل الزوج والأب والأخ وغيرهم.. يوصي بمداراتها وبمراعاة نفسيتها وما جبلت عليه من عاطفة فياضة، فهي كما يظهر من الحديث “خُلقت”، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى خلقها وهو الذي أودعها هذه الخاصية. والرسول صلى الله عليه وسلم في تشبيهه، الذي يقرب المعنى إلى أذهاننا، شبه ما يطرأ على المرأة من حالات نفسية وما يعتريها من انفعال لغلبة الجانب العاطفي عليها بالضلع من أصله العوج، وهل يقدح في الضلع عوجه، وهو لمهمة حفظ الرئتين والقلب وأعضاء الجسم الحساسة؟ وهو ما تقوم به المرأة من مهام؛ أي الحفظ والصيانة والحماية. أليست الحافظية أمانة ومسؤولية وَكَلَهَا الله سبحانه وتعالى للمرأة مقابل قوامة الرجل؟ فما يضر اختلاف تركيبتها النفسية والعاطفية عن تركيبته –غلبة المنطق العقلي–؟ أليس ذلك مزية وتكامل يُشْعِرُ كلا منهما بصلاحيته لأداء مهماته التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليهما؟ أليس هذا الاختلاف من قبيل اختلافهما الجسمي؟

إن هذا التشبيه إنما يوحي باستقامتها على فطرتها، ويحذر من استغلال حنو المرأة وعاطفتها ورحمتها للتشديد عليها وإساءة الأدب في معاملتها مما يفضي إلى النـزاع والشقاق، فيغيب بذلك ركنا الحياة المطمئنة وهما المودة والرحمة.

ويؤكد هذا المنحى آيات كثيرة من كتاب الله عز وجل تحث المومنين على معاشرة النساء بالمعروف. والمعروف، هذه الكلمة البليغة، تحمل معاني المحبة والمودة والاحترام والتكريم ومراعاة المزاج ورعاية المصلحة وقضاء الحاجات دون عنف ولا بذاءة ولا مضارة ولا مضايقة ولا أذى ولا تكليف بما لا يطاق.. يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.

إن الاعوجاج المذكور في الأحاديث الشريفة لا يقصد به مطلق الاعوجاج في النساء، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء غفر الله لهم، ولكنه حالات من الضعف تعرض لها بين اللحظة والأخرى ولا يقدح في ولايتها للمومنين ولا في أهليتها للتكليف ولا أداء أمانة الحافظية والرعاية. وإلا كيف يستأمن شخص منحرف السلوك أعوج –بالمعنى السلبي– على تربية ورعاية الكائن البشري جنينا ثم رضيعا ثم صبيا لا يعقل ثم طفلا ثم يافعا فراشدا؟

قد يشفع لعلمائنا ممن اتجه نحو التفسير الحرفي للأحاديث ما عليه حال الأمة من ترد وانحطاط يعكسه ما تعيشه المرأة من جهل، بعد أن كان الرعيل الأول من الصحابيات رضوان الله عليهن رمزا للحكمة ومنبعا للعلم والفقه وحفظ السنة الشريفة بيضاء نقية والفطرة سليمة صافية، وهن قدوة المومنات وأسوتهن بعد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

هكذا إذن يكون فهمنا للأحاديث الواردة في هذا الموضوع وفق ما رسمته السنة الشريفة اختلاف تركيبة نفسية ليس إلا. اختلاف تكامل بين قوامة وحافظية نحيي بها منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته. يقول الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين في كتابه تنوير المومنات عند حديثه عن القوامة والحافظية: الجاهلية لا تدين بدين الله ولا ترعى قواعد المروءة، فالعلاقات فيها بين الرجال والنساء علاقة قوي بضعيفة. القوي يستعمل سلاح الأقوياء من إكراه وتحكم في النفقة وازدراء بخصمه، والضعيفة تستعمل سلاح الضعفاء من مكر والتواء وحيلة وخديعة وخيانة. قام الدين في الدنيا إن حفظت المؤمنة أمانتها ودارى المؤمن في قوامته [1]. 


[1] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، الجزء 2 الفصل 6 ص 51. بتصرف.