الست من شوال

Cover Image for الست من شوال
نشر بتاريخ

إذا كان شهر رمضان موسماً عظيماً من مواسم الخير والطاعة، وزمانا مباركا تفيض فيه النفحات الربانية على المؤمنين، وفرصة سنوية لتجديد السفينة القلبية الجارية بالعبد إلى ربه برياح الشوق، فإن العام كله موسم دائم لعمل الخير، وزمان مبارك للتزود للدار الآخرة، وفرصة سانحة يغتنمها القلب للتقرب إلى مولاه.

ليست العبادة والتقرب إلى الله تعالى والتعرض لرحمته عز وجل خاصة بشهر رمضان أو غيره من الشهور حتى يتكل العبد على عمله وعلى بركة زمان دون زمان، بل التوكل على الله تعالى باغتنام المواسم ليكون في غيرها أمضى عزيمة وأحرص على التقرب من مولاه وأسرع في الاستجابة إلى نداء الباري عز وجل بمجاهدة النفس في كل وقت وحين لأنه لا يدري متى تكون ساعته، وبالسعي إلى رضاه تعالى حتى يموت على خير ما يموت المرء عليه ويبعث على أفضل ما يبعث عليه.

الحياة كلها زمن للعبادة، قال الله تعالى: وَاعْبُدْ رَ‌بَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(الحجر: 99)، وقال عز من قائل: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَ‌بِّ الْعَالَمِينَ(الأنعام: 162)… فعلينا أن نواصل أعمال الخير من نوافل الصلاة والصيام والصدقة والذكر وقراءة القرآن وصلة الرحم وسائر القربات، فإن من علامة قبول العمل إتباع الحسنة بالحسنة. وها نحن أمام فرصة غالية وثمينة، بعد صيام شهر رمضان، شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران، فرصة طاعة سنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهي صيام ستة أيام من شهر شوال.

بشرنا عليـه الصلاة والسلام أن من صام هذه الأيام كان كمن صام الدهر: “من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شـوال كان كصيام الدهـر”(صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري)، فاستحق من الأجر والثواب خيرهما في الدنيا والآخرة، فضلا من الله وكرما علينا نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ذلك أن من رحمة الله تعالى بنا أن عوضنا عن أعمارنا القصيرة بكثرة مواسم الخير وبمضاعفة الأجر للمحسنين، والسعيد والموفق من وفقه الله لاغتنام هذه الموسم المبارك وصام هذه الأيام القليلة العدد العظيمة القدر.

وإن الإكثار من النوافل، السنن الرواتب، وصلاة الليل، وصيام الهواجر، والصدقة التي تطفئ غضب الرب، لمما يجبر الفرض ويقرب العبد من المولى عز وجل: “ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه”. (رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه).