الرضا شِفاءٌ وسَكينة

Cover Image for الرضا شِفاءٌ وسَكينة
نشر بتاريخ

وضع الله عز وجل فينا بحكمته وبقدرته العظيمة خاصية إن نحن فَعَّلناها وشَغّلناها كانت لنا بلسما وعِتقا وراحة نفسية من كل ضيق أو ألم؛ هي الإيمان بالقدر والرضا به والتسليم عند وقوعه.

هو دواء للقلوب وسكينة للنفوس، أسلوب علاجي رباني يساعد الفرد على التحكم في التّوَتُّرات الجسدية للوصول لحالة من الصفاء الذهني والاستقرار الانفعالي، وبالتالي القدرة على الرؤية الواضحة والمتفائلة للمستقبل واتخاذ قرارات أكثر إيجابية في الحياة.

تحدث الكاتب المشهور “ر. ن. سي. بودلي” عن حياته مع القبائل العربية في صحراء أفريقيا الشمالية، وكيف اكتسب عاداتهم ودرس الإسلام عن كثب، يقول: كانت تلك الأعوام السبعة التي قضيتها مع هؤلاء البدو الرحل من أمتع سني حياتي، وأحفلها بالسلام والاطمئنان والرضا بالحياة، وقد تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق، فهم ـ- بوصفهم مسلمين – يؤمنون بالقضاء والقدر، ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان، وأخذ الحياة مأخذًا سهلًا هينًا، فهم لا يتعجلون أمرًا، ولا يلقون بأنفسهم بين براثن الهم قلقًا عل أمر، إنهم يؤمنون بأن “ما قدر يكون” وأن الفرد منهم “لَّن يُصِيبَه إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَه”. 

وبعد أن استعرض بودلي تجربته مع عرب الصحراء علَّق بقوله: قد اقنعتني الأعوام السبعة التي قضيتها في الصحراء بين الأعراب الرحل، أن مرضى النفوس والسكيرين الذين تحفل بهم أمريكا، وأوربا؛ ما هم إلا ضحايا المدنية التي تتخذ السرعة أساساً لها. إنني لما أعان شيئاً من القلق قط وأنا أعيش في الصحراء، بل هنالك في جنة الله وجدت السكينة والقناعة والرضا.

وختم كلامه بقوله: وخلاصة القول إنني بعد انقضاء سبعة عشر عاماً على مغادرتي الصحراء، ما زلت أتخذ موقف العرب حيال قضاء الله، فأقبل الحوادث التي لا حيلة لي فيها بالهدوء والامتثال والسكينة، ولقد أفلحت هذه الطباع التي اكتسبتها من العرب في تهدئة أعصابي أكثر مما تفلح آلاف المسكنات والعقاقير 1.

إن إيماننا بحكمة الله وعدله في قضائه وقدره، يخرج كل الأرباب الزائفة من حياتنا، يحطم أصنام العبودية المادية والمعنوية لغير الله، فلا رب إلا الله؛ يُخاف ويُرجى، ولا إله إلا الله؛ يُجتنب سخطه ويُلتمس رضاه، عليه نتوكل وإليه ننيب وفي فضله نطمع ومنه نستمد القوة، إليه نحتكم، وبه نعتصم وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (سورة آل عمران: الآية 101).

“فمن نوّر الله قلبه بالإيمان قويت معرفته، واستنارت بنور اليقين، فاستقام به قلبُه، واطمأنت به نفسه، وسكنت ووثقت وأيقنت، وأْتمنته على نفسها، فرضيت لها به وكيلًا، وتركت التدبير عليه… فإن وسوس له عدوّ بالرزق والمعايش، لم يضطرب قلبه ولم يتحير؛ لأنه قد عرف ربه معرفة أنه قريب، وأنه لا يغفل ولا ينسى، وأنه رءوف رحيم، وأنه رب غفور رحيم، وأنه عدل” 2.

العَبْدُ ذُو ضَجَرٍ والرَّبُّ ذُو قَدَرٍ

والدَّهْرُ ذُو دُوَلٍ والرِّزْقُ مَقْسُومُ

والخَيْرُ أجْمَعُ فِيما اخْتارَ خالِقُنا

وفي اخْتِيارِ سِواهُ اللَّوْمُ والشُّومُ 3

فاللهم اجعلنا من عبادك المؤمنين بقضائك وقدرك، الموقنين بحكمك وعدلك، الراضين باختيارك، المُسَلمين لأمرك ومشيئتك.


[1] كتاب، “الإيمان بالقدر”، لعلي محمد الصلابي (ديل كارنيجي، دع القلق وابدأ الحياة، ص. 290 – 291).
[2] كتاب “أدب النفس”، للحكيم الترمذي.
[3] أبو الفوارس جنيد بن أحمد الطبري.