الرحمة.. دعامة أساسية للاستقرار الأسري

Cover Image for الرحمة.. دعامة أساسية للاستقرار الأسري
نشر بتاريخ

الرحمة هي الرأفة والعطف والشفقة. وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وبألفاظ مختلفة، ترجع إلى نفس المصدر؛ رحم، ارحم، أرحام، المرحمة، الرحمان، والرحيم.

والله سبحانه وتعالى اختار وجعل خلق الرحمة صفة دالة عليه عز وجل، وخلقا يعامل به جميع خلقه ومخلوقاته، قال تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء.

رحمته سبحانه وتعالى وسعت كل شيء؛ فتجلت في عفوه ومغفرته والهدى لقلوب عباده.

رحمته سبحانه وتعالى وسعت كل شيء؛ فتجلت كذلك في جمال ولطف عطائه، قال عز من قائل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران، 159).

فأعظم رحمة وأجل عطاء للأمة الإسلامية، هي هذا الرسول الرحيم، اللين، العطوف علينا، القائل عن نفسه: “إنما أنا رحمة مهداة” (1).

ومظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم كثيرة، منها ما هو متعلق بالأسرة؛ اللبنة الأساس في بناء الأمة، فهذه فاطمة الزهراء رضي الله عنها وابنيها الحسن والحسين، وهذا زوجها علي راقد في سويعة من سويعات الليل، وهذا سيد الخلق يسمع بكاء السبطين الكريمين وطلبهما للسقيا، فجاء إليهم واعتقل (ربط) شاة لهم كانت قد جف ضرعها، فحلبها بيديه الشريفتين، فسقاهما، في مشهد مليء بالمحبة والرحمة.

ولم يقتصر نبينا الكريم على التعامل بالرحمة بل حث صحابته الكرام على التحلي بها. فهذا الصحابي الجليل الأقرع بن حابس يرى الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فيقول: “إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا”، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له موجها ومربيا: “من لا يَرحم لا يُرحم” (2).

وهذا مؤذن الرسول سيدنا بلال رضي الله عنه، وهو في طريقه إلى المسجد يمر على فاطمة الزهراء تطحن بالرحى وابنها الحسن يبكي، فرق قلبه لحالها وأعانها على الطحن، فلما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم سأله قائلا: “يا بلال، ما حبسك؟” قال: مررت على فاطمة وهي تعالج الرحى فأعنتها على طحنها. فقال له صلى الله عليه وسلم: “رحمتها رحمك الله”.

فبهدى نبينا الكريم نقتدي، وعلى خطاه نسير؛ نجعل قلوبنا مركزا للرحمة يفيض على من حولنا، نبادر بالعطاء عن طيب خاطر، ونقوي علاقتنا بخالقنا الرحمان، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ”. فعلى قدر معرفتنا وقربنا وحبنا لله تعالى، على قدر ما نتحلى بخلق الرحمة، وعلى قدر حبنا واتباعنا لرسوله الكريم، ومعاشرتنا لكتابه الحكيم، وأدائنا للفرائض والنوافل، وتخلقنا بالخلق الحسن، على قدر ما يتحسن تعاملنا، وتتحسن علاقتنا مع آبائنا وأزواجنا وأبنائنا، فخلق الرحمة من الدعامات الأساسية للعلاقات الأسرية، هي مشاعر قلبية نترجمها إلى سلوك عملي، نزرع به شجرة طيبة تثمر المحبة والمودة والاستقرار.. تكسب الأم والأب السكينة، وتعطي الأبناء دفعة قوية لاكتساب الشخصية المؤمنة المحصنة والمتوازنة، ذات السلوك الحسن داخل وخارج البيت.

نسأل الله عز وجل أن يهبنا جزءا من صفاته؛ الرحمة، وأن يقر أعيننا بأزواجنا وأبنائنا، وأن يقر أعينهم بنا.


الإحالات:

(1) المحدث: الألباني، المصدر: بداية السول، الصفحة أو الرقم: 73، خلاصة حكم المحدث: صحيح.

(2) أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته ﷺ الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، (4/ 1808)، برقم: (2317).