الخفيات العظيمات

Cover Image for الخفيات العظيمات
نشر بتاريخ

من بين ثنايا الإقصاء والمعاناة، وتحت وطأة شظف عيش، وظروفه الهشة المتعسرة، وخلف كلوحة آفاق واسودادها.. بزغت رائدة مستميتة، تحسبها غنية من التعفف، لا تسأل الناس إلحافا، حامدة شاكرة، راضية بقسمتها وما قضى الله به عليها في قدرها.

نهارها عجيب، وليلها أعجب، تتقلب فيهما بين شكر وصبر، وهم وعزم.

تبدأ يومها بسويعة، قبل الفجر، تناجي  فيها ربها المعطي الوهاب، أن يهبها من لدنه رزقا حسنا، وهي تعلم أن الرزق أنواع؛ أدنى درجاته، المال، وأعلاها العافية في الدين والدنيا، وأما رضى رب العالمين، فلها علم اليقين بأنه هو تمام الرزق! وذلك قمة بُغيتها وأسمى غاياتها. لذلك تراها تستفرغ كل جهدها، وتضحي بما عظمت قيمته عندها من وقت ومال وجهد وعلم، لنيل هذه الغاية العظيمة.

بارعة هي في ترتيب أولويات حياتها البسيطة، لا تنسى أحدا، ولا تتوانى عن تقديم يد العون لمن هم في حاجة إليه، لا تستثني بعيدا منهم ولا قريبا، تسعى دائما وبكل ثقة لاِنْتشال بنات جنسها من حمأة الجهل والتقليد والانتظارية، بعدما منَّ الله عليها بمن أخذ بيدها، وعلمها أسرار الحياة، والنجاة بعد الممات.

عطوفة هي، إذا كانت أماِّ، ينساب الحنان من كل ثنايا روحها، خبيرة بما عساه أن يُسعد شغف فلذات  أكبادها. 

ودودة هي، سكنٌ لمن تُقاسمه تفاصيل حياتها، في وداعة وتكامل وتآزر. ولا يخفى عليها ما يُحاك في العالم ضدها وضد كل أنثى  من تخريب ممنهج يستهدف برجها العاجي ومملكتها البهيجة.

قطعة من الجنة بيتها؛ ينعم بهدوء، ويشع رونقا وتناسقا بغير إسراف أو تكلف.

قد تكون هي، وقد تكونين أنت…

كثيرات هُنَّ هؤلاء الرائدات، لكنهن تقيات خفيات، هنّ السند والمدد لهذه الأمة، وقد يكنّ الطليعة لمستقبل يبشر بخير غير منقطع – إلى ماشاء الله – بوجودهن وجهادهن.

فارضَ اللهم عنهن رضى يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك، فليس بعد رضاك إلا الجنة..