الخصال العشر (6): العمل

Cover Image for الخصال العشر (6): العمل
نشر بتاريخ

قال الله عز وجل في كتابه العزيز: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصلت، 33).

تدعو الآية الكريمة، وغيرها كثير في كتاب الله تعالى، إلى العمل الصالح، والذي يأتي بعد العلم النافع، مما يضمن حسن السرائر واستقامة الجوارح، فيكون العمل مصدقا لها، وشاهدا على حسن النوايا، ومطية العبد للوصول إلى الإحسان في القول والعمل.

فالعمل الصالح هو ثمرة العلم النافع الذي يصلح القلب والعقل فينفع صاحبه في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه (الزلزلة، 7 – 8).

وبذلك يكون ميزان العدل والإحسان دقيقا يوم القيامة؛ فلا يضيع أجر عامل محسن ولا يتساهل مع مقصر غافل، فكل يجزى على عمله ويحاسب على تقصيره.

فكيف يكون العمل الصالح مرآة لصاحبه، وشاهدا على صلاحه وفلاحه؟ وما هي أحب الأعمال إلى الله تعالى؟ وكيف نضمن بها حسن العاقبة في الدنيا والآخرة؟

يقول العارف بالله عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه: “من دلك على العمل فقد أتعبك، ومن دلك على الدنيا فقد غشك، ومن دلك على الله فقد نصحك” (1).

فالاعتماد على الأعمال دون قصد إنما هو سعي في هذه الدنيا وتضييع للآخرة، فلتكن وجهتك مقصودة وهدفك رضى مولاك عنك، مخلصا له النية، فلا يصيبك اليأس إذا وقع منك الزلل، ولا يغرك الرجاء إن كان منك الإحسان، بل حلق بجناحي خوفك ورجائك، ولتكن وجهتك خالصة لربك، لترتاح من تعب نفسك، وتفوز برضاه.

وهذا الرضا لا يتحقق للعبد إلا إذا تقرب لمولاه بأحب الأعمال إليه؛ عمل صالح للجوارح يقربنا إلى الله زلفى؛ من ذكر وصدق وسمت حسن.. ينتهي إلى أعمال البر والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق؛ من إقامة عدل ونشر دعوته سبحانه وتعالى بين الخلق.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الجهاد إلى الله كلمة حق تقال عند سلطان جائر” (2).

إن إعادة الثقة للأمة إنما يبدأ بإحياء الشعب الذي يعمل على تغيير الواقع المرير واستبداد الحكم الجبري، فالله يكون مع المستضعفين ليمكنهم في الأرض إن أطاعوه، والدعوة تبدأ بتربية الضمائر الحية على تحمل المسؤولية وبذل المال والجهد من أجل التسلح بالعلم النافع والعمل الصالح، الذي يعيد الثقة بين  القيادة  والشعب ويوجه السفينة إلى شاطئ الأمان ويضمن حقوق المواطن والعيش الكريم، بعيدا عن الزبونية والرشوة و المحسوبية.. لأن الصالح العام يقتضي الرجوع إلى دستور القرآن فنحكمه فيما بيننا، في كل أمور الحياة حتى نحقق العدل والمساواة.

عندها فقط يكون الإحساس بالانتماء إلى الوطن، والتفاني من أجل المشاركة في إقامة دولة الحق والقانون التي يعيش تحت ظلها الحاكم والمحكوم.

“الجهاد لبناء الأمة على أسس إسلامية لا يتم إلا بوجود مجاهدين لديهم الكفاءة العملية الجهادية من حيث التربية والتنظيم، مع وجود قابلية في الشعب لقبول النظام الإسلامي في السياسة والاقتصاد والاجتماع” (3).

شعب خصلة العمل

إن العمل الخالي من العدل والإنصاف إنما هو هباء منثور وسعي غير مشكور، لا يرجى منه تحقيق العدالة والمساواة بين طبقات المجتمع، لأن العمل الذي يخدم فئة على حساب أخرى إنما هو عمل باطل، خال من البركة، لأنه يتعدى حدود الله ولا يضمن تحقيق شرعه وحكمه.

وإن كان الدين الإسلامي يتحرى الكسب الطيب الحلال، فلا يجب أكل أموال الناس بالباطل واستغلال الجهود المستضعفة العاملة بأقل الأجور، بينما هناك من يراكم الأموال من جهود هؤلاء المستضعفين بغير وجه حق، فتهدر الثروات وتضيع حقوق الخلق ويشيع الفساد في الأرض.

وهذا الطغيان يخلق حياة اجتماعية خالية من الرحمة، تسيرها الطبقة المستعلية، وتقودها نحو الهاوية تحت شعار الليبرالية النهمة، التي لا تشجع طرق التكسب الحلال الذي يحرر من طغيان رأس المال ولا يبحث عن الربح الفاحش، بل يسعى إلى تنمية الاقتصاد وخلق قيمة حقيقية للعمل في بيئة يسودها العدل والرحمة والتكافل.

فالعمل الصالح يقربنا إلى الله زلفى، ولا يحقر من المعروف شيئا، لأنه يعتبر أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة دافعها تجنيب المسلمين الإذاية، وهو من مقاصد العمل الصالح، فرغم بساطة العمل تتحقق القيمة ويتجلى الإخلاص في النية والجهد.

هكذا يكون الجهاد فينا شعلة صغيرة، نميط به الأذى عن غيرنا، إلى أن يكبر فينا، فيدفعنا إلى إماطة الظلم عن كاهل المستضعفين، والتواصي بالحق والصبر، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو الإصلاح الحقيقي. “إن لم نصدق الأمة في الحديث، ولم نصدق معها على الميدان في الصبر ومقاسمة الهموم والجهود والبذل، لم يكن جند الله قادرين على إحياء عامة الأمة..” (4).

إن الله سبحانه وتعالى يبطل العمل الفاسد، ويبارك في الجهود الصالحة المصلحة، قال تعالى في محكم تنزيله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ (الأعراف، 96).

وهذا هو التأييد والنصر لعباد الله المستضعفين في الأرض المجاهدين بالغيب، يظهر هذا التأييد الرباني في الشدة ليكون غيثا للأنفس المجاهدة، ويسرا بعد عسر، وفرجا بعد كرب، وتأييدا ونصرة لجهاد جند الله الذين صبروا على المشقات وقدموا التضحيات من أجل إقامة الدولة الإسلامية القوية.

ولا يمكن للأمة أن تخرج من عجزها وسباتها، وتتخلص من تبعيتها للغرب المتسلط على الشعوب، إن لم تربي جيلا سليما؛ معتزا بدينه، متعلما، عاملا على تغيير واقعه، بمحاربة الجهل والتبعية واللامبالاة، والعمل الجماعي المنظم الذي يبني صرح الأمة الإسلامية. (لابد من تنظيم يعبئ الطاقات، وينظم العلاقات، ويوزع المسؤوليات، ويوجه الكفايات، و ينسق الجهود للسير قدما على بصيرة، وفي خطى ثابتة وحثيثة نحو الهدف المنشود المتمثل في بناء دولة الإسلام، دولة الشورى والعدل والكرامة) (5).


(1) أحمد بن محمد بن عجيبة، إيقاظ الهمم في شرح الحكم، ص 27.

(2) رواه الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة وحسنه السيوطي.

(3) عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ط 1989/2، الشركة العربية للنشر والتوزيع – القاهرة، ص 234.

(4) المنهاج النبوي، م. س. ص 259.

(5) عبد الواحد متوكل، العمل الجماعي أدلته وشواهده، ط 1/1993، ص 5.