الخصال العشر (4): البذل

Cover Image for الخصال العشر (4): البذل
نشر بتاريخ

مقدمة

قال الله عز وجل فيما رواه عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا ابْنَ آدَمَ أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ} رواه الشيخان عن أبي هريرة.

من هذا الحديث الشريف يتبين لنا عظم أجر البذل والإنفاق؛ إنفاق من الله المعطي الواهب. فالتحرر من شح النفس تحرر من الرق والعبودية لغير الله تعالى، وطمع فيما عند المولى المنعم لنيل خير الدنيا والآخرة .

البذل تربية

الفقر إلى الله عز وجل والنفقة في سبيله

قال الإمام عبد القادر قدس الله روحه: “كن مجتهدا ترما لا يراه غيرُك، تُخرَقُ لك العادة. إذا تركت ما هو في حسابك جاءك ما هو في غير حسابك. إذا اعتمدت على الحق عز وجل واتقيته خَلْوَةً وجَلْوَةً رزقَك من حيث لا تحتسب. اترك أنت يُعطِك هو. ازهد أنت يُرَغِّبْكَ هو. في البداية الترك وفي النهاية الأخذ..”.

فإن لم تترك شهوات الدنيا، وتفتقر إلى الله عز وجل طلبا لما عنده من أجر وثواب، صعب عليك أن تجود بالغالي والنفيس في سبيله. فالنفقة والبذل في سبيل الله تعالى برهان على صدق طلب وجهه الكريم، والعمل الجهادي المنظم ينهض به المجاهدون الصادقون في ميدان العمل.

البذل تنظيما

التطوع والفاعلية

“في انتظار اجتماع الدولة والدعوة في يد المؤمنين، يبرز التطوع كوسيلة من وسائل تحبيب الإسلام، والتعريف به والدعوة إلى الله” (1).

وقيام الدولة الإسلامية تستدعي تهييء القيادات والأطر الصالحة لتسيير دواليبها، لأن الدعوة إلى الله تستوجب الابتعاد عن الذهنية القاصرة التابعة، وتدعو إلى تسيير عجلة الإنتاج، وتحقيق الأخوة والرخاء للأمة.

فالدعاة الفعلة يصلحون في المجتمع ليذيبوا كل الفروق الطبقية والظلم الاجتماعي، فلا يكفي المعارضة بخطابات تصدع بالحق وتبكي على الأطلال، بل يجب اقتحام العقبات وشحذ الهمم وتوفير الخبرات لأداء المهمات بهمة ودقة وتواضع.

شعب الخصلة

 في خصلة البذل صنفت خمس شعب من شعب الإيمان؛ وهي الكفيلة بتحقيق التكافل الاجتماعي، “ولكيلا يظلم في الأرض مستضعف في رزقه، ولكي لا يؤول فقر الفقير به إلى الكفر، ولكيلا يطغي الغنى الأغنياء، فيترفوا في النعم ويعيثوا في الأرض فسادا” (2).

هذه الشعب الإيمانية الخمس هي: الزكاة والصدقة، ثم الكرم والنفقة في سبيل الله، ثم إيتاء ذوي القربى واليتامى والمساكين، ثم إطعام الطعام، ثم قسمة المال.

قال الله سبحانه وتعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (سورة النساء، 36).

كل هذا يدخل في مفهوم “البر والإحسان” حتى يتحقق العدل في دولة مسلمة، ويتراحم العباد فيما بينهم، فيسعد بعضهم بعضا في الدنيا طلبا لما عند الله من أجر وثواب في الدنيا والآخرة. فالفوارق الاجتماعية والفقر والتهميش لا تسمح بنيل شرف الاستخلاف في الأرض وإعمارها، وتكديس الثروات لإنفاقها في الشهوات واستغلال الخيرات في أغراض قلة مترفة إنما هو تكبر على الحق عز وجل وعلى.

إن هذه الأمة مطالبة ببر الإنسانية؛ بالوقوف في صف المستضعفين في الأرض، والدفاع عن حقوق المحرومين لرفع الظلم عنهم حتى نحقق التكافل والإخاء في المجتمع الإسلامي.

خاتمة

إن الشرك في الظاهر هو عبادة الأصنام، وفي الباطن هو الاتكال على الخلق ورؤيتهم في المنع والبذل، فيكون الرجل مكافئا لا باذلا في سبيل الله تعالى؛ يعطي ليملك الرقاب، ويمنع خشية الفقر. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم المال الصالح للمرء الصالح” (3).

والدنيا في يد الصادق الباذل يملكها ولا تملكه، يستخدمها ولا تستخدمه، ولا تفسد عليه دينه ودنياه فهي وسيلة للتقرب إلى الخالق لا غاية يعدو خلفها المؤمن الصادق.


الهوامش

(1) عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، الطبعة 2، 1410ه‍_1989م، ص 200.

(2) عبد السلام ياسين، الإحسان، ج 1، الطبعة 1، 1998، ص 512.

(3) روى أحمد والبخاري وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم عن عمرو بن العاص قال: بعث إلي النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آخذ علي ثيابي وسلاحي، ثم آتيه، ففعلت فأتيته وهو يتوضأ، فصعد إلي البصر ثم طأطأ، ثم قال: “يا عمرو، إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله، وأرغب لك رغبة من المال صالحة”، قلت: إني لم أسلم رغبة في المال، إنما أسلمت رغبة في الإسلام فأكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “يا عمرو، نعم المال الصالح للمرء الصالح”.