الخصال العشر (1): الصحبة والجماعة

Cover Image for الخصال العشر (1): الصحبة والجماعة
نشر بتاريخ

مقدمة

قال الله تعالى في كتابه الحكيم: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (سورة الفتح، آية 29).

تتجلى في هذه الآية الكريمة المعية والصحبة مع من ساندوا ونصروا رسولنا الكريم، فتولدت بينهم تلك المحبة لتعكس مدى صدق نياتهم وصفاء سريرتهم وإخلاصهم، (فبهذه المعية والصحبة كانوا رجالا. ونقف عند التراحم بينهم، فبتلك المحبة الرحيمة كانوا جماعة) (1).

وكانت الصحبة والجماعة أولى الخصال، وأهم صفات المومنين الأبرار، في سائر الأزمنة والأمصار .

1 / الجماعة المنظمة المجاهدة

 قال الله سبحانه وتعالى: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (النساء، 95-96).

الجماعة المؤمنة المجاهدة تلزمها قيادة حكيمة؛ تجمع بين الرحمة القلبية والحكمة العقلية، لتفهم واقعها وتخطط لمستقبلها بكل ما أوتيت من قوة وخبرة وعلم نافع. والجماعة المجاهدة لا تكتفي بالاجتماع على الله تعالى مع تخلف وقعود، لكنها تجتمع على الله تعالى وتعبئ الجهود وتنير العقول وترشد للطريق على هدى من الله ورسوله. فهي قيادة حية حكيمة تصلح حال الأمة وتربي على المنهاج النبوي الشريف، فالصحبة والإخاء بين المسلمين يقتضي التأليف الجهادي بين الجمع، وخدمة متبادلة، وألفة ورحمة تلتمس بها تحقيق الخير بالصحبة الصالحة، “وبهذه اللقاءات والتجالس والاتباع والصحبة بقي الخير في هذه الأمة” (2).

ولكي تصان هذه الصحبة الداعية للخير ولا يصيبها الفتور، يجب أن لا تسكن فيخمد لهيب خيرها، بل يجب أن تبقى في حركة مباركة تذكر بالله تعالى وتحبب إليه، ودعوة مستمرة للصحبة، وكلمة حق لتقويم الحال،  وعمل صالح، مع حسن قول يسعى إلى تحبيب الدعوة لخلق الله.

2/ شعب الخصلة

الحب في الله والتأسي برسوله ﷺ ورعاية المومنين

كان رسولنا الكريم يفيض خيرا ومحبة على العالمين، فلا وصول إلى الله عز وجل إلا على طريق رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبته التي هي شرط في الإيمان، تقتضي التأسي به في خلقه، ومعشره، ودعوته التي تميزت باللين والحكمة والرحمة. وقد كان دليلا للعالمين على طريق الله عز وجل، وكانت دعوته رحمة جامعة بين المؤمن وخالقه، لتعم أولياءه والأخيار من أمته صلى الله عليه وسلم، إلى الوالدين والأقربين وذوي الرحم، والزوج والزوجة، والضيف والجار بالجنب وعابر السبيل، وسائر خلق الله.. حتى يكون السمت الغالب على مجتمعنا الإسلامي؛ حسن التجاور بين المسلمين، وحسن المعاملة والمعاشرة، والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن.

على جند الله بسط يد الرحمة بين الصحبة، والتعاون على البر والتقوى؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ  (سورة الصف، آية 4).

“يقاتلون الشيطان والنفس وعدو الله. يقاتلون الشيطان كي لا يقطعهم عن الله. يقاتلون النفس كي لا تشغلهم بشهواتها الدنية عن عبادة الله. يقاتلون عدو الله لإعلاء كلمة الله ونشر علم الدلالة على الله” (3).

البر وحسن الخلق

من تواضع لله ولعباده الصالحين رفعه الله في الدنيا والآخرة. هذا هو سلوك المخلصين في أعمالهم، البارين في صحبتهم، والخادمين لدعوة الله سبحانه وتعالى، وهم بذلك من الذين يبسطون لك يد المعونة والمعاملة الطيبة، وحسن العشرة. يحببون لك الدعوة في الله بحسن صحبتهم وخلقهم، فهم المعول عليهم لحمل مشعل الدعوة قدما نحو الأمام.

الخاتمة

إن الجماعة الصالحة المصلحة هي عماد المجتمع الإسلامي في كل زمان، فالوافد إليها طالب صادق أوقد الله فيه باعث الإرادة العلية والهمة المتقدة، فليستبشر بجني ثمار هذه الصحبة الوافرة في الدنيا والآخرة. ولن يرده الله تعالى ما دام قد طرق بابه وبكى على أعتابه، لأن الكريم إذا أعطى أدهش.

طابَ عيْشي بِصحبة الإخوانِ ** بعدَ أن كنتُ دائمَ الهيَمانِ

كُنْتُ في ظُلْمةٍ وغَيٍّ وجهلٍ ** غائمَ القلبِ مستطيلَ اللِّسانِ

نوَّروا ظُلْمَتي وقاموا بأمري ** آنسوا غُربتي وقَوَّوْا جَناني

علَّموني كيف الرجولة تُبْنى ** لَبِناتٍ إلى تمامِ الكِيانِ

فأرى اليومَ أن ما كنتُ فيه ** كان وصفاً للوَهْنِ والموْتان

أحمد الله حيثُ أحيى فؤادِي ** بهمُ للجهادِ في ذا الزمان

وصلاتي على النبي المفَدَّى ** تُكْسِبُ القُرب في رياض الجنانِ (4)


(1) عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ط 1989/1، ص 126.

(2) المصدر نفسه، ص 140.

(3) عبد السلام ياسين، الإحسان، ج 1، ط 2018/1، ص 214.

(4) عبد السلام ياسين، قطوف 2، ط 2002/1، قطف 87.