الخصال العشر.. مقدمة

Cover Image for الخصال العشر.. مقدمة
نشر بتاريخ

قال الله تعالى يخاطب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (المائدة، من الآية 48).

أوصى الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بالسير على هدى من الله وشرعة، وعدم اتباع الأهواء المضلة، فـ”المسلمون اليوم في أمس الحاجة لاكتشاف المنهاج النبوي كي يسلكوا طريق الإيمان والجهاد إلى الغاية الإحسانية التي تعني مصيرهم الفردي عند الله في دار الآخرة” (1).

وبهذا الطريق المعبد يسمو الفرد للتذلل بين يدي خالقه وتسمو الأمة لتخرج من تخلفها الحضاري والاقتصادي والعسكري.. وتنال شرف الخلافة والوراثة على هذه الأرض .

1/ المنهاج النبوي والخصال العشر

المنهاج النبوي هو طريق يسلك على معارج الكتاب والسنة، فهو منهاج تربية وتنظيم جهادي، يسلك بالفرد نحو تربية ممنهجة للسلوك والوقوف بين يدي الله؛ منيبا إليه تائبا من غفلاته وزلاته، باذلا نفسه وماله في سبيل الله.

ولكي لا يكون الخلاص فرديا فقط، يجب اتباع برنامج عملي يحيي الفرد والأمة معا، لتستعد للخلافة الإسلامية باتباع منهاج النبوة التربوي الجهادي؛ تربية وتنظيما وزحفا حثيثا نحو تحرير الإرادات الفردية أولا ثم الجماعية، داخل منظومة تتدرج بالسالك نحو مراتب الإسلام فالإيمان لتصل به إلى الإحسان .

والمنهاج النبوي هو طريق يسلك للوصول إلى أعلى المراتب، اجتمعت فيه شعب الإيمان وتراصت لتكون خصالا عشرا. وهي طريق معالمه واضحة، مقسمة ومرتبة ترتيبا عمليا تربويا يتدرج بالسالك بخطى ثابتة ليضعه على أساس متين، وبيئة سليمة، لتنتج ثمار هذه التربية الجماعية المنظمة .

2/ الخصال العشر وشروط التربية

إن الأساس المتين الذي تقف عليه الخصال العشر يتطلب تحقيق شروط وازنة ومتوازنة، تخرجك من سبات الغفلة لتوقظ قلبك؛ “ذاك حق شهد به الرجال تحدثا بنعمة الله عليهم، وأنا أسعد الناس إن كان لشهادتي سامعون واعون هبوا من سبات الغفلة … وتيقظوا يقظة القلب، وتجافوا عن الحياة الدنيا، وفزعوا إلى من يدلهم على الله حتى يعرفوا الله” (2).

لكن للتربية الوازنة شروط هي بمثابة ذلك الأساس المتين الذي يجب أن يبنى على أرضية متوازنة خصبة، حتى يعطي أكله كل حين .

والخصال العشر الجامعة لشعب الإيمان مرتبة ترتيبا ممنهجا؛ وضعت كل لبنة منها في مكانها حتى يكتمل البناء المتين ويرتقي من إسلام سطحي إلى التحلي بشعب الإيمان قولا وعقيدة وعملا، ليكون القلب محل تقوى الله وتكون الأعمال خالصة لوجهه الكريم.

وشروط التربية تنطلق من صحبة تتربى في أحضانها، وبيئة سليمة تضمك إليها ليشتد عودك الذي ما زال غضا طريا، فالصاحب ساحب، والصاحب الصالح يسحبك من الأنانية الفردية ويخرجك من هوى نفسك الأمارة بالسوء ليعلمك كيف تنتظم وتتجند مع صفوف المومنين. ثم تعلمك هذه الصحبة وتخطو بك نحو الإقبال على ذكر الله تعالى، ليكون الشاغل الأول للقلب، يصلح هذه المضغة ليصلح الجسد كله، فيقبل على الله، ويخطو خطوات ثابتة نحو الصدق والتصديق والاستقامة في القول والعمل، فتكون خطوته التالية نحو البذل الذي يزيل شح النفس، ليكمل طريقه نحو العلم، ثم العمل، فالسمت الحسن، فالتؤدة، فالاقتصاد، ليبلغ مرتبة الجهاد التي هي ثمرة تربية وتنظيم وعمل ملتزم.

خاتمة

وبذلك نكون قد تدرجنا تنظيما من صحبة فضفاضة عاطفية إلى صحبة جماعية جامعة على ذكر الله تعالى، إلى امتحان صدق الوافد لدفعه للبذل والعطاء بسخاء وللعلم والعمل، مع التخلق بالسمت الحسن بين الناس، وتؤدة و صبر على المهام والمشاق، إلى اقتصاد قوي، ومضي في طريق الجهاد .

وسوف نفصل – إن شاء الله تعالى – كل خصلة من الخصال العشر على حدة، ونذكر مغزاها تربية وتنظيما، مع إدراج ما تضم من شعب الإيمان. والصلاة والسلام على خير الرسل الكرام.


(1) عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ط 1989/1، ص 7.

(2) عبد السلام ياسين، الإحسان، ط 2018/1، ج 1، ص 20.