التطبيع العسكري وعهد الحماية الصهيونية

Cover Image for التطبيع العسكري وعهد الحماية الصهيونية
نشر بتاريخ

المرحلة الثالثة للتطبيع

سبق لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن صرح في 13 سبتمبر 2021 خلال لقاء الاحتفال بمناسبة مرور سنة على اتفاقيات أبراهام بين “إسرائيل” ودول عربية، أن وزير الدفاع الإسرائيلي ووزير الاقتصاد سيقومان بزيارة رسمية إلى المغرب في الفترة المقبلة.

هذا يعني أن الأمور مرتبة ومخطط لها، وأننا أمام مرحلة جديدة من التطبيع، فبعد مرحلة التطبيع الديبلوماسي ومرحلة التطبيع الشعبي (التربوي والسياحي والاقتصادي…) يأتي التطبيع العسكري وهو الأخطر. والإعلان عنه في تلك المناسبة من باب التباهي والمزيدات كحال أصحاب “الغرامات” في الأعراس، فهو عرس قران بين الصهيونية والعرب المتصهينين، الذين يزايدون ويتسابقون ويهرولون لإرضاء الكيان الصهيوني على حساب الحق والدم الفلسطيني، ومصلحة الوطن. وهو إعلان في ظل الاحتفال بالدين الجديد دين أبراهام الذي ارتضته الصهيونية لنا دينا بدلا عن الإسلام الذي ارتضاه لنا رب العالمين، والذي حكم علماء الأمة ببطلانه. قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران 85).

وبالفعل أعلنت وزارة دفاع الكيان الصهيوني، يوم الإثنين 15 نوفمبر 2021، بأن وزيرها المجرم بيني غانتس، سيقوم بزيارة رسمية إلى المغرب في الـ25 من نوفمبر الجاري.

زيارة وزير دفاع الكيان الصهيوني إلى المغرب، أمر مدان ولا يشرف المغرب بل يسيء إليه، خاصة في ظروف المنطقة غير المستقرة.

هذه الزيارة الخطيرة وغير المسبوقة والمدانة، لسببين الأول طبيعة الزائر فهو صاحب سجل إجرامي، والثاني حساسية مجال التطبيع العسكري.

جرائم وزير الدفاع الصهيوني

أما الزائر فهو مجرم حرب عنصري صاحب سجل إجرامي، وثق جرائمه جدعون ليفي في جريدة هآرتس ونشرها موقع الدستور الأردني، ملخصها أنه المسؤول عن الجرائم التالية:

– العملية الانتقامية الوحشية في حق الشعب الفلسطيني تحت ذريعة “الثأر” لموت ثلاثة طلاب في مدرسة دينية يهودية؛ أسفرت عن اعتقال حوالي 400 فلسطيني، وإعادة اعتقال حوالي 50 من الأسرى المحررين في صفقة شاليط، والكل لا علاقة له بالحدث.

– العدوان على غزة في الجرف الصامد حيث تم قتل 2200 فلسطيني، ضمنهم 500 طفل ومن بين هؤلاء الأطفال 180 رضيعا وأكثر من 250 امرأة وأكثر من 100 عجوز، ومئات الآلاف من الأشخاص الذين اضطروا لترك بيوتهم.

– الهجوم على حي الشجاعية بتدمير أكثر من 120 مبنى سكني، وقتل أكثر من 40 فلسطينيا وجرح المئات. وقال تعليقا على التدمير “لقد استخدمنا القوة بأكثر ما نستطيع من ضبط ومراقبة”، وهو قد استهدف 120 هدفاً في الحي أغلبها مبانٍ سكنية بائسة، أسقط عليها قنابل تزن الواحدة طناً.

– الهجوم على مدينة رفح، وتدمير الأحياء السكنية على أصحابها من الفلسطينيين بكل وحشية، والقيام بقتل أكثر من 100 مدني فلسطيني. وقد اعتبرت هذا الهجوم أمنستي إنترناشيونال “جريمة حرب”.

وبالمجمل فبسبب أوامره اليوم يقتل الشعب الفلسطيني ويعتقل ويضطهد.

إن استقبال هذا المجرم العنصري صاحب السجل الإجرامي في بلد المغرب لهو عار وخزي وسبة في جبين المطبعين وطعنة غائرة في صدر الفلسطينيين والأمة.

التاريخ السري للتطبيع العسكري

بدأت بصفقات السلاح سرا قبل التطبيع الرسمي، حيث كشف الباحث جوناثان هيمبل، المختص في الصادرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، في مقال له على صحيفة “هآرتس” أن الصادرات العسكرية الإسرائيلية للمغرب ظلت سرية في معظمها. مضيفا أن “إسرائيل” شحنت في السبعينيات دبابات إلى المغرب، ومن عام 2000 حتى عام 2020 قام مسؤولون من كلا البلدين بعدد من الزيارات السرية وغير السرية. كما يسجل أنَّ “إسرائيل” باعت المغرب أنظمة عسكرية وأنظمة اتصالات عسكرية وأنظمة مراقبة عبر طرف ثالث.

وذكر أن القوات الجوية المغربية اشترت في عام 2013 ثلاث طائرات بدون طيار من نوع هيرون من صنع شركة صناعات الطيران الإسرائيلية بتكلفة 50 مليون دولار، وحصل المغرب على هذه الطائرات عبر فرنسا.

ترسيم التطبيع العسكري وخطورته

أما خطورة ترسيم التطبيع العسكري فيرجع لحساسية المجال وتداعيات الاتفاقيات المزمع التوقيع عليها؛ فحسب بعض التصريحات فالاتفاق “سيقرر إطار العلاقات الأمنية بين الطرفين، بما في ذلك العلاقات بين الجيش الإسرائيلي والقوات المسلحة المغربية، حيث ستتضمن الاتفاقية المذكورة التفاهم على التنسيق بين الأسلحة، والاستخبارات، والمشتريات الأمنية، وتدريبات مشتركة”، وسيشمل كذلك الاتفاق على إحداث مصنع لصناعة الطائرة المسيرة عن بعد المعروفة باسم “كاميكاز” أو الانتحارية، هذه الطائرات المصنعة مغربيا قد لا يتورع الكيان الإرهابي عن توظيفها في تقتيل الفلسطينيين والمسلمين في مختلف الأماكن.

وتأتي هذه الخطوة موازية للإعلان الرسمي للمغرب عن المرسوم التنفيذي رقم 2.21.405، الخاص بتصنيع المواد والمعدات الدفاعية والأمنية والأسلحة والذخيرة، الصادر في الجريدة الرسمية، ليشرع المغرب من خلاله في تصنيع الأسلحة والذخائر فوق ترابه، لنرى كيف تصاغ وتهيأ القوانين حسب الرغبات والمصالح الصهيونية.

ومن الخطوات الخطيرة في التطبيع العسكري والتي سبقت هذه الاتفاقيات هي اتفاق الأمن المعلوماتي؛ ففي 17 يوليوز 2021 وقعت أول اتفاقية تعاون في مجال الحرب الإلكترونية، بإقامة تعاون في “البحث والتطوير ومجالات عملياتية في السايبر”، بهدف ضبط قطاع تخزين المعلومة وتدبيرها بشكل آمن، مما يجعل قواعد بيانات المغرب والمغاربة بيد الكيان الصهيوني وكأنها أيادي آمنة، وهي الأيادي الآثمة والملطخة بدماء الأبرياء والغدر والخيانة، وما فضيحة التجسس عبر برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي، التي اتهم فيها المغرب، إلا الشجرة التي تغطي الغابة.

هذه مجرد الأمور المعلنة أو المسربة وما خفي أعظم.

فالتطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني يكتسي خطورتين بغض النظر عن آثاره وانعكاساته على القضية الفلسطينية والأمن القومي وما يمثله من تردي أخلاقي وقيمي.

الخطورة الأولى مرتبطة بأمن المغرب واستقراره، فإن التطبيع مع محتل له مشروع وأطماع توسعية وله سوابق في الغدر والخيانة، ثم نستأمنه على جيش البلد ونسمح له باختراقه، لهو الحمق بعينه، أو لهي الخيانة العظمى للدين والوطن.

أما الخطورة الثانية فتعني أمن المنطقة واستقرارها، فلن يتوانى المحتل عن إشعال نار الفتنة والحرب بين دول المنطقة حتى يتحقق مراده، ببيع الأسلحة ووهم الدعم، وإضعاف وتقسيم دول المنطقة والضغط على غير المطبع حتى يطبع ضد إرادة شعبه. وتوظيف المغرب في تحالفات ومحاور عسكرية لا ناقة ولا جمل له فيها، ونربأ به أن يكون أداة للمحتل، لتصفية حساباته على حساب أمن واستقرار المغرب، أو يكون قنطرة للكيان الصهيوني ليعيث فسادا في دول المغرب الكبير أو يكون معبرا للمحتل لتقوية نفوذه في دول إفريقيا. وهو الشيء الذي ظهر جليا في تصريحات وزير الخارجية الصهيوني من الدار البيضاء حيث قال: “إسرائيل تعبر عن قلقها من دور الجزائر، التي أصبحت قريبة من إيران، والتي تقف وراء الحملة الأخيرة بهدف منع إسرائيل من الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي”.

إن الكيان الإسرائيلي يريد من المغرب أن يكون بوابة ومعبرا لأطماعه في دول المغرب الكبير وفي باقي دول إفريقيا، كما يريده أن يقوم بالحرب بالوكالة عنه في محوره التحالفي.

التطبيع العسكري تنكر لدماء “التجريدة المغربية”

إن التطبيع العسكري مغامرة باستقلال البلد واستقرار المنطقة، كما هو طعن للشعب الفلسطيني وللجيش المغربي الذي أحرقه الجيش الصهيوني في حرب أكتوبر 1973، حيث رمته طائراته بالنبال المحرق، حيث وصلت جثتهم إلى المستشفى وهي جثت مفحمة. وقد حدثنا شاهد عيان الشيخ محمد الزحيلي وهو يبكي عن جثت المغاربة المحترقة التي تسلموها في المستشفى وقد احترقت ألبستهم وأحديتهم، بعد أن سطرت “التجريدة المغربية” بطولات وحققت نصرا مؤزرا باستماتة الجنود المغاربة حيث تمكنت من تحرير جبل الشيخ الاستراتيجي المطل على دمشق وتل أبيب، لكن خيانة وغدر النظام السوري المستبد بتغييب التغطية الجوية مكن الطيران الصهيوني من محاولة إبادة الجيش المغربي، لولا تدخل الطيران العراقي، وبلغ عدد الشهداء المغاربة 170 شهيد حسب بعض الإحصائيات، وما زالت قبورهم شاهدة على بطولتهم في القتال وقد يسر الله لي زيارتهم والترحم عليهم في وفد مغربي يتقدمه الأستاذ فتح الله أرسلان نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان. وما زالت التجريدة المغربية تعتبر أسطورة في مخيلة الشعب السوري والشعوب العربية، وقد سميت إحدى أكبر ساحات دمشق باسم “التجريدة المغربية”، ووضع نصب تذكاري لدورها في تحرير مدينة القنيطرة السورية.

وقد قال الحسن الثاني في إحدى خطاباته الموجهة إلى الشعب خلال إحدى الليالي في أواخر 1972، أنه قال لصديقه عبد الحليم خدام وزير خارجية سوريا عندما جاءه يطلب المساعدة: “أرجوك لا تطلب مني شيئا فليس لدي ما أعطيك إياه، لكن إذا أردت الرجال فهم عندي”.

بغض النظر عن السياق الذي اتخذ فيه قرار إرسال تجريدة مغربية للمشاركة في حرب 73، حيث جاء بعد انقلابين عسكريين، انقلاب غشت 1972 وانقلاب الصخيرات 1971، وبغض النظر عما يقال عن علاقاته بالموساد ودوره في هجرة اليهود المغاربة، وتمكين الصهاينة من تسجيلات القمة العربية عام 1965، ممّا هيّأ لها سبل الانتصار في حرب 1967، يبقى قرار السماح بالمشاركة في الحرب يحسب له، وقد صدق في كلمته بأن عند المغرب رجال، وسيبقى للمغرب رجال في الجيش ووسط الشعب لا يقبلون الظلم والضيم، وسيدافعون عن القدس كما يدافعون عن المغرب من الاحتلال والاختراق اليهودي الصهيوني.

في الختام

إن السؤال المركزي اليوم هو ماذا يخبئ الكيان الصهيوني للمغرب من مفاجآت؟ وماذا بعد التطبيع العسكري؟ بل ماذا بعد مسلسل التطبيع؟ هل هو الاحتلال تحت اسم الحماية الإسرائيلية للمغرب، بعد الحماية الفرنسية والإسبانية؟ أم هو الاستيطان والإجلاء كما فعلوا بأهل فلسطين التي دخلوها بحثا عن الأمن، فأحرقوها وشردوا أهلها، بعدما آووهم وأحسنوا إليهم؟

ونظرا لخطورة التطبيع وعلى وجه الخصوص التطبيع العسكري، تفتعل السلطة المغربية معارك هامشية، لتشغل الناس عما يجري على مستوى التطبيع، وما يعانيه الشعب المغربي اليوم ما هو إلا ثمرة لخيار تحالف الاستبداد مع الصهيونية، وستريك الأيام أن السحر لا محالة سينقلب على الساحر، ولا يفلح الساحر أبدا. وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.