الانتخابات المغربية ووهم التغيير

Cover Image for الانتخابات المغربية ووهم التغيير
نشر بتاريخ

قال أوفقير لسعيد بن خضراء الكاتب العام لمجلس النواب وهو يستلم منه مفاتيح المؤسسة: ليكن في علمك بأني هنا من أجل القيام بمهمة محددة، هي خرق القانون) 1 .

أعدم أوفقير أو انتحر، ومات البصري منبوذا خارج الحدود، بعد أن قضى عمره في خدمة المخزن بوفاء، وتقلد ذات المنصب بعدهما آخرون، وصار القطار في نفس السكة، سواء كان السائق ماهرا أو متدربا، القضية في غرفة القيادة.

مضى عهد قديم وسمي آخر جديدا، والقاسم المشترك هو روح السياسة وجوهرها، ثابت لا يقبل التبديل ولا التغيير.

ما الذي تغير منذ “الاستقلال” إلى يومنا هذا؟

يجيبنا المفكر والمؤرخ عبد الله العروي: المحقق إننا لن نغادر القفص الذي شيده الحسن الثاني وسجننا فيه، إذا استمرت الأمور في هذا الاتجاه، ولا داعي إلى تغيير الوجهة إذا فضل الجميع تجنب المواجهة) 2 .

يستدعى المواطنون باستمرار للإدلاء بأصواتهم بانتظام، لكن النتيجة هي هي، سلطة لا تتغير رغم صناديق زجاجية شفافة، رغم حضور مراقبين دوليين يدلون بشهادتهم بأن الانتخابات مرت في ظروف جيدة، والمخالفات القانونية لم تعد بذلك الشكل الفظيع القديم. قد بلغت الأحزاب من الضعف مبلغه، وأصابها التشرذم والذبول، فاستغنى النظام عن وسائله التقليدية في العبث بالنتائج مع استمرار ثوابته الاستراتيجية، عدم السماح لأي حزب بالهيمنة على الساحة السياسة، وقدرته على تشكيل حكومة بمفرده. وهذه الحكومات بكل أصنافها وتلويناتها كما يقول العروي بحق تشتغل في مجالات متعددة سوى المجال السياسي، كما كانت تهاب أن تمس حية سامة.وضعت مستقبلها بيد الملك، يحتفظ بها ما أراد، ويتخلص منها متى أراد) 3 .

حكومة منتخبة لا تملك من برامجها ولا من أمرها شيئا، تقضى الأمور في غيابها، هناك حكومة الظل التي تشرف بشكل مباشر على مجريات الأمور، يقول موريس بوتان: فالديوان الملكي هو بمثابة حكومة موازية يتحكم في النشاط الحكومي برمته) 4 .

قال الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في حوار أجرته معه مجلة “ريالتي” الفرنسية في نونبر 1966 لما سألته عن رأيه في ما يمكن أن يواجه من مشاكل مع الوزراء، فكان جوابه: إذا لم يقبل أحد منهم “أن يحكم” سأقول لسائق سيارتي كن وزيرا) 5 .

فلا غرابة من تصرف الملك محمد السادس من اتخاذ عدة إجراءات ذات حساسية كبرى، وعلى مستوى توقيتها ومستوى طبيعتها وفي الوقت الذي كان السيد عبد الإله بنكيران بصدد مشاوراته بشأن تشكيل الحكومة الجديدة. قام الملك:

1- بتعيين فؤاد علي الهمة العضو المؤسس لحزب الأصالة والمعاصرة والمعروف بمواقفه المناهضة للحركة الإسلامية مستشارا للديوان الملكي، مما سيفرض واقعا سياسيا على رئيس الحكومة الامتثال والانصياع له.

2- تعيين السيد ياسر الزناكي وزير السياحة سابقا والمنتمي للتجمع الوطني للأحرار مستشارا، وما يحمل هذا التعيين هو الآخر من رسائل.

3- تعيين الملك لعدد من السفراء والسفيرات جلهم من أطر وزارة الخارجية التي يترأسها الطيب الفاسي الفهري، وهي كلها إشارات واضحة ترمي إلى التذكير بكون مجال الدبلوماسية الخارجية سيبقى ضمن المجال الخاص بالملك. هو المجال نفسه الذي لم يطق وجود السيد العثماني كوزير للخارجية فكان عليه أن يغادر المنصب وبهدوء، وذلك ما حدث بالفعل.

نجد أنفسنا أمام هيمنة مطلقة للمؤسسة الملكية على النظام السياسي واحتكارها لمعظم الصلاحيات التشريعية والتنفيذية، ويبقى المسار الانتخابي خاليا من أي رهانات سياسية قد يكون لها تأثير على جوهر النظام وطبيعته. وضعية شاذة في عالم السياسة، وزراء بدون سلطة ولا سيادة، مقابل امتيازات وإغراءات المال والمنصب، هذه الوضعية عكستها حالة وزير إعلام عاجز أمام موظفة يفترض أن تنضبط لدفاتر تحملاته.

وزير العدل والحريات يخرج بتدوينة مستنكرا التهميش الذي يعيشه -وا أسفاه- فيكتب: وزير العدل والحريات لا يستشار ولا يقرر في شأن ذلك مما يعني أن أي رداءة أو نكوص أو انحراف لا يمكن أن يكون مسئولا عنه)!!

التشكي من “التحكم” لا ينتهي وآخرها ما صدر من وزير الإسكان السيد نبيل بن عبد الله، فتكفل الديوان الملكي للرد عليه مباشرة، أما رئيس الحكومة فقد انتهى به الأمر إلى القول بأنه “لا يحكم”.

إن هؤلاء الذين يشتكون هم أنفسهم المتحمسون للتغيير من خلال ما تفرزه صناديق الاقتراع، رغم أن اللعبة السياسية في وطننا تحدد وترسم بعيدا كل البعد عن إفرازات اللعبة الانتخابية ونتائجها.

والسؤال البسيط الذي يفرض نفسه إذا كانت الانتخابات بهذه الطقوس التي تتم بها هي السبيل لمحاربة الفساد وإحداث التغيير، لماذا لم يحصل أي تغيير، والأوضاع ازدادت بؤسا وقتامة؟

إن الانتخابات في المغرب فقدت كل المعاني الجميلة، وفقدت معها كل الآمال التي كان يعقدها عليها الكثير من المواطنين لما رأوا أنها لا تنتج إلا نمطا وحيدا، وفريدا في الحكم، لا يتغير بتغير السنين، ولا بتناوب الأحزاب، إن الانتخابات في وطننا ليست للاستهلاك الداخلي وإنما لإيهام العالم الخارجي أننا أمة ديمقراطية يشارك برلمانها المنتخب في تسيير دفة الحكم. لذا مقاطعة الانتخابات ضرورة ملحة لإنقاذ الوطن من المجهول الذي يصر المخزن بسلوكه وتسلطه أن يوصلنا إليه.

فالأمة التي تساوم على حريتها توقع وهي راضية في الوقت ذاته على وثيقة عبوديتها.


[1] جون واتربوري، “أمير المؤمنين والنخبة السياسية المغربية”.\
[2] عبد الله العروي “خواطر الصباح” ص 50.\
[3] عبد الله العروي “خواطر الصباح” ص 28.\
[4] كتاب “الحسن الثاني.. ديغول.. بن بركة” ص 495.\
[5] عبد اللطيف جبرو “عبد الهادي بوطالب مناطق الظل في مسار سياسي” ص 105.\