“الاتجار بالبشر”.. هل هي تهمة لتصفية الخصوم؟

Cover Image for “الاتجار بالبشر”.. هل هي تهمة لتصفية الخصوم؟
نشر بتاريخ

يمثل الدكتور محمد باعسو أمام محكمة الاستئناف بمكناس متّهَما بجريمة الاتجار بالبشر، وهي جريمة فضفاضة، في نصوص القانون الجنائي، صادق عليها المشرع المغربي في سياق خاص وبشكل استعجالي، استجابة للتشريعات الدولية الهادفة للحد من الهجرة السرية ومكافحة العصابات المتخصصة في التهجير اللاشرعي واستغلال المهاجرين النازحين من مناطق الفقر أو الحروب والنزاعات كإفريقيا وآسيا أو المكسيك نحو أوروبا وأمريكا، وهذا ما يفهم من سياق النصوص القانونية والوقائع الدولية، وسيحاول هذا المقال -بشكل مختصر- مناقشة هذا القانون من حيث سياقاته الواقعية التي أملت على المجتمع الدولي إصداره، ومن حيث تعريفاته وماذا يقصد به، ومن حيث التفسيرات والتأويلات القانونية التي واكبت تطبيقه عمليا عند تنزيله قضائيا وأمنيا.

يعتبر المكتب الدولي المعني بالمخدرات والجريمة التابع لمنظمة الأمم المتحدة “الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين جريمة عالمية وواسعة الانتشار والتي تستخدم فيها الرجال والنساء والأطفال من أجل الربح. وتستفيد الشبكات المنظمة أو الأفراد الذين يكونون وراء هذه الجرائم المربحة من الأشخاص الضعفاء أو اليائسين أو الذين يبحثون ببساطة عن حياة أفضل” 1.

كما يعتبر الانتربول مكتب الشرطة الدولية أنها “شكل من أشكال الجريمة الدولية المنظّمة، يكلّف مليارات الدولارات، ويشكّل عبودية العصر الحديث. وهي مجرد سلعة يتم استهداف الضحايا على نقاط ضعفهم والإتجار بهم بين البلدان والمناطق باستخدام الخداع أو الإكراه، بمجرد وصولهم إلى وجهتهم، يتم تجريدهم من استقلالهم وحرية حركتهم واختيارهم، يجبرون على العمل في ظروفٍ غير مستقرّة. وغالباً ما يواجهون أشكالاً مختلفة من الإيذاء الجسدي والعقلي. يرتبط الاتجار بالبشر بعدد من الجرائم، بما في ذلك تدفقات الأموال غير المشروعة، واستخدام وثائق السفر المزورة، والجريمة السيبرية” 2.

إذن فالسياقات الدولية تشير إلى أن “جريمة الاتجار بالبشر” هي جريمة جماعية دولية عابرة للحدود منظمة تشرف عليها شبكات إجرامية، وأنها تستهدف الربح، ومرتبطة بالتهجير السري والتشغيل القسري، وتقوم على استغلال حاجة المهاجرين أو من هم في وضعية هشة جدا وغير خاضعين للحماية، بشكل قسري، وتتعدد أنواع هذا الاستغلال: 3

1/ الاتجار بالبشر لأغراض العمل القسري.

2/ الاتجار بالبشر من أجل الأنشطة الإجرامية القسرية.

3/ الاتجار بالنساء للاستغلال الجنسي.

4/ الاتجار بالبشر لاستئصال الأعضاء.

5/ تهريب المهاجرين.

وما يهمنا في هذا المقال “الاتجار بالنساء للاستغلال الجنسي” وهي التهمة التي يتابع بها الدكتور باعسو في هذا الملف الملفق، والتي بالعودة إلى التفسير الذي يقدمه المشرع الدولي لمفهوم وواقع الاتجار بالنساء للاستغلال الجنسي فهو “الشكل السائد للاتجار في كل منطقة في العالم، إما كبلد مصدر أو بلد عبور أو بلد مقصد. إن النساء والأطفال من البلدان النامية، ومن القطاعات الضعيفة من المجتمع في البلدان المتقدمة، تغريهم الوعود بالعمل اللائق ومغادرة منازلهم والسفر إلى ما يعتبرونه حياة أفضل، وكثيراً ما يتم تزويد الضحايا بوثائق سفر مزورة وتُستخدم شبكة منظمة لنقلهم إلى بلد المقصد، حيث يجدون أنفسهم مجبرين بالاستغلال الجنسي ومحتجزين في ظروف غير إنسانية ورعب مستمر” 4. إذن هي جريمة جماعية منظمة مرتبطة بشبكات وبعصابات تحترف جرائم التهجير والتزوير والاستغلال المصاحب غالبا بالاحتجاز.

ولتقريب التعاطي الدولي مع جريمة الاتجار في البشر في القوانين والتجارب الدولية، نقف مع تقرير رسمي يغطي تدخل الانتربول لتفكيك شبكة دولية في عملية أطلق عليها Turquesa 5 استهدفت أشخاصا ضالعين في الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وأسفرت عن إنقاذ ضحايا وكشف مهاجرين واعتقال جناة مشتبه بهم في 32 بلدا.

وفي الجولة الرابعة من سلسلة عمليات Turquesa التي نفذها الإنتربول على مدى خمسة أيام (28 نوفمبر – 2 ديسمبر) استعان محققون من أمريكا اللاتينية بقدرات المنظمة للعمل مع أجهزة الشرطة في جميع القارات على إيجاد قرائن مفيدة للتحقيقات وتعطيل المجموعات الإجرامية التي تقف وراء الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين في العالم، وبينما يستمر الكشف عن نتائج هذه العملية، تشير التقارير الأولية إلى اعتقال 268 من الأشخاص المشتبه بتورطهم في تهريب مهاجرين أو الاتجار بالبشر أو في جرائم أخرى ذات صلة مثل الاحتيال في الوثائق والجنح الجنسية”.

إننا أمام تفسير دولي قانوني وواقعي يكشف سياقات هذا النوع من الجرائم، وإننا كذلك بالرجوع إلى السياق الوطني لا نبتعد كثيرا، فمثلا إذا عدنا إلى ورشة المحاكمة الصورية المشتركة بين المغرب والنيجر المنظمة في 3 غشت 2022 حول قضايا الاتجار بالبشر 6، والتي عرفت مشاركة العديد من الوجوه القضائية والأمنية في المغرب ومن العالم، نجد أنها لم تذهب بعيدا في تعريفها للجريمة قانونيا وواقعيا عن التوصيف الأممي والدولي، حيث ربطته هي أيضا بخصائص ثلاثة: كونها جريمة منظمة، وأنها عابرة للحدود، وأنها مرتبطة بالهجرة أساسا، وهو ما ذهب إليه الأستاذ محمد شبيب ممثل النيابة العامة في مداخلته الافتتاحية.

أو إلى الندوة الثالثة التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قبلها، حول جريمة الاتجار بالبشر في إطار برنامج “خميس الحماية” يوم الخميس 31 مارس 2022 7، والتي خُصّصت لتقديم قراءة حول التقرير الوطني الأول حول الاتجار بالبشر بالمغرب الذي أصدرته اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، حيث أكدت رئيسة المجلس أمينة بوعياش في كلمتها بالنيابة: “أن جريمة الاتجار بالبشر جريمة مركبة ومعقدة وغامضة، يصعب تمييزها عن بعض الجرائم الأخرى المشابهة لها”، أو حتى بالعودة لرأي المجلس الاستشاري الذي طلبه منه مجلس المستشارين، نجده يشير إلى السياق الدولي وإلى الجريمة المنظمة، حيث اعتبر المجلس في توصياته نصا “أنه ينبغي أن يشمل نطاق تطبيق مقتضيات مشروع القانون المتعلق بالاتجار بالبشر كل أشكال الاتّجار بالأشخاص، سواء أكانت ذات طابع وطني أم ذات طابع عابر للحدود الوطنية، وسواء كانت تتعلق بالجريمة المنظَّمة أم لم تكن”.

إذن هناك صعوبات في التعريف، وفي الإثبات، وفي الإدانة، وفي التمييز بينها وبين جرائم أخرى؟ فلهذا يطرح سؤال ملح، لماذا يصر القضاء المغربي على تكييف المتابعة في هذا الملف المفبرك بالاتجار بالبشر، وقبله ملف طبيب التجميل الشهير التازي ومن معه 8، وملف الصحافي توفيق بوعشرين 9 الذي توبع بتهمة “الاشتباه في ارتكابه جنايات الاتجار بالبشر باستغلال الحاجة والضعف واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال… المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 1-448، 2-448، 3-448، 485 و114 من مجموعة القانون الجنائي، بكونها جرائم الاتجار بالبشر” 10.

هل بسبب سهولة الإدانة نظرا لكون القانون صيغ صياغة فضفاضة وواسعة، رغم أن أغلب الخبراء القانونيين يرون أن هذه الصياغة تجعل الإدانة به صعبة جدا لا العكس؟ أم لخطورة العقوبة وشدتها والتي تصل إلى ثلاثين سنة؟ أم للشناعة الأخلاقية والاجتماعية التي تشكل قتلا معنويا وأخلاقيا وسياسيا للمتابعين بها؟ أم هو استعداء دولي على المتهمين بمثل هذه الجريمة التي تعد “جذاما” قانونيا وحقوقيا، كتهم الإرهاب، التي استغلت فيما سبق للابتزاز والتصفية؟ أم أن السلطات المغربية تستغل كل هذا لتصفية معارضيها وخصومها السياسيين؟

إننا بقراءة هذا القانون الذي يعرف في الفصل 1-448 الاتجار بالبشر “تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال” 11. والذي جاء في سياق دولي ووطني خاص، لمعالجة نوع استثنائي من الجرائم المرتبطة بالهجرة السرية، سياق أشار إليه حتى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عند تنصيبه يوم الخميس 23 ماي 2019، أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، “تولي بلادنا أهمية كبرى لمكافحة الاتجار بالبشر، وتجسد ذلك في التصديق على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، من قبيل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والبروتوكول الملحق بها المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال” 12، ومما يدل على هذا السياق أيضا أن القانون جاء باقتراح من الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة.

الخلاصة إذن، إننا بإزاء قانون صيغ على عجل وبشكل غير دقيق، في غفلة من المجتمع الحقوقي والمدني المغربي، وفي سياق دولي ووطني هدفه محاربة الهجرة الدولية غير الشرعية التي تشرف عليها شبكات منظمة، وما يرافقها من استغلال للبشر ومن تزوير ودعارة واتجار بالمخدرات، وهي أركان تنتفي في ملف الدكتور محمد باعسو بشكل قاطع. نص قانوني تستغله السلطات المغربية بشكل بشع لتحييد خصومها واغتيالهم ماديا ومعنويا، كما تفعل سائر الأنظمة الديكتاتورية، لهذا ليس مستغربا أن يقدم نظام السيسي في مصر مثلا على توظيف نفس القانون للانتقام من بعض مخالفيه أو حتى مناصريه لابتزازهم وتخويف غيرهم، كما وقع مع رجل الأعمال محمد الأمين 13. الذي توبع بنفس القانون الذي صدر بشكل متأخر في مصر سنة 2021 14.


[1] مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة https://www.unodc.org/romena/ar/human-trafficking-and-migrant-smuggling.html.
[2] https://www.interpol.int/ar/4/15 موقع الانتربول الدولي المنظمة الدولية للشرطة الجنائية منظمة حكومية دولية تضم195 بلداً عضواً.
[3] موقع الانتربول الدولي https://www.interpol.int/ar/.
[4] تأسس مكتب الأمم المتحدة الإقليمي المعني بالمخدرات والجريمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 1997 يقدم الدعم للدول الأعضاء في المنطقة ليصبحوا أكثر أماناً من المخدرات والجريمة المنظمة والفساد والإرهاب..
[5] العملية المسماة “Turquesa IV” من أكبر العمليات التي نفذها الانتربول في 32 دولة، سنة 2022 واسفرت على تفكيك شبكات دولية للاتجار في البشر ضمنها مغاربة.
[6] نظمت ورشة المحاكمة الصورية المشتركة بين المغرب والنيجر، حول قضايا الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين لفائدة العاملين في قطاع العدالة الجنائية بالبلدين، امتدت على مدى أربعة أيام (من 2 إلى 5 غشت 2022)؛ بتنفيذ محاكاة للتحقيقات والمحاكمة الجنائية في كل مراحلها.
[7] ندوة عن بعد من تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان http://www.cndh.ma/ar/actualites/khmys-lhmy-ltqryr-lwtny-hwl-ltjr-blbshrqrt-mtqt.
[8] طبيب مغربي وجراح تجميل شهير رفض بيع عيادته الخاصة لكارتيلات الخدمات الطبية التي تريد الاستحواذ على قطاع الصحة في المغرب.
[9] توبع به توفيق بوعشرين وهو صحافي مستقل عرف بمعارضته للوبيات الفساد المالي والسياسي.
[10] القانون 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر- 25 غشت 2016.
[11] القانون 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر- 25 غشت 2016.
[12] حفل تنصيب أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه الخميس 23 ماي 2019 -موقع رئيس الحكومة-.
[13] رجل أعمال صاحب المجموعات الإعلامية قدم خدمات لنظام السيسي لكن بسبب علاقته مع الإماراتيين تم اتهامه باستغلال يتيمات في مأوى من إنشائه cb[13]c
[14] قانون رقم 64 لسنة 2010 بإصدار قانون مكافحة الاتجار بالبشر محدثاً حتى عام 2023.