الإحسان إلى الوالدين

Cover Image for الإحسان إلى الوالدين
نشر بتاريخ

وَقَضَىٰ رَ‌بُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ‌ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْ‌هُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِ‌يمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّ‌حْمَةِ وَقُل رَّ‌بِّ ارْ‌حَمْهُمَا كَمَا رَ‌بَّيَانِي صَغِيرً‌ا (الإسراء، 23-24).

أي سمو ترفعنا إليه هذه الآية؟ أية قمة سامقة من الروحانية تأخذنا هذه الرقة إليها؟

أمر الله ووصى أن منزلة الوالدين تأتي بعد عبادة الله سبحانه مباشرة، الإحسان إليهما لا يسبقه إلا حق الله تعالى، و ما ذلك إلا لما علمه سبحانه من شدة لهفة الوالدين على الولد والبنت أضعف ما يكون الولد وأهونه، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: “إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي  فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه”، أي قلب هو قلب الأم؟ حتى وهي في الصلاة يؤلمها بكاء رضيعها.

سبحان من غرس هذا الحب في قلب الأم حتى تؤثر راحت وليدها على راحتها.

يمتص الأبناء من الوالدين الجهد والصحة والاهتمام، فإذا هما بعد حين قد أقبلت عليهما الشيخوخة والضعف.

وتدور الحياة دورتها، فتصير الرضيعة أما ويصبح الوليد أبا، وقد نسيت البنت ما بذلت الأم وأعطت، وما جاهد الأب وعانى، لذلك احتاج الأبناء لهذه الوصية الحانية الرقيقة لرعاية الأب والأم وقد بلغ منهما الكبر والضعف كل مبلغ، ولا تحتاج الأم من يوصيها بأبنائها وكذلك الأب، فهما مدفوعان بالفطرة إلى رعاية فلذات الأكباد.

إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ‌ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ؛ إنه النهي عن كل حركة أو كلمة مهما صغرت تشي بالضيق والتبرم منهما.

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّ‌حْمَةِ؛ الطائر عندما يفرد جناحيه يرتفع في السماء، وعندما يضمهما ينخفض وينزل، منتهى الرقة والرحمة والرفق  .

وَقُل رَّ‌بِّ ارْ‌حَمْهُمَا كَمَا رَ‌بَّيَانِي صَغِيرً‌ا؛ ما أكثر ما ينسى الإنسان فيحتاج إلى الذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين، لقد كان صغيرا، كان ضعيفا، فرقق الله قلب أبويه عليه فرعيا وحفظا وبذلا، وها هو اليوم قرة عين لهما، لا يريان الدنيا إلا من خلال ابتسامته ونجاحه وسعادته.

يعيد الولد قراءة الآية بنفَس جديد، وبإحساس جديد، يعرف عندها، وتعرف البنت، مقدار ما تعبت الأم وتوجعت، وسهرت وتألمت، ومقدار ما كابد الأب وتحمل وصبر وتجمل.

“إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”؛  حب كبير و تعلق فطري بين الأبوين وذريتهما، إن لم يكن مصحوبا بحسن تربية الولد والبنت فلن يكون له امتداد إلى الحياة الآخرة. يعضد هذا المعنى قوله تعالى: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، فرقت بينهما العقيدة فلم يعد للرابطة الطينية وزن.

هل يصلني وأنا في قبري دعاء ابنتي واستغفار ولدي؟

يكون ذلك إذا حافظنا على فطرة الأبناء، وغرسنا مراقبة الله تعالى في نفوسهم، حتى يكونوا عملا صالحا لوالديهم وذخرا لأمتهم .

نستفرغ الجهد، ونأخذ بالأسباب، ثم نطرق باب رب الأرباب أن يصلح أبناءنا وبناتنا، ويجعلهم ممن يصنع مستقبل العزة للأمة.