استنتاجات حول قصص الأطفال بالمغرب (1)

Cover Image for استنتاجات حول قصص الأطفال بالمغرب (1)
نشر بتاريخ

قصص الأطفال فن أدبي جميل، له خصائصه ومقوماته الفنية. وله القدرة على رسم الحياة على اختلاف مظاهرها، والوقوف على العواطف الإنسانية، مستخدما اللغة، ومتخذا من النثر أسلوبًا له. ويُعتبر أكثر أنماط أدب الأطفال انتشارًا. فهو يتصدر جميع الفنون الأدبية المقدمة للطفل نظرا لما يتميز به من متعة وتشويق والقدرة على تحريك الخيال.

وقد تبوأ هذا الفن مكانة مرموقة لدى المجتمع الغربي بعدما أدرك أهميته في تنشئة الأطفال على القيم التربوية والمجتمعية، ودوره في تثقيفهم وتربيتهم على تذوق الأدب والفن.

وفي البلاد العربية كانت الانطلاقة من مصر، مهد النهضة العربية، على يد مجموعة من الأساتذة المشتغلين بقضايا التعليم، والذين أحسوا بأهمية هذا الفن الموجه للأطفال. فقد قام رفاعة الطهطاوي (1801- 1873) بإدخال قراءة القصص والحكايات في منهج التعليم الابتدائي، وكان بهذا العمل من أوائل الذين قدموا للأطفال أدبا مدونا بالعربية نقلا عن الإنكليزية) 1 .

أما في المغرب، فقد أدرك الأدباء أهمية قصص الأطفال، بعدما رأوا المكانة التي حظي بها هذا النوع الأدبي من طرف نظرائهم في المشرق. وأدركوا أهميته التربوية والأدبية ودوره في تعزيز الحس الوطني والتحلي بالقيم الدينية والتربوية. وكانوا يترقّبون ما يُنتجه الشرق من باب دعوة غير مباشرة للاهتمام بهذا النوع الأدبي الموجه للأطفال. و(كان قسم من الصحافة المغربية يتابع الإصدارت المصرية للأطفال. ففي سنة 1935 أشارت مجلة “المغرب الجديد ” في باب معرض الكتب إلى صدور سلسلة “القصصية المدرسية” لسعيد العريان وأمين دويدار ومحمود زهران 2 .

وذهب الدكتور محمد أنقار إلى ربط بداية قصص الأطفال بالمغرب بظهور صحافة الأطفال في سياق الحركة الوطنية خلال عهد الحماية الفرنسية، لما لها من دور في التوعية الاجتماعية والتعريف بالقضية المغربية 3 . ولذلك حدد بداية قصص الأطفال المغربية بتاريخ 1947، رابطا ظهورها بـ”صفحة الطفل”التي تصدر ضمن جريدة “العلم”. هذه الصفحة، وفي الأسبوع التالي من صدورها، تضمنت الحلقة الأولى من حكاية كامل كيلاني “عبد الله البري وعبد الله البري” المقتبسة من ألف ليلة وليلة، وبعض النكت، وقصة قصيرة جدا بعنوان “عشب وندم” موقعة بحروف “م. ه. ل”. والراجح أنها مترجمة أو مقتبسة من نص مترجم بدوره) 4 .

ولكن المبادرات الأولى ظهرت قبل ذلك على يد عبد الغني التازي الذي كتب سنة 1936 ثلاث قصص، تعتبر أول عمل أدبي مغربي للأطفال، يوجد بين أيدينا، من هذا النوع. وهذه القصص هي قصة “القاضي والشجرة” و”قصة سيدنا إسماعيل” و”جحا الفاسي وجحا المراكشي”. وبذلك يخلد هذا الاسم في ميدان قصص الأطفال بالمغرب، باعتبار إنجازه أقدم مبادرة في القرن المنصرم، توجد بين أيدينا حتى الآن. كما ظهرت قصة أخرى بعنوان “الاتحاد قوة” للكاتب أحمد بن عبد السلام الساعدي، سنة 1943.

وفي سنة 1948 ظهرت جريدة “صوت الشباب المغربي” التي أكدت، من خلال عددها الرابع، أنها مستمرة في العناية بقصص الأطفال 5 . وفي بداية الخمسينيات، وبالضبط سنة 1952، صدرت مجلة “هنا كل شيء”، وأكد محرر المجلة أنه لم ينس الأطفال، وأنهم سيجدون فيها قصصا مصورة تكون معينة للعائلة على التربية وللأساتذة على التعليم 6 .

كانت تجربة هذه المرحلة تعتمد بالدرجة الأولى على الاقتباس والنقل والترجمة. وكان ذلك مستساغا، لأن المهم آنذاك هو توفير نصوص قصصية للأطفال ذات بعد أخلاقي أو تعليمي بغض النظر عن طبيعة مصدرها) 7 . ولذلك تم النقل، منذ نهاية الأربعينيات إلى ما بعد الاستقلال، من قصص كامل كيلاني بالمرتبة الأولى، ومحمد عطية الإبراشي في المرتبة الثانية. وتم النقل بكمية أقل عن محمد سعيد العريان ومصطفى دردير ومحمود أحمد شريت وفاروق عابدين ومحمد عبيد سيد أحمد وغيرهم 8 . ولم يقتصر النقل من الكتاب المعاصرين في الشرق، بل اتجه النقل إلى التراث القصصي العربي ليأخذ منه جملة وتفصيلا، ومن دون ضوابط أو مقاييس، مجموعة من حكايات ألف ليلة وليلة ونوادر تتصل بشخصيات عربية…) 9 . كما تم الاستفادة من التراث العالمي. وهناك قصصا طفلية مغربية تمتح مضامينها من القصص العالمية المعروفة أو تستمد مضامينها من النصوص العربية المشرقية نقلا واقتباسا وتحويرا وتناصا) 10 .

ولعل قصص الأطفال بالمغرب ظلت مقيدة أيضا بمنطق الاستعمار الذي يراقب كل الجوانب الفكرية، ومنها أدب الأطفال. فكان من الصعب توظيفها لتعزيز الحس الديني أو الوطني أو الاجتماعي لدى الناشئة. ولم يتأتى ذلك إلا بعد الاستقلال حيث تحررت الأرض والإنسان، وتحرر معهما الأدب، ومنه قصص الأطفال، لتعالج لأول مرة وبكل حرية موضوعات محلية لها صلة بالنضال والحركة الوطنية، كما في النصوص العديدة التي نشرتها جريدة “منار المغرب” في سنتي 1957 و1959 تحت عنوان “حكاية جدتي”) 11 .

استنتاجات حول قصص الأطفال بالمغرب

اعتمدتُ، في هذه الدراسة، على قصص الأطفال المكتوبة بأقلام مغربية، أوردها جميل حمداوي في كتابه “ببليوغرافيا أدب الأطفال بالمغرب” 12 . بالإضافة إلى قصص أخرى وقفت عليها بعد البحث في المكاتب التجارية. وكان مجموع قصص الأطفال بالمغرب التي تناولتُها بالإحصاء هو 1416، وهو كل ما تمكنتُ من الوقوف عليه حتى الآن. ويمثل هذا المجموع معظم قصص الأطفال بالمغرب، في حدود سنة 2010، إن لم يكن كلها. ويلاحظ عنها أن وضعية قصص الأطفال بالمغرب بهذا الشكل له عدة دلالات:

أولا: ظهور قصص الأطفال بالمغرب تزامن مع مرحلة تاريخية لا يسمح لها بالتطور الطبيعي بسبب وجود الاستعمار الذي خنق حرية التعبير. فقد كان المستعمر واعيا بدور أي عمل أدبي في إذكاء روح المقاومة. وهذا ما أشار إليه العربي بن جلون حين رأى أن القصة في عهد الاستعمار كانت أداة من أدوات المقاومة، فلم تهتم بالشكل بقدر ما حاولت تعميم اللغة العربية وصيانتها) 13 . ولذلك كان الاستعمار الفرنسي حريصا على تعقب كل عمل أدبي يوقظ أي حِس يهدد وجوده بالمغرب، سواء كان حسا دينيا أو وطنيا أو اجتماعيا، بغض النظر عن الفئة التي يستهدفها. وكان طبيعيا أن نرى نمو قصص الأطفال بالمغرب بطيء جدا. وكان عبد الغني التازي أول من تجرأ وكتب قصص الأطفال بالمغرب، حسب مبلغ علمنا، حيث كتب قصة “القاضي والشجرة” وقصة “سيدنا إسماعيل” وقصة “جحا الفاسي وجحا المراكشي”. وطبعت هذه القصص الثلاث من طرف مطبعة أندري بمدينة فاس، سنة 1936.

ثانيا: الإنتاج القصصي للأطفال بالمغرب يعكس، في مرحلة من مراحله التاريخية، الإحساس بالحاجة إلى سد الفراغ الأدبي الخاص بالأطفال بالمغرب. هذا الإحساس استدعى تكتُّل الجهود للتعاون على تسريع وتيرة الإنتاج. وهذا ما قام به مجموعة من الكتاب، للدفع بهذا المجال الأدبي نحو النمو، وهؤلاء الكتاب هم:

– عبد الرحيم السائح ومصطفى العلوي وعبد الرحيم اللبار، الذين تعاونوا على كتابة قصة “حيرة إسماعيل”. طبعتها مكتبة الشباب بمدينة الرباط، سنة 1956.

– عبد السلام ياسين وعبد الكريم حليم ومحمد شفيق، حيث كتبوا ست قصص. تم طبعها بدار الثقافة بالدار البيضاء سنة 1970.

– عبد اللطيف بنحيدة ومحمد الملياري، اللذان كتبوا سلسلة من وحي السيرة النبوية. وتضم هذه السلسلة عشرين قصة، طبعت بدار الرشاد بمدينة الدار البيضاء سنة 1996.

– عبد الحق الكتاني وعبد الرحيم الكتاني اللذان كتبوا ثلاثة عشر قصة للأطفال.

– وكذلك فعل كتاب آخرون، لم يذكروا أسماءهم الشخصية، وهم:

– “جماعة من المربين” الذين كتبوا سلسلة “القصص التاريخية” والتي تضم عشر قصص. طبعتها دار نشر المعرفة سنة 1996. وسلسلة “قصص الصحابة” التي تضم عشر قصص. طبعتها نفس المطبعة سنة 1997. وسلسلة “عظماء الإسلام” التي تضم ثمان وثلاثين قصة، طبعتها دار إحياء العلوم سنة 1999. وكتبوا مجموعة من قصص الأنبياء عليهم السلام، وعددها تسعة. طبعتها دار نشر المعرفة سنة 1999. وقد بلغ مجموع القصص التي كتبوها سبعة وستون (67) قصة للأطفال.

– وكذلك فعل “مجموعة من أساتذة التاريخ” الذين كتبوا سلسلة قصص تاريخ المغرب للأطفال. وهي مجموعة قصصية تضم أربعة عشر قصة. طبعت بمكتبة المعارف بمدينة الرباط سنة 1985.

ثالثا: عرف الاهتمام بقصص الأطفال بالمغرب كُتابا، ساهموا فيه بقصة واحدة فقط، وعددهم خمسة عشر كاتبا. وبذلك عبروا عن المساهمة بالكتابة في ميدان قصص الأطفال. وكانت كتابتهم في هذا الميدان ممارسة لتحقيق الذات على عدة مستويات أدبية كمثقفين يهمهم كل ما هو مطروح في الوسط الأدبي المغربي. كما عرف كتابا آخرين وضعوا الإنتاج الأدبي الخاص بالطفل ضمن أولويات اشتغالهم الأدبي. فأنتجوا بغزارة، ووضعوا بَصْمَتهم في أدب الأطفال بالمغرب. أذكر من بينهم: العربي بن جلون (273 قصة) وعبد الفتاح الأزرق (83 قصة) وأحمد عبد السلام البقالي (72 قصة) ومحمد مسلك (68 قصة) وحميد السملالي (40 قصة) وعبد اللطيف بن حيدة (38 قصة) ومحمد المليار (31 قصة) وعبد الرحيم مودن (30 قصة).

وقد اتسم إنتاج المكثرين بالتنوع، من حيث التوجه والمصدر والحجم وعدد الصفحات. وأغلبه موجه للصغار فقط. ويرى محمد أنقار أن قصص الأطفال المغربية، لم تكن تحدد فئات جمهورها. وبالتالي يستحيل الحديث معها عن قِيم تساير مختلف مراحل أعمارهم 14 . في حين يرى الدكتور جميل حمداوي أنها تستغرق جميع مراحل الطفولة من التعليم الأولي أو ما يسمى أيضا برياض الأطفال إلى مرحلة الرشد والشباب مرورا بالمرحلة الدراسية ذات البعد الحسي الحركي ومرحلة الفتوة والمراهقة التي تتسم نسبيا بطابع التجريد وبناء العوالم التصورية والخيالات المدركة) 15 .

ومن كتاب قصص الأطفال بالمغرب مَن صرح أن عمله موجهٌ للصغار والكبار معا، كما ذكر أحمد عبد السلام البقالي في قصة:

– “المدخل السري إلى كهف الحمام” المنشورة سنة 1983.

– “علال بن عبد الله” سنة 1994.

– “المسيرة الخضراء” سنة 1996.

– “مسلسل للصغار والكبار” التي نشر منها خمس روايات، بين سنة 1984 و1986.

أما حجم قصص الأطفال بالمغرب فهو، كما يرى الدكتور جميل حمداوي متوسط، بالإضافة إلى هيمنة اللون الأبيض والأسود الذي تشكلت به الرسوم الداخلية، وتزينت به الصور المرافقة، وإن كانت الأغلفة الخارجية ملونة في الغالب. والسبب في هذا يعود إلى ارتفاع ثمن طبع القصص الملونة بالمقارنة مع طبع القصص العادية المطبوعة بثنائية الأبيض والأسود. وفي المقابل، هناك فعلا قصص ملونة من الداخل والخارج) 16 .

ومن قصص الأطفال بالمغرب ما فاق عدد صفحاته العشرين مثل:

– “حكاية الذئب والقنفد” لفاطمة أمطاط، الصادرة سنة 1998 وعدد صفحاتها 20 صفحة.

– “طرفة البطل الصغير” الصادرة سنة 1992 للكاتب آيت الطالب، حيث بلغ عدد صفحاتها 23 صفحة.

– “قصة أنثى الطاوس مع التاج” لفاطمة أمطاط. صدرت سنة 1998. عدد صفحاتها 28 صفحة.

– “سلسلة رحلة دينا الفضائية” لصاحبها توفيق مومن. وهي خمس قصص، صدرت سنة 1998، بلغ عدد صفحات كل منها 30 صفحة.

– خمس روايات لأحمد عبد السلام البقالي، صدرت سنة 1996، وبلغ عدد صفحات كل منها 94 صفحة.

– “أولى حكايات نابغ” لكاتبها زكرياء العمراني. صدرت بتاريخ 2007، وبلغ عدد صفحاتها 100 صفحة.

ومنها ما هو مترجم مثل “من روائع القصص الواقعية” للكاتب حميد السملالي الذي ترجمها بتاريخ 1997. وتضم 05 قصص.

ومنها ما أذيع بالإذاعة الوطنية كما فعل أحمد عبد السلام البقالي الذي أذاع بها قصة “الكِباش الضائعة” سنة 1983.

ومنهم من استوحى قصصه من القصص الشعبية ومن القصص الأوربية كما فعل محمد شفيق 17 . ومنهم من دوَّن قصة شعبية أمازيغية كما فعل أحمد عصيد في قصة “حمو أو نمير”.

رابعا: يُعد انخراط المرأة في التنمية وتطوير المجتمع مقياسا لتقدم الشعب المغربي. ولكن مساهمة الجنس النسائي في قصص الأطفال بالمغرب لم ترتق إلى المستوى المطلوب، بالرغم من كون قضيته ومشاركته في بناء المجتمع احتلتا حيزا مهما في النقاش السياسي المغربي. ولم تستطع تحقيق مكتسبات مهمة، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية، إلا بعد صراع متواصل في عدة مستويات. ولعل هذه الوضعية للمرأة المغربية هي التي كانت عاملا قويا في إضعاف مساهمتها في إنتاج قصص الأطفال. وكان على الأدب المغربي أن ينتظر إلى سنة 1988 لتأتي ثريا السقاط وتكتب أروع قصص للأطفال. ثم تليها منذ سنة 1998 إلى 2005 كل من فاطمة أمطاط وأمينة البليدي وزبيدة علوي وخديجة المسيح، ليصل عدد القصص المكتوبة من طرف العنصر النسوي 31 قصة فقط للأطفال. وهذا ما دفع الدكتور جميل حمداوي للقول أن قصص الأطفال بالمغرب ذكورية بامتياز، على الرغم من أن الأنثى أقرب إلى عالم الطفل وخياله الذهني والشعوري من الجنس الذكوري 18 .


[1] الحديدي، علي. في أدب الأطفال، 1976. ط 2، مكتبة الأنكلو المصرية. القاهرة. ص 45.\
[2] أنقار، محمد. قصص الأطفال بالمغرب. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان. الطبعة الأولى. سنة 1998. ص 109 .\
[3] محمد أنقار. المرجع السابق. ص 110.\
[4] محمد أنقار. المرجع السابق. ص 156.\
[5] محمد أنقار. المرجع السابق. ص 113.\
[6] محمد أنقار. المرجع السابق. ص 114.\
[7] محمد أنقار. المرجع السابق. ص 113.\
[8] محمد أنقار. المرجع السابق. ص 115 و116.\
[9] محمد أنقار. المرجع السابق. ص 119.\
[10] حمداوي، جميل. قصص الأطفال بالمغرب.الموقع الإلكتروني: دنيا الوطن. نشر بتاريخ 2009-07-06.\
[11] محمد أنقار. المرجع السابق. ص 114.\
[12] حمداوي، جميل. ببليوغرافيا أدب الأطفال بالمغرب، ط 1. مكتبة المعارف، الرباط 2010.\
[13] ابن جلون، العربي. القصة المغربية انطلقت من مرحلة المقاومة.الموقع الإلكتروني : “مغرِس”نقلا عن : وكالة المغرب العربي بتاريخ 08 / 12 / 2010.\
[14] محمد أنقار – المرجع السابق. ص 156.\
[15] حمداوي، جميل. قصص الأطفال بالمغرب. الموقع الإلكتروني : دنيا الوطن. نشر بتاريخ 06/07/2009.\
[16] نفس المرجع.\
[17] أنقار، محمد. المرجع السابق. ص319.\
[18] حمداوي، جميل. قصص الأطفال بالمغرب.\