إليك أمي…

Cover Image for إليك أمي…
نشر بتاريخ

أسدل الربيع الستار على بهجته وتربع الضباب عنان السماء فتوشحت بوشاح يمطر بعضا من حزن وهم وضيق، لحظات لا بد منها؛ فلا الفرح والسرور دائم ولا الضيق والحزن دائم، ولولا الثاني لما كان للأول طعم. كل منا تأتي عليه لحظات تملأ القلب ضيقا وهما، لكن لكل شدة مدة، وعسى أن تكون شدة أرفق من أخرى، ولو دام الفرح لغيري لما وصل إلي.

هي العقبات في طريق السير، مهما تعاظمت واشتدت لا تدوم ولا تخلد، بل إنها أقوى ما تكون اشتدادا أهون ما تكون انقطاعا وانفراجا، فعون الله، ورحمته وإحسانه، يأتي عند ذروة الشدة والامتحان، وهكذا فإن نهاية كل ليل غاسق فجر صادق.

في هذه اللحظات نلجأ للواحد الأحد، نحتمي به من حر ما نجد؛ اللهم ضاقت الدنيا وبابك مشروع، إن لم تكن، سيدي، أنت المغيث فمن يغيث؟

ومن أكبر جوده وإحسانه أن منح لكل واحد منا روحا طيبة كنسيم الفجر؛ تضمد الجراح وتجبر الكسور وتحضن عنان الروح وتربت بأكف الحنان على الكتفين.

حبيبتي أمي؛ كانت وما زالت العوض والسند، هي من أزهرت الروح وأيقظت الحياة وأنعشت لب القلب، جاءت بردا وسلاما على نار الجوف، لامست كلماتها خدوش الحزن، كانت الوطن والموطن والروح والرَّوْح والأنس والمواساة، روح رممت القلب وشدت عليه.

هي جبل أستند عليه، حضن أرتمي فيه، عقل راشد يقوم أخطائي، قد تقسو لكن قسوة  محب على حبيبه، قسوة كبيرة على صغيرتها، قسوة لينة تزيل الأحجار من الطريق..

روح لا تملني أبدا، تشد على يدي رغم البعد، تحضنني بكلماتها رغم المسافات، فالأحضان ليست دائما ذراعين، قد تكون أحيانا كلمات هينة لينة تسري ليونتها إلى سويداء القلب، تنبئك حروفها أنك محظوظة بها..

لن ينسى الله خيرا قدمته وهما فرجته وعينا كادت تبكي فأسعدتها..  روح وريحان، عوض من الله.

في ذروة الأزمات تأتيك دون طلب، تحس بما يعتلج في صدرك فتدنو وتقترب.

هي عصاي؛ أتوكأ عليها وأهش بها على همومي وأحزاني..

كلما جلست بصحبة الحزن، أتدبر مشاهدي أداعبها بآهات وانكسارات فؤاد أعيته خطوب الحياة، تتراقص أمامي صورة حياة بالكاد ملونة، تتراءى لي زحمة عالم يخنقني فيه الكلام، صار الحمل ثقيلا..

هذه كلمات ناضحة بأنوار البر والاعتراف بالجميل، أكررها لك أيتها الروح الزكية، أدرك قدرك ومكانتك وأنت معي، أدرك كم أحبك وأنت قريبة مني، لا حرمني الله منك.

مهما مدحتك لن أوفيك حقك، أقف راغمة متذللة على أعتاب قدسيتك وأنا أعرف أنني لن أوفيك حقك وإن جبت بك الأرض شرقا وغربا على ظهري.

أحبك فالنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، أنت نبع الماء الفياض في صحراء قاحلة، لذلك لا أملك إلا أن أقول لك: كفيت ووفيت..

صغيرتك..