إضاءات من هدي النبي ﷺ في تربية الأبناء

Cover Image for إضاءات من هدي النبي ﷺ في تربية الأبناء
نشر بتاريخ

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” رواه الترمذي و ابن ماجة.

راعى الهدي النبوي الشامل خلق الله في جميع مراحل حياتهم، فنجد الحبيب صلى الله عليه وسلم يعامل الطفل بحلم، قال سيدنا مالك: “أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم يوما لحاجة فخرجت، وقصدت صبيانا كانوا يلعبون في السوق لألعب معهم، ولم أذهب إلى ما أمرني به، فلما صرت إليهم شعرت بإنسان يقف خلفي، ويأخذ بثوبي، فالتفتت فإذا رسول الله يبتسم ويقول: “يا أنيس، أذهبت إلى حيث أمرتك؟” فارتبكت وقلت: نعم، إني ذاهب الآن يا رسول الله”، لا عجب أن يصنع منه كبيرا من كبراء الأمة.

التربية سلوك قبل أن تكون سلسلة من الأوامر والنواهي. نحن في حاجة إلى أن نربي أنفسنا على مزيد من الصبر والتحمل تجاه مواقف أبنائنا، بدلالتهم على الصواب دون استعمال أسلوب اللائية.

بل وكان صلى الله عليه وسلم يشارك الأطفال الصغار فرحهم وحزنهم، أخرج البخاري والترمذي وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عمير وهو – فطيم – وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟ والنغير طائر كان يلعب به”. يقول أنس بن مالك “وربما حضرت الصلاة وهو في بيته فيأمر بالبساط الذي تحته فينكس ثم ينفخ، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا”.

وعامل الشباب بحكمة رغم جلالة المواقف، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابًّا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: “أدنه”، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: “أتحبه لأمك؟”، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لأمهاتهم”، قال: “أفتحبه لابنتك؟”، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لبناتهم”، قال: “أفتحبه لأختك”، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لأخواتهم”، قال: “أفتحبه لعمتك؟”، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لعمَّاتهم”، قال: “أفتحبه لخالتك”، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لخالاتهم”، قال: فوضع يده عليه، وقال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فَرْجَه)، فلم يكن بعد – ذلك الفتى – يلتفت إلى شيء” رواه أحمد بإسناد صحيح.

 كما أوصى بمعاملة البنات بما يرضي الله، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي – صلى الله عليه وسلم – علينا، فأخبرته فقال: (من ابتلي بهذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة) رواه أبو داوود.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُشعر الناشئة بمكانتهم، فيروي سيدنا أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن سعد بن مالك – رضي الله عنه – ممن استُصغِر يوم أحد، يقول إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – نظر إليه، وقال: “سعد بن مالك؟” قال: نعم بأبي أنت وأمي. قال: فدنوت منه فقبّلت ركبته، فقال: “آجرك الله في أبيك”، وكان قد قتل يومئذٍ شهيداً. فقد عامله الرسول صلى الله عليه وسلم وعزّاه تعزية الكبار، وواساه في مصيبته بعد ميدان المعركة مباشرة.

وقد راعى الحبيب صلى الله عليه وسلم  كل جوانب الاستقرار النفسي، وأهمها الإحساس بالعدل، وكثير من الآباء يلهبون الغيرة بين الأبناء، ويثيرون التنافس فيما بينهم بتفضيل بعضهم على بعض، وقد تكون بحركة يعتبرونها يسيرة وبسيطة كالقبلة أو الابتسامة أو الاهتمام الزائد بتلبية حاجة أحدهم على الآخر، وتلبية رغباته في المأكل أو المشرب أو الملبس.

فعن النعمان بن بشير أن أمه -بنت رواحة- سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام. فأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله إن أم هذا (بنت رواحة) أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “يا بشير ألك ولد سوى هذا؟” قال: نعم. فقال: “أكلّهم وهبت له مثل هذا؟” قال: لا. قال: “فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور”، وفي رواية قال: “أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟” قال: بلى. قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “فلا إذاً” رواه مسلم.

ومن أهم الطرق النبوية؛ التربية بالقدوة. والقدوة الطيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وهذا ما أدركه الصحابة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيروي أحد الصحابة أن وائل بن مسعود – رضي الله عنه – يذكرنا كل خميس مرة. فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أن ذكرتنا كل يوم. فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أمِلَّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتعهدنا بها مخافة السآمة علينا” متفق عليه.

قال الله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا سورة الأحزاب، 21.