العلاقة الحميمة.. واحة الحياة الزوجية

Cover Image for العلاقة الحميمة.. واحة الحياة الزوجية
نشر بتاريخ

في نقاش عابر مع عدد من الصديقات المتزوجات خلال جلسة شاي، هالني ما سمعته عن تصور بعضهن للعلاقة الجنسية؛ فهناك من تعتبرها مجرد وسيلة للحصول على الولد، وهناك من تقبل بها حتى لا يبحث زوجها عن أخرى، وثالثة تتصورها واجبا ضمن واجبات عدة، بل إن هناك من تعتبرها شرا لا بد منه في الحياة الزوجية وليست بأي حال من الأحوال لقاء يجمع روحين قبل جسدين لينعما بالاستقرار؛ فيتحابا ويسكن بعضهما إلى بعض ليستقيم بذلك العبور من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة. قلت لنفسي: لا شك أن وراء هذه الأفكار الخاطئة فهما منحرفا لطبيعة العلاقة الجنسية بين الزوجين وموقعها في ديننا الحنيف.

ألم تعلم هؤلاء السيدات أن الله سبحانه وتعالى سمى الزواج بالميثاق الغليظ حيث قال: وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا 1 ليرفع هذه العلاقة من مجرد لقاء حسي جسدي إلى عمل عبادي يتقرب به إلى الله تعالى؟ ألم تسمعن أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل هذه العلاقة مما يؤجر عليه العبد حيث قال: “وفي بضع أحدكم صدقة” 2 أي وفي جماع أحدكم زوجه صدقة؟ أما إذا استقصينا حال الصحابة الكرام والصحابيات فنجد كيف كانت المتعة الحلال حظا معروفا محبوبا لتلك النفوس الجادة المجاهدة، وكان الحديث عنها وممارستها شأنا من شؤون دنيا كل أحد، وشأنا من الشؤون العامة التي يشجع عليها الدين.

فهل يعقل بعد هذا أن نتعامل مع هذا الأمر بهذه السطحية، فلا نجدد النية والفهم، ولا نصحح الممارسات، فيبذل كل طرف وسعه لإسعاد الطرف الآخر طالبا بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة؟ فكيف يكون الجسد مَعبَرا للمودة والرحمة ومُعبّرا عنهما؟

مقدمات للمتعة الكاملة

1- النظافة: على الزوجين أن يهتما بالنظافة اهتماما كبيرا، فإذا كانت النظافة مطلوبة عند عموم الناس فإن دورها أوكد في العلاقات الحميمية بين الزوجين، وإذا كان انبعاث الروائح الكريهة من المنفرات فإن الرائحة الطيبة عكس ذلك لها دورها في التقارب والانسجام. فكيف ينعم الزوج بالقرب منك أيتها الحبيبة إذا فضلت النوم بملابس ارتديتها طوال اليوم لتزكمي أنفه بروائح الثوم والبصل؟ وكيف تنعم الزوجة بالقرب منك أيها الزوج المحب إذا فضلت الاستلقاء والاسترخاء بملابس حملت معها عبء عمل اليوم كله من عرق وأوساخ و… إن أطيب الطيب الماء والصابون، فليحرص كل من الزوجين على استعمالهما في كل وقت وحين، ومن تمام النظافة سنن الفطرة التي أوصى بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2- التجمل: إذا كان للمرأة الدور الأول في التجمل والتزين والأخذ بأسباب الإثارة لزوجها، وهذا مطلوب منها، بل إنها تؤجر عليه كلما فعلته بنية التقرب للزوج وإدخال السرور على قلبه، فهذا لا يعفي الرجل أبدا من أن يأخذ حظه من الزينة والتجمل لزوجته حتى يظهر بأبهى صورة تحبها، فقد كان سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يتزين لامرأته استجابة للآية الكريمة وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ 3، فاحرصي أيتها الزوجة المحبة وأنت أيها الزوج الغيور على الأناقة المحبّبة والمظهر الجميل والرائحة الطيبة التي تنفذ من الأنف إلى القلب.

3- تهييء المكان: مخدع الزوجية أو غرفة النوم مكان يجب أن تكون له خصوصيته في كل شيء؛ أفرشته وزينته وملابسه وأضواؤه، بل حتى كلماته وهمساته، فإن لهذه الأمور دورا كبيرا في تهييء الجو المناسب لعلاقة حميمية جذابة، وعواطف ملتهبة وإثارة تجعل من الرغبة في مشاركة كل طرف صاحبه أحاسيسه ومشاعره شيئا ميسرا لا يتكلفه أي من الزوجين، ولك أيتها الزوجة المسؤولية الأولى في هذا، فلا تجعلي من غرفة نومك مكانا لستر كل شيء في البيت لا ترغبين أن تراه العيون، فيصبح بذلك مكانا تعمه الفوضى لا سبيل فيه للراحة والاسترخاء.

4- المداعبة والملاعبة: إن كل أساليب الإثارة بين الزوجين من الملاعبة والمداعبة والملامسة وكل مقدمات الجماع هي مطلوبة حتى نسمو بهذه العلاقة من مجرد غريزة دوابية إلى علاقة إنسانية متحضرة تعبر عن طلب المتعة في إطار من التكريم الذي أراده الله سبحانه وتعالى للإنسان، فنجد السنة النبوية تستقذر كل الممارسات الحيوانية، حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقع أحدهم على زوجته كالبهيمة، بل لا بد أن يُقدّم لما يطلب، فيجعل بينهما رسولا هو القبلة، ونهى أن يقضي أحد الطرفين وطره ثم يقوم عن صاحبه كأن شيئا لم يكن. وما دام الزوجان في حلال فلا حرج عليهما فيما يفعلانه من فنون المداعبة والملاعبة ودلال المرأة وتعطف الرجل، ففي ديننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم من الفسحة ما يرد دعاوى المتشددين والمعسرين.

ومع كل هذا، يجب أن يسعى كل من الزوجين لجعل هذه العلاقة معبرا للدار الآخرة بإعطاء صاحبه المودة والرحمة المطلوبة والاستقرار العاطفي اللازم، حتى يتوجه إلى ربه قرير العين لا تشغله مطالب الفطرة عن المطلب الرئيس؛ ألا وهو طلب وجه الله عز وجل.


[1] سورة النساء، الآية 21.
[2] رواه مسلم.
[3] سورة البقرة، الآية 226.