اللهم بارك لنا في رجب وشعبان.. وبلغنا رمضان

Cover Image for اللهم بارك لنا في رجب وشعبان.. وبلغنا رمضان
نشر بتاريخ

رجب وما أدراك ما رجب! شهر نستقبل به موسما من أعظم مواسم الطاعات والخيرات والبركات. وإن كان العلماء قد قسموا الأحاديث الواردة في فضل شهر رجب ما بين أحاديث ضعيفة وأخرى موضوعة، فيكفي رجب فخرا أنه من الأشهر الحرم التي عظمها الله عز وجل وفضلها على سائر شهور السنة في قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ (التوبة، 36). وهذه الأشهر الأربعة هي: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، ورجب، وقد جعل الله لها حرمة وقدسية فحرم فيها القتال والظلم حيث قال سبحانه وتعالى: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ، وأشد ظلم قد نقترفه في حياتنا هو ظلمنا لأنفسنا بإبعادها عن خالقها وحرمانها من لذة الطاعة والمناجاة والقرب من المولى سبحانه.

واسم رجب مشتق من الترجيب وهو التعظيم عند العرب وقيل: الترجيب معناه التأهب والاستعداد.

ويقال عنه أيضا: رجم (بالميم) أي: فيه ترجم الشياطين كي لا تؤذي المومنين.

ويسمى رجب أيضا شهر الله الأصم، أي: لا تسمع فيه أصوات الأسلحة. حتى كان الرجل يطلب قاتل أبيه لمدة طويلة فإن لقيه في شهر رجب تركه لحرمة الشهر الذي كانت تحقن فيه الدماء.

وإن كان المولى عز وجل قد حرم الظلم في الأشهر الحرم فهذا لا يعني أنه جائز في غيرها، فالظلم محرم في كل وقت وفي كل زمان ومكان، ولكنه التخصيص بعد التعميم، كقوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ.

عن قتادة رحمه الله تعالى قال: «إنّ الظلمَ في الشهرِ الحرامِ أعظمُ خطيئةً ووزراً من الظلمِ فيما سواهُ، وإنْ كان الظلمُ على كلِّ حالٍ عظيماً، ولكنَّ اللهَ يُعظِّمُ من أمرِه ما شاء. وقال: إنَّ اللهَ اصطفى صَفايا من خلقِه؛ اصطفى من الملائكةِ رسلاً، ومن النّاسِ رسلاً، واصطفى من الكلامِ ذكرَه، واصطفى من الأرضِ المساجدَ، واصطفى من الشهورِ رمضانَ والأشهرَ الحُرمَ، واصطفى من الأيّامِ يومَ الجمعةِ، واصطفى من اللَّيالي ليلةَ القدرِ؛ فعظِّموا ما عظَّم اللهُ؛ فإنّما تعظَّم الأمورُ بما عظَّمها اللهُ عند أهلِ الفهمِ والعقلِ» (1).

وتحريم الظلم في الأشهر الحرم هو تدريب على ترك الظلم فيما سواها.

وإن كانت المعصية في الأشهر الحرم أعظم وأغلظ فإن العمل الصالح فيها أكثر أجرا وثوابا. جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ، قال: في كلهن، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم” (2).

قال أحد سلفنا الصالح في رجب:

بَيِّضْ صَحيِفَتَكَ السَّوْدَاءَ فِي رَجَبِ

بِصَالِحِ الْعَمَلِ الُمنْجِي مِنَ اللَّهَبِ

شَهْـرٌ حَرَامٌ أَتَى مِنْ أَشْهُرٍ حُرُمِ

إِذَا دَعَا اللهَ دَاعٍ فِيـهِ لَمْ يَـخِبِ

طُـوبَى لِعَبْدٍ زَكَى فِيـهِ لَهُ عَمَلٌ

فَكَفَّ فِيهِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالرِّيَـبِ

رجب إذن فرصة نجدد فيها العهد مع الله ونتصالح مع أمهات الطاعات استعدادا لشعبان ورمضان، وفي هذا قيل: “السنة شجرة؛ رجب أيام إيراقها، وشعبان أيام إثمارها، ورمضان أيام قطافها”. وقال ذو النون المصري رحمه الله: “رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد وكل يحصد ما زرع ويجزى ما صنع”.

و”قال النيسابوري رحمه الله تعالى: .. جعلت هذه الثلاثة أشهر كحمام فيه ثلاثة بيوت: فيدخل العبد في أولها فيجلس ساعة ثم يعتاد، ثم يدخل البيت الثاني، ثم يدخل البيت الثالث فيطهر نفسه، فشهر رجب شهر الاستغفار،وشعبان شهر الصلاة، ورمضان شهر القرآن، ويقال: رجب لترك الجفا، وشعبان للعمل والوفا، ورمضان للصدق والصفا، رجب شهر الحرث، وشعبان شهر الزرع، ورمضان شهر الحصاد.. ويقال شهر رجب كالأشجار، وشهر شعبان كالأزهار، وشهر رمضان كالأثمار، فإذا لم يكن للشجرة زهر لم يكن لها ثمر” (3).

نسأل المولى جل في علاه أن يدخل علينا شهر رجب بالإيمان والتقوى والصحة والعافية والرزق الحلال، وعلى الأمة الإسلامية جمعاء بالنصر والتمكين وتفريج الهموم والكروب، وأن يبارك لنا فيه ويبلغنا شعبان ورمضان، إنه نعم المولى ونعم النصير.


(1) تفسير ابن كثير، تفسير سورة التوبة، ج 2، ص 324.

(2)  القطع والائتناف أو الوقف والابتداء لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، سورة التوبة، ص 237.

(3) تحفة الإخوان في قراءة الميعاد في رجب وشعبان ورمضان، المجلس الثاني؛ في شهر رجب الفرد الحرام، ص 19.