أعمال الخير في الليالي العشر

Cover Image for أعمال الخير في الليالي العشر
نشر بتاريخ

لبيك رب وإن لم أكن بين الحجيج ملبيا، لبيك رب وإن لم أكن بالبيت طائفا، لبيك رب وإن لم أكن بين الصفا والمروة ساعيا، لبيك رب وإن لم أكن على عرفات واقفا، لبيك رب وإن لم أكن للجمرات راميا. لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.

لبيك عمرا وقلبا ودربا، لبيك ما لنا سواك، أتيناك هربا من حر أنفسنا لبرد هداك، من ضلال طرقنا لنور سبلك، من ثقل ذنوبنا لكثرة عفوك، لا على عرفات كنت واقفا، ولا للجمرات كنت راميا، ولا طفت ولا سعيت، لكن قلبي يا رب يلبيك.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً” 1. هي أيام مباركة فيها من العطاء المولوي الكريم لعباده المؤمنين، نسيم هب معه عبق الأنس الرباني وحلاوة القرب منه سبحانه، أيام مقرونة بشعيرة الحج لنشارك ضيوف الرحمن وهم على عتبات الكعبة والبلد الحرام معاني التوبة والبكاء على الله والدعاء، فطوبى لمن تذكر واعتبر وتفكر واتعظ، وأيقظ مشاعره فاغتنم وأقبل على طلب مولاه جسدا وروحا.

عشر تعد موسما من مواسم الخير التي ينبغي على المؤمنين أن يتعرضوا فيها لرحمة الله عز وجل، هي فرصة أخرى تنادي أن هلموا واغتنموا. نسأل الله عز وجل أن ندرك أجرها ونغنم ليلها ونهارها، و نُحسن استقبالها قبل أن تنقضي فنندم، ولات ساعة ندم، فالسعيد من اغتنم مواسم الخير، ولم يجعلها تمر عليه مروراً عابراً، ولأن “المؤمن يجب أن تكون في حياته اليومية معالم لتكون قدمه راسخة في زمن العبادة والجهاد لا في زمن العادة واللهو” 2. “قال عارف بالله: من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه!”.

ومما يرغب فيه في هذه الأيام المباركة:

التوبة إلى الله تعالى

قالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا 3.

وعن أبي موسى عبداللَّه بن قيس الأشعري، عن النبي ﷺ قال: “إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها” 4.

وعن أبي هريرة قَال: قال رسول الله ﷺ: “مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغْرِبِهَا تَابَ الله علَيْه” 5.

العمل الصالح

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر” رواه البخاري.

العمل الصالح ترجمة لصحة إيمان العبد وسلامة توحيده، حيث لا توجد دلالة أو علامة تمثل معنى الشهادتين في الواقع إلا سلوك الإنسان وتصرفاته وأخلاقه، والالتزام والتقيد بالأوامر، والامتناع عن المنكرات والزواجر، فكان العمل الصالح شاهد حق على استقرار الإيمان في القلب، بل هو ثمرة من ثمرات الإيمان بالله تعالى وبرسوله وباليوم الآخر.

يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى: “ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال”، ثم يزيد: ”فمن قال حسنا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه العمل، ذلك بأن الله يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 6.

الصيام

عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر” 7.

وعن حفصة رضي الله عنها قالت: “أربع لم يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة” 8.

صيام يوم عرفة

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” 9.

والصيام في هذا اليوم يُستَحَبُّ على وجه التأكيد لغير الحاجِّ، ليكون الجميع وُقوفًا على باب الرحمة والمغفرة؛ هذا بحَجِّه وذاك بصومِه.

الإكثار من الأذكار

ومن شعائر عشرِ ذي الحِجَّةِ العظيمة المشروعة: التكبير والتهليل والتحميد ونحوه، قال تعالى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ 10، قال ابنُ عبَّاسٍ: “أيامُ العَشْرِ”.

وكان الناس، بمن فيهم الصحابة الكرام، يكثرون التكبير في هذه الأيام بألسنتهم وقلوبهم، وينوّعون ما بين الأذكار آناء الليل وأطراف النهار في الأماكن العامة والخاصة وبأصوات مرتفعة.

عن ثابت البناني قال: “كان الناس يكبرون أيام العشر حتى نهاهم الحجاج، والأمر بمكة على ذلك إلى اليوم، يكبر الناس في الأسواق في العشر” 11.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد” 12.

قال الإمام البخاري رحمه الله: “كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما”.

الحج والعمرة

لقوله صلى الله عليه وسلم: “.. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” 13.

أداء مناسك العمرة في أيام فاضلة وأوقات مباركة من خير الأعمال وأعظم الثواب، وزيادة ثواب العمل بزيادة شرف الزمان، وهذا الذي جعل ابن عمر رضي الله عنهما يقول: “عمرة في العشر الأول من ذي الحجة أحب إليَّ من أن أعتمر في العشر البواقي” 14.

فالبدار البدار أحبتي، اللهم أنهض هممنا إليك لطلب ما عندك، وحقق رجاءنا بقربك، ولا تجعلنا من المحرومين.


[1] رواه الطبراني.
[2] عبد السلام ياسين، يوم المؤمن وليلته، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، الطبعة الثالثة 1994م، ص: 58.
[3] التحريم: 8.
[4] رواه مسلم.
[5] رواه مسلم.
[6] نسبه ابن تيمية إلى الحسن البصري من رواية عباس الدوري بسنده، ثم قال في «مجموع الفتاوى» (7/ 294): «ورواه ابن بطة من الوجهين». وذكره الطبري في تفسيره (19/240).
[7] رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
[8] رواه أحمد (6/287)، والنسائي (4/200).
[9] رواه مسلم.
[10] الحج: 28.
[11] أخبار مكة للفاكهي، 10/3.
[12] رواه أحمد.
[13] رواه مسلم.
[14] مصنف ابن أبي شيبة 3 /160.