أريد أن أتحرر

Cover Image for أريد أن أتحرر
نشر بتاريخ

أحلام وردية

عشت مراهقتي كباقي الفتيات، مرحلة مفعمة بالحيوية والتطلع للمستقبل. رسمت لنفسي حياة مليئة بالسعادة والطموح، وخلت كل ما تمنيت سهل المنال، يكفيني فيه قليل من الجهد والسهر والاجتهاد. كانت قلة خبرتي في الحياة وعدم التمرس على مشاكلها والبعد عن مسئولياتها الحقيقية السبب الرئيس في رؤية الدنيا ورودا بدون أشواك، سرورا بدون أحزان، عالما ليس فيه ما يكدره. بل حتى عندما كنت أفكر بواقعية وأقنع نفسي بعدم وجود حياة خالية من المشاكل أو وجود ما يعكر صفوها بين الفينة والأخرى، كنت شديدة الوثوق بنفسي وقدرتي على جعل كل مشكلة في حياتي غمامة صيف، بمبادئ كنت أراها حلا سحريا لها، فالقناعة والسماحة والحوار.. كفيل بأن تجعل من حياتي نهرا متدفقا بكل أنواع الفرح والسعادة.

وتبدأ المشكلة

ولكن هيهات هيهات فقد كانت صخرة الحياة أقسى وأشد صلابة مما تصورت..

تزوجت ورأيت في زوجي الرجل المتعلم المثقف المتفهم المنفتح، ولم يخطر لي ببال أننا قد نختلف يوما اختلافا جذريا في أمور رأيتها دائما من البديهيات التي لا تحتاج كثير نقاش وطول حوار للتوصل إلى شرعيتها، و لكن حصل..

تصرفت دائما على أنني شخص كامل النضج؛ له الحق في التصرف وأخذ القرار مع مراعاة الالتزامات العائلية والزوجية طبعا، فإذا بي أصطدم في كثير من الأحيان بالمعارضة الشديدة التي لا أرى لها مبررا، وعندما أحاول أن أفهم وأستفسر، أواجه بأنني كثيرة الجدال والحياة الزوجية لا تحتمل ذلك.

مرت علي لحظات كنت فيها على وشك الانهيار، لم أر الحل أبدا في الانصياع لإرادة الطرف الآخر دون قناعة مني، تألمت كثيرا، فكرت كثيرا، وكنت أبحث عن الحل في إطار الحقوق والواجبات، لكن ما زادني ذلك إلا حيرة وآلاما.

فقط حاولي أن تفهمي

عشت في هذا الصراع المرير حتى منّ الله علي بصحبة صديقة جليلة تقية، حباها الله بخلق عظيم وفهم رصين، أكبر مني سنا ولها تجربة غنية في الحياة الزوجية، مطلعة على كثير من أسباب الخلاف، فلم أجد بدا من الاستعانة بها بعد الله تعالى على الفهم.

قمت بزيارة لها في بيتها، وما كان حالي ليخفى عليها، فقد كنت منفعلة مضطربة، ومن أدبها ورقتها وجهت إلي السؤال بطريقة غير مباشرة لتجدني وقد انفجرت بوابل من الشكاوى: قولي بالله عليك هل المرأة إذا تزوجت أصبحت أمة مملوكة لبيتها ومن فيه؟ ألا يحق لها أن تفكر في أمور قد تخصها وحدها دون أن تعني الآخرين؟ هل تمنع من كل شيء إلا خدمة البيت؟ رأيت في الزواج بابا لأعب من الحياة بدون حدود، بابا للانفتاح على الناس والمجتمع، فإذا بي أجده سجنا لذاتي، سجنا لطاقاتي، سجنا لأفكاري، سجنا لحريتي، شيء لا يحتمل..

انسابت دموعي فوق خدي لتترجم غزارتها مدى الحرقة التي في قلبي، أحسست بيدها تربت على كتفي وهي تهدئ من روعي: عزيزتي لا بأس عليك، فقط حاولي أن تفهمي وتنظري للأمر من كل الزوايا. أنا معك عزيزتي في كل ما طرحته، فالمرأة في مجتمعنا ما زالت بعيدة أن تنال كل ما تستحق، وقلما يعترف لها بشيء كشخص وإنسان، وزوجك ليس نشازا وسط كل هذا، بل هو محكوم كباقي الرجال بالعادات والتقاليد والإرث الثقيل الذي يطبع العلاقة بين المرأة والرجل. ولن يكفينا أبدا أن نقرأ في كتاب أو مجلة أو حتى مجلدات عن المرأة وحقوقها وعما كفله الإسلام لها، وكيف كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنصل إلى التغيير وإلى إفهام الطرف الآخر أن ظلم المرأة ظلم للأمة جمعاء..

ولكن التغيير يا عزيزتي يحتاج إلى صبر وطول نفس، وستكونين الزوجة والمرأة التي تحبين إن فكرت في تغيير واقع الأمة بدءا من بيتك وأسرتك وزوجك، فقط حاولي أن تستوعبي المشكل من كل جوانبه وأن تقفي على مفاتيح حله، وأن تستعيني بشخصيتك القوية وأفكارك النيرة وطاقتك الفياضة من أجل هذا التغيير، وستلاحظين كيف ستكون النتائج.

لا تعتمدي المواجهة المباشرة فللرجل كبرياؤه، حافظي لزوجك على كبريائه، واعلمي أنه مهما صدر منه فسيحفظ لك هذا، لا تحاولي كسر كل الأغلال جملة واحدة، فستكونين كمن يضرب في الحديد البارد، والتدرج سنة الله التي كتبها على كل شيء، فخذي وقتك في إصلاح ما بينك وبين زوجك ولا تستعجلي النتائج.

هذه عزيزتي بعض التوجيهات العامة التي إن استعنت بها فلن تعدمي وسيلة للتواصل والحوار والتفاهم، هيا حبيبتي قومي واغسلي وجهك وعودي إلى زوجك وبيتك؛ فمنه الانطلاق وإليه الرجوع، استعيضي عن لغة الحقوق والواجبات بالكلمة الطيبة والابتسامة العريضة والصبر على المكاره في انتظار التغيير المنشود، ليصبح زوجك في ميزان حسناتك، ولا تغفلي عزيزتي عن الأهم من كل هذا، التوجه لله سبحانه وتعالى بالدعاء الخالص أن ينير بصيرتكما ويصلح ما بينكما، فهو القادر على ذلك ووليه.