أبناؤنا والصلاة

Cover Image for أبناؤنا والصلاة
نشر بتاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين

الكثير من الآباء يشتكون من تضييع أبنائهم للصلاة، وهذه أم موظفة على سبيل المثال لا الحصر، طلب منها ابنها الجامعي بأن توقظه لحضور الامتحان الجامعي، فأيقظته لصلاة الصبح فلم يستيقظ، وعند الشروق توجهت لعملها ولم توقظه، ولما استيقظ متأخرا، اتصل بأمه ولامها على تفريطها في إيقاظه، وعدم حضوره الامتحان، ردت عليه، لما رسبت في امتحانك مع خالقك لعدم الاستيقاظ لصلاة الصبح في الوقت، رغم محاولاتي اليائسة، أصبح لا يُهمني نجاحك الدنيوي، ولو أن هذه الأم سلكت مع ابنها النهج النبوي منذ صغره، في ترسيخ الصلاة وتحبيبها له، لكان ابنها مقيما للصلاة في كبره، ولما وجدت معه مشاكل لإقامة الصلاة في وقتها، ولما حرم من امتحانه، لأن من شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.

و هكذا الشأن لو اطلعنا على وسط أغلب الأسر، لوجدنا الخطأ ليس في الأبناء المفرطين في صلاتهم، لأنهم ولدوا على الفطرة، وإنما في الآباء الذين لم يسلكوا الهدي النبوي في تربيتهم على الصلاة وتحبيبها لهم، وهذه بعض الطرق السليمة والمجربة، والتي ينبغي نهجها لتحبيب الصلاة لأبنائنا منذ صغرهم:

1 – مع بداية السنة السابعة من عمر الطفل، على الأم أن تأمر ابنها أو ابنتها بالصلاة وفق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو داود، وإسناده حسن، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ …) 1، ولا ينبغي أن يكون الأمر بطريقة جافة غير محببة، بل الأفضل أن تقيم له حفلا تدعو إليه أصحابه، وتجهز لذلك زينة وهدايا، وتخبره وسط الحفل أنه قد صار كبيرا، فعليه المحافظة على الصلاة مثل الكبار. كما على الجمعيات الاجتماعية، و لجان الطفولة في الحركات الإسلامية، إقامة حفل جماعي لمن وصلوا سن السابعة من عمرهم، ليكون السلوك جماعيا، والانطلاقة قوية.

2 – أن تجعل له أسباب الصلاة سهلة وميسرة: بتدفئة ماء الوضوء، وتعليمه كيفية التيمم عند انعدام الماء، واختيار حذاء سهل الخلع واللبس، وشراء سجادة خاصة به، والأفضل أن يختارها هو بنفسه.

3 – ينبغي أن تلفت انتباه ابنها إلى وقت الصلاة، وذلك بترديد الأذان أمامه، وصنع لحظة صمت وقت الأذان؛

حتى يعظم هذه الشعيرة ويستجيب لها، مصداقا لقوله تعالى من سورة الحج: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32].

4 – أن ترفع صوتها قليلا في الصلاة حتى يسمعها ليتعلم ويألف ما تقوله في الصلاة.

5 – أن تشتري له ساعة خاصة به، بها مواقيت الصلاة، مثل ساعة الفجر، أو ساعة العصر، أو ساعة الحرمين… و أن تعلق في المنزل ساعة مواقيت الصلاة.

6 – أن تكثر من ترديد جمل قصيرة أمامه، ولفترات طويلة، مثل: ” لا شيء أجمل من الصلاة”، ” الصلاة راحة”… وغيرها من الجمل المشابهة. وهذه العبارات تَثبُت في ذهنه، ولا ينساها طوال حياته.

7 – أن تقوم الأم إلى الصلاة بمجرد ما تسمع النداء، لتكون قدوة عملية لأبنائها، لأن لسان الحال أبلغ من لسان المقال.

8 – لتكن سجادة الصلاة، وحجاب البنت غير البالغة، من أول الأشياء التي تضعها الأم في حقيبة السفر، أو عند الخروج للنزهات، لتعظيم الصلاة في اهتماماتهم.

9 – على الأم ألا توقظ ابنها أو ابنتها للفجر بعنف وفظاظة، بل برفق ولين.

10 – على الأم أن تبدأ بتعليم أبنائها منذ الصغر رسم المسجد والمئذنة، وتلوين رسومات لأطفال يصلون.

11 – دعاء الوالدين لأبنائهما له أثر فعال في صلاحهم، لهذا على الأم أن تكثر من الدعاء لأبنائها بأن يجعلهم الله من المقيمين للصلاة، وأن تذكر كل واحد باسمه، وهذا هو دأب الأنبياء والمرسلين والصالحين من عباد الله أجمعين، قال تعالى في سورة إبراهيم: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم: 40].

12 – على الأم أن لا تأمر أبناءها بالصلاة وهم مندمجون في اللعب، بل عليها أن تهيئ الأجواء قبيل الصلاة.

13 – على الأم واجب تشكيل وجدان ابنها أو بنتها، وزرع قيمة الصلاة في قلبهما وعقلهما، بالقصص والتوجيه غير المباشر، عن مكانة الصلاة وأجر وثواب من يحافظ عليها.

14 – على الأب وبتشجع من الأم، أن يحرص على الذهاب مع ولده بعد أن يصليا في المسجد إلى مكان يحبه ابنه، كالحديقة أو ما شابهها، ليحدث لديه رابط إيجابي، بين الخروج للمسجد وما يحب.

15 – على الأم أن تحبب ابنها أو ابنتها في الله، فيحب لقاءه وقربه ومناجاته.

16 – على الأم أن تسامح ابنها وتتساهل معه حينما يلعب أثناء الصلاة، أو حينما يمر من أمامها، أو يركب على ظهرها.

17 – على الأم أن تشجع ابنها أو بنتها بأن تجعله إماما لها في صلاة النافلة، وأن يقرأ في الليل جهرا بما يحفظه من كتاب الله تعالى، وأن تمدحه على ذلك.

18 – على الأم أن تخصص مكانا في البيت للصلاة، وأن تجعله مسجد المنزل لتعظيم مكانة الصلاة في نفوس الأبناء. فقد روى أحمد، وأبو داود، والترمذي، وصحَّح إرساله، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : (أَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِبِنَاءِ اَلْمَسَاجِدِ فِي اَلدُّورِ ،وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ.)؛ 2]. ويفيد هذا الحديث استحباب إعداد مصلًّى في كل بيت يتنفَّل فيه الرجال، وتُصلِّي فيه النساء والأطفال، لما روى أبو داود في سننه في باب التشديد في ترك الجماعة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (… وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَلَهُ مَسْجِدٌ فِى بَيْتِهِ، وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ، تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- …). 3، وتطهر تلك الأمكنة التي أُعدَّت للصلاة وتطيب.

19 – على الأم أن تحكي لابنها أو لابنتها قصة فرض الصلاة، وكيف أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء، حيث فرضت عليه الصلاة.

20 – على الأم أن تشتري لابنتها حجابا خاصا للصلاة، وأن يكون جذابا ومزركشا ومطرزا، والأفضل أن تتركها تنتقيه بنفسها.

بهذه الخطوات يستجيب أبناؤنا بتوفيق الله للصلاة، ويكون الآباء مستجيبين لأمر الله التكليفي من سورة طه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا، نَحْنُ نَرْزُقُكَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه: 132]، ونكون على هدي أبينا إسماعيل عليه السلام الذي مدحه الله في سورة مريم فقال: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا. [مريم: 55]


[1] أخرجه بطوله أبو داود (496)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن.
[2] رواه أحمد (6/279) ، وأبو داود (455) ، والترمذي (594) ، وتعليل الترمذي إياه بالإرسال ليس بشيء . “فائدة”: قوله: “ببناء المساجد في الدور ” قال سفيان بن عيينة: يعني: في القبائل
[3] رواه أبو داود في سننه ج1/ص151 ح550]