آيات قرآنية من وحي طوفان الأقصى

Cover Image for آيات قرآنية من وحي طوفان الأقصى
نشر بتاريخ

من بركات السابع من أكتوبر هذه العودة الهادئة والجماعية إلى القرآن الكريم، فقد أصبح الجميع يردد آيات النصر والصبر والتمكين، وهي آيات زادها طوفان الأقصى إشعاعا ونورا وظهورا، وكأنها تسمع لأول مرة، وهي تشحذ العزائم، وترسم الطريق، وتستنهض الهمم، وتوقظ الوسنان، وتواسي المكلوم، وتثير فضول غير المسلمين، وتستحضر تلك اللحظات الجهادية التي عاشها الصحابة الأوائل من المهاجرين والأنصار مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تتلى وتسمع وترتل وكأنها نزلت للتو على هؤلاء المقاومين الغزاويين، وهذا يذكر بما وقع لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عند وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

فبعد انتشار خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، أظلمت الدنيا، ووجمت الوجوه، فهل فعلا فارقنا الحبيب المصطفى؟! لم يصدق عمر الفاروق ذلك، فشهر سيفه، وتوعد من يقول بأن محمدا قد مات، وقال: “من قال إن محمدا قد مات ضربت عنقه”. فصعد أبو بكر الصديق رضي الله عنه المنبر وتلا قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ اِلَّا رَسُولٞ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ اِ۬لرُّسُلُۖ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ اَ۪نقَلَبْتُمْ عَلَيٰٓ أَعْقَٰبِكُمْۖ وَمَنْ يَّنقَلِبْ عَلَيٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَّضُرَّ اَ۬للَّهَ شَيْـٔاٗۖ وَسَيَجْزِے اِ۬للَّهُ اُ۬لشَّٰكِرِينَۖ [آل عمران الآية 144]. ثم قال قولته الشهيرة: “أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.” وعندما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الآية وكان يحفظها قبل ذلك قال: “كأني ما قرأت هذه الآية إلا هذه المرة”. فانتشرت الآية بين الصحابة يقرؤونها ويرددونها ويتعزون بها في فقدهم للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكأنهم يسمعونها لأول مرة.

وكأن التاريخ يعيد نفسه. وكأن المسلمين في غزة وفي خارج غزة، يسمعون آيات النصر والتمكين لأول مرة. وبهذا يتجدد الوصال مع القرآن الكريم في مرحلة عصيبة وفي ابتلاء شديد، ما بعده ابتلاء، وغزة تتعرض لأفظع عدوان من طرف الاحتلال الصهيوني؛ فقد أغلقت المنافذ، وسدّت الأبواب، وأقبل العدو بخيله ورجله، وصواريخه ودباباته وإعلامه، وضاقت النفوس، وبلغت القلوب الحناجر، وقل النصير، وتحالف الغرب ضد غزة، وخنس المنافقون والوصوليون والمتصهينون والمطبعون، وعلت حناجر الأحرار في العالم بالتنديد والتضامن، ومعها ارتفع صوت المسلمين، تنديدا وتضامنا وترتيلا لآيات القرآن آيات تلو آيات.

ونفتتح الآيات بقوله تعالى: اِ۬لذِينَ قَالَ لَهُمُ اُ۬لنَّاسُ إِنَّ اَ۬لنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمُۥٓ إِيمَٰناٗۖ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اَ۬للَّهُ وَنِعْمَ اَ۬لْوَكِيلُۖ [آل عمران الآية 173]. هذه آية من بين الآيات التي تتكرر كثيرا في كلمات المقاومين وعلى ألسنة الغزاويين، وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي البيانات وعلى كل الألسنة وكأننا نسمعها لأول مرة.

واهتداء بأنوار هذه الآية ينطلق الكل يردد، نساء ورجالا، أطفالا وشيوخا كلمة ﴿حسبنا الله ونعم الوكيل﴾ التي نزلت على المسلمين في غزوة بدر وقد جمع المشركون جيشهم وخيلهم لمقاتلة المسلمين، وهم قلة، فأمرهم الله تعالى بالاستقواء به سبحانه فهو القوي العزيز، ناصر المستضعفين، وقاهر الجبارين والظالمين. وحال أهل غزة أشبه ما يكون بما وقع للمسلمين حينئذ. فكان عزاؤهم الرجوع إلى الله تعالى والاعتصام به، واحتساب من قتل منهم شهداء عند الله تعالى: وَلَا تَحْسِبَنَّ اَ۬لذِينَ قُتِلُواْ فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ أَمْوَٰتاَۢۖ بَلَ اَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَآ ءَات۪يٰهُمُ اُ۬للَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمُۥٓ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَۖ (170) ۞يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٖ مِّنَ اَ۬للَّهِ وَفَضْلٖ وَأَنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ اَ۬لْمُومِنِينَ (171) [آل عمران].

لسان حال أهل غزة وهم يودعون شهداءهم، يردد قول الرسول صلى الله عليه وسلم، في نهاية غزوة أحد، “قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار”. وفي هذا نزل قوله تعالى: إِنْ يَّمْسَسْكُمْ قَرْحٞ فَقَدْ مَسَّ اَ۬لْقَوْمَ قَرْحٞ مِّثْلُهُۥۖ وَتِلْكَ اَ۬لَايَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ اَ۬لنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اَ۬للَّهُ اُ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَۖ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ اُ۬لظَّٰلِمِينَۖ [آل عمران الآية 140].

وأهل غزة اليوم مسهم القرح، وسالت دماؤهم، ونزفت جراحهم، وأخذ منهم الألم مأخذه وهم يقاتلون الاحتلال بمعنويات عالية وعزائم قوية، وألسنة لا تفتر عن ذكر الله تكبيرا وترديدا لآيات منها قوله تعالى: وَلَا تَهِنُواْ فِے اِ۪بْتِغَآءِ اِ۬لْقَوْمِۖ إِن تَكُونُواْ تَالَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَالَمُونَ كَمَا تَالَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اَ۬للَّهِ مَا لَا يَرْجُونَۖ وَكَانَ اَ۬للَّهُ عَلِيماً حَكِيماًۖ (النساء الآية 104).

وبفضل القرآن الكريم طويت المسافات طيا، ونسفت الحقب والأزمنة نسفا، فإذا الطبائع البشرية هي هي، لم تتغير، وإن تغيرت ظروف الإنسان وطرق ملبسه ومسكنه. فقد انطلق المشركون والمنافقون واليهود لمحاربة المسلمين في المدينة، كما انطلق الصهاينة ومن حالفهم للقضاء على غزة، فالعداوة واحدة؛ امتطت حصانا أو ركبت دبابة، أرسلت رمحا أو سددت صاروخا. لذا نجد القرآن الكريم يحذر من الأعداء والمنافقين في كل زمان ومكان. يقول تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ اَ۬لنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلذِينَ ءَامَنُواْ اُ۬لْيَهُودَ وَالذِينَ أَشْرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلذِينَ ءَامَنُواْ اُ۬لذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰر۪يٰۖ [المائدة الآية 82]. وباستثناء بعض الضمائر الحية، ها هم اليهود والمشركون بدولهم وحكوماتهم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية قد اتفقوا أن يرموا غزة عن قوس واحدة، بعد أن داسوا على جميع القوانين والحقوق التي سطروها لإنسان آخر غير الإنسان الفلسطيني.

ووسط هذه الأمواج المتلاطمة من العداء والحقد والخبث والشيطنة، ها هو القرآن الكريم يحث المؤمنين على الثبات. فتتنزل آياته على قلوب المؤمنين والمقاومين كأنها البلسم والترياق، يقول تعالى: وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ اُ۬لَاعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّومِنِينَۖ [آل عمران الآية 139]، وقوله تعالى: فَلَا تَهِنُواْ وَتَدْعُوٓاْ إِلَي اَ۬لسَّلْمِ وَأَنتُمُ اُ۬لَاعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْۖ وَلَنْ يَّتِرَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمُۥٓۖ [محمد الآية 35] وقوله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ اُ۬للَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتَ اَقْدَامَكُمْۖ [محمد الآية 8]. وقوله تعالى: قَٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اُ۬للَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٖ مُّومِنِينَ [التوبة الآية 14]. وقوله سبحانه: اِ۪نفِرُواْ خِفَافاٗ وَثِقَالاٗ وَجَٰهِدُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٞ لَّكُمُۥٓ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَۖ [التوبة الآية 41]. وقوله عز وجل: يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمُۥٓ إِذَا قِيلَ لَكُمُ اُ۪نفِرُواْ فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ اِ۪ثَّاقَلْتُمُۥٓ إِلَي اَ۬لَارْضِۖ أَرَضِيتُم بِالْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْي۪ا مِنَ اَ۬لَاخِرَةِۖ فَمَا مَتَٰعُ اُ۬لْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْي۪ا فِے اِ۬لَاخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌۖ [التوبة الآية 38].

وها هي سورة الأحزاب، بما تضمنته من آيات كريمات، تصور حالة الضعف الإنساني وعجزه عن مواجهة الأعداء، وقد سدت في وجهه كل السبل، وصدت الأبواب، إلا باب السماء. فبتحريض من يهود بني النضير اجتمعت القبائل بعددها وعدتها، حوالي عشرة آلاف مقاتل، وحاصروا المسلمين في المدينة حتى صاروا كما قال عنهم الله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۟ذْكُرُواْ نِعْمَةَ اَ۬للَّهِ عَلَيْكُمُۥٓ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٞ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاٗ وَجُنُوداٗ لَّمْ تَرَوْهَاۖ وَكَانَ اَ۬للَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراًۖ (9) اِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنَ اَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ اِ۬لَابْصَٰرُ وَبَلَغَتِ اِ۬لْقُلُوبُ اُ۬لْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ اِ۬لظُّنُونَاۖ (10) هُنَالِكَ اَ۟بْتُلِيَ اَ۬لْمُومِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاٗ شَدِيداٗۖ (11) [الأحزاب].

وفي غزة نزل البلاء والابتلاء، وزلزل الناس زلزالا شديدا. وجاءهم العدو من جميع الجهات، برا وجوا وبحرا، فكان الصمود والثبات سيد الموقف، وعنوان اللحظة، وعربون الصدق من طرف رجال صادقين ونساء صادقات. وهم بصمودهم هذا يمتثلون مواقف الثبات والصمود انطلاقا من قوله تعالى: وَلَمَّا رَءَا اَ۬لْمُومِنُونَ اَ۬لَاحْزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اَ۬للَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ اَ۬للَّهُ وَرَسُولُهُۥۖ وَمَا زَادَهُمُۥٓ إِلَّآ إِيمَٰناٗ وَتَسْلِيماٗۖ [الأحزاب الآية 22].

آيات وآيات تدعو أهل غزة، نساء ورجالا، أطفالا ومقاومة، إلى الإيمان والتسليم لأمر الله تعالى ومراده، وتحرضهم على القتال، دفاعا عن دينهم وأرضهم ومقدساتهم وأرواحهم. فكانت مصدر هذه الروح القوية والمعنويات العالية، والتضحيات الجسام، التي يتصف بها هؤلاء. كيف لا وأهل غزة أهل القرآن، يتلونه في بيوتهم وتكياتهم ومساجدهم، بل يخصصون أوقاتهم لحفظه عن ظهر قلب، حتى غدا أنيسهم في خلواتهم وجلواتهم. وقد أثمر هذا الاهتمام انخراط شباب غزة في مشاريع حفظ القرآن الكريم حتى وصل عدد الحفظة منهم إلى خمسين ألفا.

ودائما، مع سورة الأحزاب، حيث تنطلق الآيات مباشرة بعد الحديث عن حال المؤمنين إلى الحديث عن فئة المنافقين بآيات كثيرة منها: وَإِذْ يَقُولُ اُ۬لْمُنَٰفِقُونَ وَالذِينَ فِے قُلُوبِهِم مَّرَضٞ مَّا وَعَدَنَا اَ۬للَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُوراٗۖ [الأحزاب الآية 12]، يَحْسِبُونَ اَ۬لَاحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْۖ وَإِنْ يَّاتِ اِ۬لَاحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوَ اَنَّهُم بَادُونَ فِے اِ۬لَاعْرَابِۖ يَسْـَٔلُونَ عَنَ اَنۢبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلاٗۖ [الأحزاب الآية 20].

ونظرا لخطورة هذه الفئة ولدورها التآمري والتخريبي على القيم والمجتمع والدولة، فقد خصها القرآن بالذكر عند حديثه عن أحداث ومواقف عاشها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ففي غزوة أحد، وجيش المسلمين في طريقه لمنازلة العدو تراجع المنافقون، وظهر ما كانوا يخفون، وانفضحوا، وانكشفت نواياهم وعداوتهم، وذلك عندما جد الجد، واقترب النزال، وفيهم نزل قول الله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اَ۬لذِينَ نَافَقُواْۖ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَٰتِلُواْ فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ أَوِ اِ۪دْفَعُواْۖ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاٗ لَّاتَّبَعْنَٰكُمْۖ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ اَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلِايمَٰنِۖ يَقُولُونَ بِأَفْوَٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِے قُلُوبِهِمْۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَۖ [آل عمران الآية 167]. وما أكثر المتخاذلين من الأنظمة والحكومات والهيآت والأشخاص ممن آثروا المشاركة في مؤامرة الصمت وفضلوا المصالح على التضحية، وركنوا للظالمين والفاسدين، هذا إذا لم يكونوا يدعمون الاحتلال علنا جهارا بالمال والاستخبارات والإعلام..

والتحالف بين المنافقين وقوى الشر من اليهود له سابقة، بل سوابق، في تاريخ المسلمين. عندما وعد عبد الله بن أبي بن سلول، رأس النفاق في المدينة، يهود بني النضير بأن يمدهم بالمال والجنود لمحاربة المسلمين، لكنه تراجع خوفا من المسلمين، ولقي يهود بني النضير مصيرهم بإجلائهم. وقد أنزل الله سورة الحشر للحديث عن غدرهم وإجلائهم. وتمر السنوات، لتؤكد الحوادث أبدية الصفات التي ذكرها القرآن ونسبها لليهود، وليتجرع أهل غزة مكرهم وغدرهم وقسوتهم. وليقرؤوا القرآن غضا طريا كأنه يخاطبهم، ويحفزهم، ويستنهض هممهم، لمواجهة ظلم بني صهيون.

وأهل غزة اليوم أكثر إحساسا بهذه الفئة من المتخاذلين والمنافقين والذين في قلوبهم مرض، وصيحاتهم تعلو بالنداءات والاستغاثات؛ يا عرب! يا عالم! يا حكومات! ولا من مغيث، ولا من مجيب. ولم يبق لهم إلا باب السماء يطرقونه بدعواتهم وصبرهم وتوكلهم وصمودهم.

كلام الله تعالى يعلو على الزمان والمكان، ومعانيه خالدة، وشاهدة، وموجهة لحركة المؤمنين في حلبة التدافع مع الباطل.  فها هي آيات القرآن الكريم تتدافع سراعا من حناجر المقاومين والمستضعفين والمكلومين والعلماء الربانيين، لتعطي للمشهد أبعاده الحقيقية، والتي أخبر عنها القرآن الكريم في سورة الإسراء: وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً  فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً  ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً  إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً [الآيات 4 إلى 8].

إنها آيات تجلي حقيقة الصراع الدائر في تلك البقعة الطاهرة والمقدسة. إذ تخبر، بعبارات واضحة، بحقيقة بني إسرائيل الإفسادية، وحتمية سقوطهم على يد عباد مؤمنين.

وفي غمرة هذه المحنة، والتي في طياتها منح ربانية، تنطلق الآيات مبشرة المقاومين والصامدين في ثغر فلسطين، بالنصر أو الشهادة، مِّنَ اَ۬لْمُومِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اُ۬للَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَض۪يٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّنْ يَّنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاٗ (23) لِّيَجْزِيَ اَ۬للَّهُ اُ۬لصَّٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ اَ۬لْمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ اوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ غَفُوراٗ رَّحِيماٗۖ (24) [الأحزاب].

وفي الختام، نستلهم من طوفان الأقصى أن حياة الأمة، وانتصارها، رهين بعودة شبابها وفتيانها إلى نبع القرآن الكريم، يتلونه حق تلاوته، ويتشربون منه معاني الرجولة والثقة بالله تعالى، وتنشرح صدورهم بموعوده للمؤمنين بالنصر والفلاح، مع الدعوة لشحذ الإرادات والعزائم استعدادا لسقوط بني إسرائيل، واستبشارا بدخول المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة، مهللين ومكبرين، وفي قلوبهم إيمان صادق بوعد الآخرة، والله ناصر جنده والعاقبة للمتقين.