يوم 8 ماي 1990 بداية مرحلة حقوقية بالمغرب

Cover Image for يوم 8 ماي 1990 بداية مرحلة حقوقية بالمغرب
نشر بتاريخ

لهذا اليوم ذكريات مهمة وتداعيات كبيرة في تاريخ المغرب القريب خاصة خلال العقود الثلاثة الماضية.

ففي يوم الثلاثاء 8 ماي 1990 شهدت العاصمة الرباط حدثين كبيرين ومهمين في سيرورة الأحداث خاصة على المستوى السياسي والحقوقي، سيكون لهما ظلال وتداعيات مهمة على مستقبل البلد داخليا وخارجيا، وذلك بالنظر للتحولات الكبيرة التي سيشهدها المغرب لاحقا، فيما بقي من حكم الملك الحسن الثاني وما سيعرفه في ظل العهد الجديد.

الحدث الأول هو محاكمة أعضاء مجلس الإرشاد لجماعة العدل والإحسان بمحكمة الاستئناف بالرباط حيث قام أعضاء الجماعة على عادتهم بمؤازرة معتقليهم القياديين وذلك باعتصام داخل وجانب مبنى المحكمة، وبأعداد مهمة لم تنفع الحواجز الأمنية الكثيرة وسط الرباط وعلى مداخلها في تقليصها أو الإحباط من عزيمتها، وقد صاحب ذلك تغطية إعلامية وطنية ودولية، كما عرفت تدخل قوات الأمن بعنف في حق المعتصمين السلميين.

الحدث الثاني ولا أدري هل كان من تداعيات الحدث الأول أو منفصلا عنه، هو إعلان الملك الحسن الثاني بشكل مفاجئ عن تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والذي أصبح يسمى فيما بعد بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتم ذلك مساء نفس اليوم بخطاب مباشر للشعب نقل عبر وسائل الإعلام الرسمية ومن قلب إحدى قاعات القصر الكبيرة المكتظة بكل مسؤولي الدولة الكبار من وزراء وضباط عسكريين و من مختلف الإدارات.

لأهمية هذين الحدثين وكانعكاس لهما فإن المغرب سيشهد تطورات سياسية وحقوقية هامة ومتلاحقة كان من جملتها:

– إصدار منظمة العفو الدولية لتقريرها الذي جاء تحت عنوان: اعتقالات العدل والإحسان وبواعث قلق منظمة العفو الدولية، وقد جاء صدوره بعد حوالي الشهر من محاكمة 8 ماي، وهو ما يؤكد عدالة قضية العدل والإحسان وبراءة قيادتها، وفي جانب آخر جاء التقرير ليسلط الأضواء الكاشفة على واقع حقوق الإنسان المتردي بالمغرب.

– اعتراف الدولة المغربية رسميا بوجود معتقلات سرية وخاصة معتقلات تزمامارت وأكدز وقلعة مكونة، حيث تم الإفراج عما بقي حيا من ضيوفها، من ضباط العمليتين الانقلابيتين لسنتي 1971 و1972 ومن المعتقلين الصحراويين الذين تعرض أغلبهم للاختطاف أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات.

– التنصيص بشكل صريح في الدستور المعدل سنة 1992م، على “أن المغرب يحترم حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا”، وقد كان ذلك، ولو شكليا، للمرة الأولى في تاريخ المغرب، وتبعه بحوالي السنتين إنشاء الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان.

– بداية مسلسل من الخطوات “التصالحية” مع “ماضي الانتهاكات” كما سميت آنذاك بحيث إنه في يوليوز 1994 تم العفو عن المعتقلين السياسين وكان عددهم كما حصرته “لجنة التهامي الخياري” 11 معتقلا، بينما أعطيت تصنيفات أخرى لباقي المعتقلين المعفى عنهم وكانوا حوالي الثلاثمائة معتقل ونيف. واستثني طلبة العدل والإحسان الإثنا عشر المعتقلون بوجدة من هذا “العفو الشامل” بتعبير المخزن الهامل المائل بتعبير الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في رسالته التاريخية شهر يوليوز 1994م.

 – تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة التي أسندت قيادتها لمعتقلين سابقين يترأسهم المناضل إدريس بن زكري رحمه الله، والتي دخل معها المغرب عهد “الإنصاف والمصالحة” والقطع مع “سنوات الجمر والرصاص”، التي حصرتها هذه الهيئة حتى سنة 1999م متناسية ومتجاهلة بذلك الكثير من المعتقلين الذين انتهكت حقوقهم بعد ذلك.

 يبقى الثامن من ماي 1990 منعطفا مهما ومحطة كبرى في تاريخ المغرب الراهن بثقل أحداثه الذي ألقت ظلالها على واقع المغرب والمغاربة حتى اليوم.