يوميات امرأة في رمضان

Cover Image for يوميات امرأة في رمضان
نشر بتاريخ

جلست إلى شاشة التلفاز، وأنا أتابع مجموعة من الأطباق الدسمة تعلما أو تطفلا، كان المؤذن ينادي لصلاة الظهر. لم آبه به حيث كان البرنامج غنيا، وسخيا. كان لذة الأكل بعد الإفطار، وإعداد ألذ الأطباق مشغلي إلىوم.

بعد انتهاء البرنامج قمت متكاسلة إلى إناء فيه ماء فتوضأت، وشرعت في صلاة فاتني وقتها الأفضل لطول البرنامج.

كان التعب يغلبني، فعمدت إلى وسادة كانت بجانبي، فألقيت عليها رأسي. بعد مرور ساعات استيقظت، ودلفت مباشرة إلى المطبخ، لأعد طبقين لمسا شغاف قلبي قبل معدتي. عزمت أن أترك ما في يدي فور سماعي لآذان العصر، ولكن هيهات، كانت لذة العادة أقوى من العبادة. استمررت في الإعداد، ولم أنتبه إلا بعد مرور الوقت، لقد فاتني أجر الصلاة الوسطى، بعدما لمت نفسي قليلا، عدت إلى موطن راحتي ومبلغ لذتي.

قبل آذان المغرب بساعة، كان علي التوجه إلى شاشة التلفاز، وإلى فلمي المفضل، الذي انتهي مع النداء لصلاة المغرب. إنه الإفطار إذن، توجهت مباشرة إلى المائدة، فتذوقت الطبقين اللذان أعددتهما. ما ألذه من طعام، سيفرح الجميع، ومع برنامج الفكاهة والضحك، سيحلو الجلوس إلى المائدة. حقا إن رمضان كريم وكريم جدا.

بعد انقضاء صلاه التراويح، والتي لم أصلها إلا بشق الأنفس، من تثاقل أنواع من المأكولات على معدتي. بعدها توجهت مباشرة إلى المنتزه برفقة زوجي وأبنائي. كانت كل المناظر تغريني بالبقاء لمدة أطول. فضاء للعب الأطفال، ظلام يسدل السكينة علي روحي، التي تعبت من طول الوقوف في المطبخ، ومن اللوم وتأنيب الضمير، الذي تنسيني إياه انشغالاتي.

حين عدنا إلى البيت، وجدت بطاقة في بريدنا، كانت دعوة من إحدى جاراتي في السكن القديم، تدعوني فيها إلى حضور الندوة الأسبوعية لإحدى الجمعيات.

كنا في اليوم الحادي عشر من شهر رمضان الكريم. تحدثت المحاضرة عن فقه الصيام ومقاصده الروحية والذي يغفل عنه كثير من الناس.

يا سيدي يا رب العالمين كم كنت من الغافلين) كلمة ظللت أرددها، حتى رفع الآذان لصلاة الظهر. وكأني أصلي لأول مرة، وكأني أذكر الله رب العالمين لأول مرة. حقا إن هؤلاء النساء يحيين النعيم. ملازمة دائمة لمثل هذه المجالس، ومصاحبة مثل هؤلاء الطاهرات، كان كفيلا أن يذيب أنانيتي، ويصرف عني غفلتي. حينما عدت إلى البيت، لم أنزع لباسي، فقد كان المنزل مرتبا، و طعام الأطفال جاهزا. استقبلت القبلة، فعهدت إلى أوراق أهدتني إياها صديقتي. كان كل شيء واضحا، لم أكن أصوم كما ينبغي. لقد قطع علي التسويف لذة العبادة، وخسرت العشر الأوائل من رمضان. فالتعب، والسهر، وانشغالات المطبخ التي لا تنتهي، ضيعتني في جنب الله.

أين أنا من المداومة على صلاة الفجر والحديث أمامي الذي رواه مسلم رحمه الله تعالى وسائر الأئمة الأعلام: “ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها” وعند الترمذي “من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلي ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة”. وأين أنا من صلاة التهجد، ولو ركعتين، لقوله تعالى في سورة الزمر الآية 9: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.

لقد ندمت أشد الندم على كل يوم غربت فيه الشمس، وغربت معه شمس قلبي. كان كل ما رأيته اليوم يذكرني بغفلتي، نساء تطهرن، وعرفن المقاصد الحقيقية لشهر رمضان، كانت سلوكا مستديما لا كلاما فضفاضا. تأملت آخر الورقة، فانسابت تلك العبارة المكتوبة إلى مشاش قلبي تهزني من غفلتي: أختي المسلمة إن استطعت ألا يسبقك أحد إلى الله في هذا الشهر فافعلي).

في تلك الليلة، استيقظت في ثلتي الليل، لأرتمي بين يدي رب العالمين طالبة المغفرة والعفو، راجية منه المعونة والمدد على ذكره، وشكره، وحسن عبادته. كانت دموعي تنزل على صدري بغزارة، ندما على ما فرطت في جنب الله، وندما على عدم تعظيم النية حتى في مسؤوليتي كامرأة. كانت كل تصرفاتي تحكمها العادة، لا العبادة.

في الأيام الموالية تيقنت أن الله يفرح بتوبة عباده، لما كنت أجده من حلاوة في عبادته، تذوقتها في الوقوف بين يديه، وتلاوة كتابه، والتهجد آناء الليل، وتجديد النية، وتعظيمها في كل عمل أقوم به.

كانت لذة التقرب من مولاي رب العالمين، أعظم من لذة الأطباق التي كنت أتفنن فيها، وقد علمتني صحبة هؤلاء النساء، أن أتوازن في كل شيء، وألا أغلب جانبا على جانب، فالدين عبادة، والدين معاملة، والدين إتقاني لمسؤوليتي، والدين صبر ومثابرة.

شكرا لك صديقتي لأنك نقلتني من الغفلة والقعود، إلى الحضور والشهود، فجعلني الله في ميزان حسناتك، إلى أن نلقي الله أنا وأنت، أخوات على سرر متقابلات.