جاءت كلمة الملثم اليوم محملة برسائل قوية، ليس فقط في مضمونها، ولكن أيضا في رمزياتها. اختيار الخلفية التي حملت الآية الكريمة: وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ إشارة مدروسة إلى إدراك المقاومة لطبيعة المعركة الحالية، والتي انتقلت من الميدان العسكري إلى ميدان المفاوضات والمناورات السياسية والاستخباراتية.
منذ اللحظة الأولى للعدوان، سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض أجندته عبر القوة العسكرية، لكنه اصطدم بمقاومة صلبة قلبت المعادلة وأجبرته على الدخول في مسار تفاوضي معقد. ومع التقدم في أيام وأسابيع المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، تكشفت نوايا الاحتلال، حيث يحاول قلب موازين التفاوض لصالحه، مستهدفا إفشال المقاومة في تحقيق إنجاز استراتيجي. جوهر هذا “المكر” الإسرائيلي يتجلى أولا في محاولة استعادة جميع أسراه دون تنفيذ مراحل وقف إطلاق النار بالكامل، إذ حاول الاحتلال القفز على الترتيبات المتفق عليها، بحيث يحصل على جميع الأسرى دون تقديم التنازلات المطلوبة، وخاصة فيما يتعلق بالمرحلة النهائية من التهدئة والانسحاب. هذه الخطوة تهدف إلى تفريغ ورقة الأسرى من قيمتها الاستراتيجية بيد المقاومة، مما يمنح الاحتلال حرية الاستمرار في عدوانه لاحقا دون ضغوط.
وثانيا يحاول الاحتلال استنزاف الوقت وإطالة أمد المفاوضات وتوظيف عامل الزمن لصالحه، في محاولة لاستنزاف المقاومة ميدانيا وإنهاك قطاع غزة اقتصاديا وإنسانيا، ليصل إلى لحظة يرغب فيها الاحتلال أن تكون المقاومة مضطرة للقبول بشروط أقل مما تريد.
رسالة “وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ”
باختيار هذه الآية، تؤكد المقاومة أنها ليست غافلة عن هذه المناورات، وأن محاولات الاحتلال للالتفاف على الاتفاق مصيرها الفشل. في السياق القرآني، تعني كلمة “يبور” الهلاك والفساد الذي لا ينتج عنه أي فائدة، أي أن كل ما يحيكه الاحتلال لن يؤدي إلا إلى ضياع جهوده وانكشاف خططه. وهذه الرسالة تتضمن عدة أبعاد:
1- الثقة بوعد الله وسنن التاريخ:
كما باءت كل محاولات الاحتلال السابقة بالفشل، فإن المقاومة تؤكد أن التاريخ سيعيد نفسه، وأن الغلبة في النهاية ستكون لصاحب النفس الأطول والإرادة الأقوى.
2- التمسك بشروط المقاومة وعدم الانجرار لمناورات العدو:
توضح الرسالة أن المقاومة تدرك تفاصيل المخطط الإسرائيلي ولن تسمح بتمريره، بل ستتمسك بمواقفها حتى تحقيق الأهداف التي دفعت غزة ثمنا باهظا من أجلها.
3- إدارة المعركة على كافة المستويات:
تؤكد المقاومة أنها ليست قوية فقط في الميدان، بل أيضا في الوعي السياسي والاستراتيجي، وأنها قادرة على مواجهة الاحتلال ليس بالسلاح فحسب، بل بالعقل والتخطيط والمناورة المضادة.
والموقف الحالي يضع المقاومة أمام اختبار جديد، حيث يتطلب منها الثبات على مطالبها، وفي الوقت ذاته، استخدام تكتيكات مرنة تُفشل مكر الاحتلال. وهذا ما يظهر جليا في خطابها الذي يجمع بين الصرامة في الموقف والاستعداد للتفاوض بشروط تحفظ الإنجازات التي تحققت حتى الآن.
وبهذا فإن المقاومة تبعث رسالة مفادها أنها ليست في موقع المتلقي لما يُفرض عليها، بل هي في موقع الفاعل الذي يدرك أبعاد المعركة بكل تفاصيلها. وكما كانت المعارك العسكرية ساحة لتفوقها، فإن المعركة السياسية والمخابراتية ستكون كذلك، وسينقلب السحر على الساحر، وسيتحقق حكم الله عز وجل وجل وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ.