وها قد انقشع الضباب فانكشف السراب!

Cover Image for وها قد انقشع الضباب فانكشف السراب!
نشر بتاريخ

مقدمة

في خضم الأحداث التي سميت بالربيع العربي بغض النظر عن المواقف التي تبلورت فيما بعد عن التسمية ودلالاتها وآثارها، كتبت ونشرت حينها مقالا بعنوان: سرعان ما ينقشع الضباب) تطرقت فيه إلى كيفية التفاف النظام المغربي على المطالب الرئيسية الشرعية الثلاثة للشعب منذ لحظة انطلاق حراك “20 فبراير” مستهل سنة 2011م، والتي يجمعها شعار الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكيف أن البعض قد انطلت عليه رواية المخزن المتمثلة في دستور 2011 الجديد ثم المجيئ بحزب العدالة والتنمية لقيادة الحكومة الجديدة، وانتهيت إلى أن الوعود البراقة لن تلبث أن تسفر عن وجهها الكئيب، وتؤول الأماني المعسولة للغُـفَّـلِ المساكين إلى سراب، ها نحن الآن قد ولجنا سنة 2016م، فهل صدق التنبؤ بعد خمس سنوات؟ أم كنت ومن يشاطرني الرأي يومئذ متشائمين ننظر إلى الأحداث وآفاقها بنظارات سوداء؟

جيوب المواطنين

إن الحالة المادية والمعنوية المتردية للمواطن العادي أصدق تعبير على “إنجازات” الحكومة المخزنية التي امتطى النظام سفينتها في الأمواج العاتية للربيع العربي، كسادٌ في الرواج التجاري الداخلي لا تخطئه العين، زياداتٌ مستعرة في الأسعار أرهقت جيوب المواطنين وضربت القدرة الشرائية في المقتل، تزايدٌ مهول في أرقام البطالة تتجلى في أفواج من المعطلين المطالبين بالحق في الشغل تغطي الشوارع، تقابلها أفواج من قوات القمع المدججة بالهراوات الروادع، وأخيراً العمل الحكومي على المزيد من الاستنزاف لأرزاق الموظفين لتعويض المنهوب من صندوق التقاعد ورفع سن التقاعد، وآخر ما جادت به قريحة التدبير الاقتصادي للحكومة هو العمل على تقزيم منح الأساتذة المتدربين في الوقت الذي تغدق فيه العطايا بلا حساب للبرلمانيين والوزراء والموظفين الأشباح وغيرهم من ذوي النفوذ الذين لا يُسألون عما يفعلون!

الترتيب العالمي

يخجل المثقف المغربي بين نظرائه الدوليين من رتبة البلاد الذليلة بين الأمم في مؤشرات التنمية والصحة والتعليم وحقوق الإنسان وغيرها، ومن “ثبات” البلد في مواقعه فيها، إن لم يشهد المزيد من التقهقر في بعض الأحيان، وقد كان المغرب بالأمس القريب في وضع أفضل مقارنة مع بلدان استطاعت الآن الإقلاع اقتصاديا وتنمويا وإداريا وتنظيميا، وخلفتنا من ورائها لتنعم بأشواط من التقدم والازدهار، وتركتنا بعقود من السبق نصطلي بشواظ التخلف والانحصار.

الترهيب من الفتنة!

أليس في قَدَرِ المغربي إلا أن يُخيَّـر بين الخنوع للاستبداد أو مصيبة نار الفتنة التي تعصف باليمن وسوريا وليبيا؟ نسأل الله تعالى الفرج لأشقائنا هناك، أمَا كُتِب لنا سوى الاختيار بين النار والرمضاء؟

لقد استطاعت الآلة الدعائية المخزنية أن تُسكِن في عقول السذج أن البديل الوحيد الذي لا ثاني له عن اللاستبداد ليس شيئا آخر غير الدمار والدماء، على غرار ما يحدث الآن في بلدان ثارت للمطالبة بالعدالة والكرامة والحرية، حتى شاع بين الناس التعبير الأمازيغي “لهنا دوسكيف” الذي مفاده أن مطلب الأمن مع لقمة العيش الزهيدة، خير من المخاطرة بهما أثناء السعي لاسترداد الحقوق الضائعة، إيثاراً لسلامة الطاعم الكاسي على ركوب المخاطر لطلب المعالي.

حمى الله تبارك وتعالى بلادنا وسائر بلدان أمتنا من كل سوء ومكروه، شعارنا قوله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله 1 ، وقوله عز من قائل: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون 2 .

البديل السليم في مراعاة مقتضيات التوجيه النبوي الشريف الذي أورده الشيخان من حديث عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”. الحل الصحيح هو أن يكف الحاكم عن الاستبداد ويكف المحكوم عن الغش، طاعة لله وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، استعداداً للقاء الله والدار الآخرة.

السبيل الرفيق الحكيم هو قول الحق بقوة وأمانة، والدعوة إلى الحق ونبذ الباطل من غير عنف ولا ظلم ولا جهالة.

الدعوة إلى العدل والإحسان والشورى تكريماً لبني الإنسان هي خلاصة ما نصبو إليه، حتى نفوز برضا الرحمان في الدارين، وتتبوأ أمة الإسلام مقام الخيرية بين الأمم، وأمراً بالمعروف وعمارةً للأرض ونهياً عن الفحشاء والمنكر والبغي.


[1] هود، الآية 88.\
[2] المومنون، الآية 31.\