وفديناه…

Cover Image for وفديناه…
نشر بتاريخ

جبر الله برمضان كسر باقي الشهور، كما جبر ببعض الأيام الفاضلة والمواسم الطيبة أيام السنة والعمر.

فمن كرم المولى وفضله على عباده وأحبابه أن أرسل إليهم نبيا كريما نبراسا منيرا لسبل الرشاد والفلاح، ولِعلمه سبحانه بضعف عباده مهّد لهم بالبشرى والذكرى، وشحذ هممهم بالإنعام والإكرام والتوفيق والتسديد، وحذرهم بالنذير والوعيد لينجيهم من المهلكات تنبيها لهم، وخشية عليهم من كيد النفس الأمارة بالسوء، ومن غواية الشيطان الذي توعد ذرية سيدنا آدم عليه السلام بالتضليل والتغرير حقدا وحسدا منه لعنه الله.

ومن كرمه سبحانه أن جعل لنا فداء من كل معصية في صور كثيرة من المكفرات والطاعات، سدا للثغرات وجبرا للكسر وتكملة للنقص، ولم يوصد باب التوبة بل جعله بابا بلا حجاب ولا حاجب إلا على من أبى.

كلنا يعلم قوله تعالى في سورة الصافات: وفديناه بذبح عظيم فقد نجا سيدنا إسماعيل من الذبح حين صدّقا الرؤيا وأذعنا للأمر الرباني هو وأبوه سيدنا إبراهيم عليهما السلام، وقياسا على هذا الفداء ندرك أن الله تعالى قد جعل لنا بكل طاعة فداء من كل ما يناقضها أو ينقضها مادامت النية صحيحة والعمل صوابا.

شهر رمضان فداء لكل مسلم ومسلمة عن كل المعاصي، ما دام الصيام إيمانا واحتسابا وتوبة وإنابة لرب الكرم والعفو والعطاء. عشرا عشرا قسّمت بشارة أيامه لكي لا يحرم أي من المسلمين وإن آن أجله والتحق بالرفيق الأعلى قبل الختام والجائزة، فيدعو العارفون صدقا وحقا المولى الجليل أن يبلغهم رمضان وأن لا يحرمهم أجر الختم بحسن الختام.

فهلا شكرناه بالجَنان واللسان والإذعان قولا وفعلا، وهلا أدركنا حقيقة العيد وحقيقة الفرحتين حين بشر بهما حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه في الحديث القدسي: “للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه”.

وصدق أبو إسحاق الألبيري رحمه الله حين قال عن حقيقة العيد :

ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك

لا أن تجرَّ به مستكبراً حُللك
كم من جديد ثيابٍ دينه خلق

تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
ومن مرقع الأطمار ذي ورع

بكت عليه السما والأرض حين هلك