على المرأة المسلمة أن تستعيد ثقتها بربها أولا وبنفسها ثانية، وأن تعي أن الله عز وجل حباها بمؤهلات تهيؤها لتكون شريكة الرجل في مسيرة التغيير، لا تابعة ولا متخلفة…)بهذه الكلمات وأمثالها، كانت الدكتورة السعدية قاصد رحمها الله، ترفع همم نساء العدل والإحسان، وغيرهن من نساء الشعب…
في مثل هذا اليوم الثاني من يناير 2002، رحلت عنا الحبيبة السعدية إلى دار البقاء، وتركتها كلمات باقية في عقبها. كلمات نيرة وسيرة عطرة، على يدها أحيا الله موات قلوب أخوات كثيرات، ورد إلى طريق الصواب تائهات عديدات، وحشد عزائم وهمم منتكسات ومترددات. فأي حدث يخلده اليوم القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان، أبرز من الوفاء لذكراها ؟ أي حدث نخلده اليوم أكبر من استحضار سيرة ثانية اثنتين، أسست القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان إلى جانب خليلتها الأستاذة ندية ياسين حفظها الله وأطال في عمرها ؟
إنها سيرة من لم تخلد يوما إلى الراحة والدعة، بل بذلت في سبيل دعوة الله عز وجل الغالي والنفيس. سابقت الزمن لتحقق في ظرف وجيز ما به مهدت الطريق للعمل الجاد أمام أخواتها في القطاع النسائي، وكأنها كانت تدرك رحمها الله أن العمر قصير، وأن الأيام معدودة.
جاهدت وثابرت في العمل ليل نهار، لتحقق في سنوات قلائل، إنجازات عظيمة عجز عن النهوض بها الكثيرون غيرها : فإلى جانب التزاماتها المهنية وهي الدكتورة الصيدلانية، استحقت بعد أن أثبتت جدارتها أن تكون أول أمينة للقطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان، وأول عضو نسائي بالأمانة العامة للدائرة السياسية.
قدمت المرحومة برهان صدقها عملا صالحا فبذلت الوقت والجهد والمال والنفس في سبيل نصرة دعوة الحق سبحانه وتعالى، وقد كان بيتها مفتوحا للدعوة والعمل الإسلامي إلى آخر يوم فارقت فيه الحياة، حيث كانت تستقبل فيه شخصيات جاءت للتعرف على جماعة العدل والإحسان في شخص عضوة أمانتها العامة آنذاك. وفور انتهائها من اللقاء معهم، ذهبت لتتفقد العمل بالصيدلية وتركتهم في بيتها بعد أن وفرت لهم كل أسباب الراحة، فكان القدر سباقا ليلحقها بالدار الآخرة بعد أن تعرضت لحادث فارقت معه الحياة لثوها. ويا ليتنا ندرك أن الموت أقرب إلينا من حبل الوريد، وأسرع إلينا من أنفاسنا التي بين جنبينا.
لقد كانت المجاهدة مع جماعتها، والإبنة البارة، وربة البيت الناجحة، والأخت الرحيمة، كانت… وكانت… تعجز سطوري هاته عن أن تستوعب خصال مجاهدة قدمت حياتها لتصنع حياة أمتها كما يصنعه الرجال، فاستحقت ثناء الله عز وجل إلى جانبهم في قوله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب “من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا”.
شهدنا لها بذلك وشهد لها به الآلاف ممن حضر تأبينها، ولا نزكي على الله أحدا. فلتسعدي أختنا ببشارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث أخبرنا بأن الله عز وجل يقبل شهادة أربعين شخصا فقط ممن ساروا في جنازة المسلم ليدخله الجنة، فكيف بمن بكته الآلاف، بل بكته السماء والأرض. كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا في الحديث الذي يورده الإمام السيوطي رحمه الله عن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قائلا : إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء)
نخلد ذكراك أختنا في هذا اليوم الثاني من يناير 2000، فاتح ذي الحجة، وأول أيام عشر أقسم بهن الحق سبحانه، وما من أيام العمل الصالح أحب فيها إليه منها، ونقول لك نامي هادئة وقري عينا، فالزرع الذي زرعته قد أينع، والغرس الذي غرسته قد أنبت. قري عينا أيتها الحبيبة، فنحن نعاهد الله أننا على دربك سائرات، درب الجهاد والصبر والصحبة والجماعة إلى أن يتوفانا الله، إن شاء الله، متطلعات لمصيرنا الأخروي، كما رسمت ابتسامتك العريضة على محياك وأنت شهيدة، يحملك إخوانك وأخواتك إلى مثواك الأخير، إلى جنات الخلد إن شاء الله. فقري عينا.
إننا إذ نعتبر هذه الوقفة الخاطفة مع المرحومة السعدية قاصد لا يمكن أن تفي ولو بجزء قليل من فضائلها التي جعلت سيرتها غنية بالعبر، نضرب لقرائنا الكرام مواعد نقف فيها مع جوانب أخرى من شخصية هذه الفذة من نساء الإسلام، حتى نوقن جميعا بأن رحم الأمة لم ولن تعجز عن إنجاب نساء تحررت إرادتهن، وسمت هممهن فبلغن المعالي طلبا لوجه الله سبحانه وتعالى، وأيقن بأن وجهه الكريم لاينال من غير جهاد وعمل صالح في سبيل إعادة بناء صرح الأمة على أمتن أساس.
وهل من أساس أمتن من تربية المرأة المسلمة طالبة العدل والإحسان ؟