ورقة الأستاذ محمد حمداوي في “الملتقى العربي الدولي من أجل العدالة في فلسطين”

Cover Image for ورقة الأستاذ محمد حمداوي في “الملتقى العربي الدولي من أجل العدالة في فلسطين”
نشر بتاريخ

في سياق الملتقى العربي الدولي من أجل العدالة في فلسطين) الذي عقد يومي 22 و23 أبريل 2016 في الحمامات بتونس بحضور أكثر من 400 شخصية من العالم العربي والإسلامي ومن بعض الدول الغربية، شارك الأستاذ محمد حمداوي، عضو لجنة المتابعة في المؤتمر القومي الإسلامي، وعضو مجلس إرشاد الجماعة ومسؤول مكتب علاقاتها الخارجية بورقة حملت عنوان: دور النخب وهيئات المجتمع المدني في مواجهة عنصرية الكيان الصهيوني).

وتعميما للفائدة ننشر النص الكامل لهذه الورقة.

بسم الله الرحمان الرحيم

تمهيد

تمر القضية الفلسطينية بمنعطفات حاسمة في الفترة الراهنة نظرا لعدة عوامل منها أساسا أوضاع العالم العربي ما بعد اندلاع الربيع العربي، بسبب انشغال الأمة في أكثر من بقعة بالصراعات السياسية والعسكرية الوطنية والإقليمية. في هذه الظروف العصيبة أبان الشعب الفلسطيني على إرادة قوية في حرصه على استمرار نضالاته ضد العدو الصهيوني المحتل لأرضه، واعيا بأن بوصلته ومعركته الوحيدة هي ضد هذا العدو المتغطرس المدعوم من أكثر من جهة استعمارية تريد تأبيد الوضع الراهن والإبقاء على معاناة الملايين من أبناء شعبنا في فلسطين بين أسير وطريد من أرضه ومهجر من وطنه. لكن أحرار فلسطين ومعهم أحرار الأمة وأحرار العالم يعلمون سنة الله في المعتدين والمحتلين الظالمين التي هي الهزيمة لا محالة، طال الزمن أم قصر، فيصرون في كل وقت مواجهة الاحتلال بكل ما توفر لديهم من وسائل المقاومة المسلحة، وأيضا المقاومة المجسدة حاليا في الانتفاضة الفلسطينية المباركة التي أحبطت تربصات الكيان الصهيوني بمقدسات الأمة في أرض فلسطين. ولاشك أن دعم أهلنا في فلسطين واجب على الأمة، كل أنواع الدعم ن ومنها فضح عنصرية الكيان الصهيوني الذي لا يميز في عنصريته بين إنسان فلسطين ولا بين حجرها وشجرها، فضحه أمام العالم أملا في توسيع دائرة التأييد للقضية الفلسطينية في كل المحافل والبلدان. وفي هذا السياق تأتي هذه الورقة لتتحدث عن دور نخب وهيئات المجتمع المدني في الأمة في مواجهة عنصرية الكيان الصهيوني.

1- تعريف العنصرية في القانون الدولي

نذكر تعريفا جامعا للعنصرية جاء في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1 . والتي جاء في مقدمتها قبل أن تفصل في بنودها ما يلي:

إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ ترى أن ميثاق الأمم المتحدة يقوم علي مبدأي الكرامة والتساوي الأصيلين في جميع البشر، وأن جميع الدول الأعضاء قد تعهدت باتخاذ إجراءات جماعية وفردية، بالتعاون مع المنظمة، بغية إدراك أحد مقاصد الأمم المتحدة المتمثل في تعزيز وتشجيع الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين)؛

وإذ ترى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعلن أن البشر يولدون جميعا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المقررة فيه، دون أي تمييز لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي)؛

وإذ ترى أن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساو في حمايته لهم من أي تمييز ومن أي تحريض علي التمييز)؛

وإذ ترى أن الأمم المتحدة قد شجبت الاستعمار وجميع ممارسات العزل والتمييز المقترنة به، بكافة أشكالها وحيثما وجدت، وأن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الصادر في 14 كانون الأول/ديسمبر 1960 (قرار الجمعية العامة 1514 (د-15)) قد أكد وأعلن رسميا ضرورة وضع حد لها بسرعة وبدون قيد أو شرط)؛

وإذ ترى أن إعلان الأمم المتحدة للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1963 (قرار الجمعية العامة 1904 (د-18)) يؤكد رسميا ضرورة القضاء السريع علي التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، بكافة أشكاله ومظاهره، وضرورة تأمين فهم كرامة الشخص الإنساني واحترامها)؛

وإيمانا منها بأن أي مذهب للتفوق القائم علي التفرقة العنصرية مذهب خاطئ علميا ومشجوب أدبيا وظالم وخطر اجتماعيا، وبأنه لا يوجد أي مبرر نظري أو عملي للتمييز العنصري في أي مكان)؛

وإذ تؤكد من جديد أن التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الاثني يشكل عقبة تعترض العلاقات الودية والسلمية بين الأمم وواقعا من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب والإخلال بالوئام بين أشخاص يعيشون جنبا إلي جنب حتى في داخل الدولة الواحدة)؛

وإيمانا منها بأن وجود حواجز عنصرية أمر مناف للمثل العليا لأي مجتمع إنساني)؛

وإذ يساورها شديد القلق لمظاهر التمييز العنصري التي لا تزال ملحوظة في بعض مناطق العالم، وللسياسات الحكومية القائمة على أساس التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية مثل سياسات الفصل العنصري أو العزل أو التفرقة)؛

وقد عقدت عزمها على اتخاذ جميع التدابير اللازمة للقضاء السريع علي التمييز العنصري بكافة أشكاله ومظاهره، وعلى منع المذاهب والممارسات العنصرية ومكافحتها بغية تعزيز التفاهم بين الأجناس وبناء مجتمع عالمي متحرر من جميع أشكال العزل والتمييز العنصريين).

وبعد أن ذكرت بالاتفاقية المتعلقة بالتمييز في مجال الاستخدام والمهنة التي أقرتها منظمة العمل الدولية في عام 1958، واتفاقية مكافحة التمييز في التعليم والتي أقرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في عام 1960، وأكدت على رغبتها في تنفيذ المبادئ الواردة في إعلان الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله، وفي تأمين اتخاذ التدابير العملية اللازمة في أقرب وقت ممكن لتحقيق ذلك، شرعت بعد هذه المقدمة المهمة في مجال مناهضة كل أشكال العنصرية، شرعت في تفصيل البنود المفصلة لهذه الاتفاقية. والذي يهمنا في هذا الصدد البند الأول الذي يعطي تعريفا واضحا للعنصرية إذ يقول:

في هذه الاتفاقية، يقصد بتعبير “التمييز العنصري” أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة) 2 .

2- المواثيق الدولية وعنصرية الكيان الصهيوني

لقد انتبه مبكرا المجتمع الدولي لعنصرية الصهاينة وأصدر قرارات وتوصيات تجرم هذه العنصرية قبل أن يتراجع عن بعضها تحت ضغط اللوبيات الدولية المساندة للكيان الصهيوني في اغتصابه لأرض فلسطين. وهكذا جاء قرار الأمم المتحدة الصادر في 10-10-1975 رقم 3379 باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية)، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 315 الصادر في 14-12-1973 بشأن التحالف بين العنصرية في إفريقيا الجنوبية والصهيونية، وكذلك إعلان المكسيك الصادر عن المؤتمر العام الدولي للمرأة، الذي أكد على أن التعاون والسلم الدوليين يتطلبان تحقيق التحرر و الاستقلال القوميين، وإزالة الاستعمار والاحتلال الأجنبي، والصهيونية والفصل العنصري والتمييز العنصري بكافة أشكاله، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير) 3 .

3- أصول ومظاهر العنصرية لدى الكيان الصهيوني

إذا كانت مظاهر العنصرية الأكثر شيوعا في بعدها الأنثروبولوجي تقضي بالتمييز بين فئات من الناس إلى أسياد ومنبوذين على أساس تفاضل الأعراق، فإن الصهيونية قد زادت على هذا التمييز أيضا أبعاد الاستعلاء الديني والقومي واللغوي وجعلت العنصرية مكون من مكونات البنية الفكرية اليهودية الصهيونية. وطبيعي بما أن الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين ولد من رحم الصهيونية أن يمارس كل هذه الأشكال التمييزية ضد الفلسطينيين.

في كتيب صادر عن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، كتب الحاخام الرئيسي في هذه القيادة: عندما تلتقي قواتنا بمدنيين خلال الحرب أو خلال ملاحقة ساخنة أو غزو، ولم يكن مؤكدا أن أولئك المدنيين غير قادرين على إيذاء قواتنا، فوفق أحكام الهالاخاه يمكن، لا بل يجب قتلهم.. والثقة بعربي غير جائزة في أي ظرف.. في الحرب عندما تواجه قواتنا العدو فهي مصرح لها، لا بل مأمورة وفق أحكام الهالاخاه، بأن تقتل حتى المدنيين الطيبين، أي الذين يبدون ظاهريا أنهم طيبون..) 4 .

ويقول ابن ميمون: بالنسبة لغير اليهود الذين لا نكون في حالة حرب معهم يجب ألا نتسبب في موتهم ولكن يحظر علينا إنقاذهم إذا كانوا على وشك الموت) 5 .

وفي المجال الفني كتب الشاعر إيلان شينفيلد ilan schein feld:

إن لم تدمروا السقوف، دمروا الأساسات.. اضربوا لبنان وغزة بالمقالع والأسى والمرارة.. دمروهم كي لا يبقى فيهم ساكن.. حولوا أراضيهم إلى صحارى وإلى أكوام من الأنقاض.. اقتلوهم، أريقوا دماءهم املؤوا أيامهم بالرعب..) 6 .

أما في مجال اغتصاب الأراضي الفلسطينية، فإنه قبل الإعلان عن الكيان الصهيوني لم يكن الصهاينة يملكون أكثر من 5.5 بالمائة من مساحة فلسطين بيد أنه تم تحويل أكثر من 93 بالمائة من الأراضي المصادرة إلى ملكية يهودية.. وأصدرت من أجل ذلك أكثر من 30 قانونا 7 .

وحتى الصغار والفتيان تتم تربيتهم على هذا الحقد العنصري. فقد أرسل تلاميذ إسرائيليون رسائل مع بعض الهدايا إلى جنود الاحتياط العاملين في مدينة رام الله و”فاجأتهم” بمضمونها التالي: أصلي لك كي ترجع إلى بيتك سالما، وأن تقتل على الأقل عشرة من أجلي… خالف الأوامر وأبدهم. وتذكر أن العربي الصالح هو العربي الميت…. دع الفلسطينيين، سود الله اسمهم، يحترقون في النار. اخرق فيهم ثقوب ببندقيتك M16 واقذفهم بالقنابل) 8 .

وقد تناقلت وسائل الإعلام صورا للأطفال الصهاينة وهم يكتبون على القذائف التي ستستخدم لضرب لبنان وغزة عبارات مغرقة في العنصرية والكراهية 9 .

4- وضعية النخب وهيئات المجتمع المدني في وطننا الكبير

إن مفهوم “النخبة السياسية” من المفاهيم التي حظيت باهتمام كبير لذا العديد من المدارس الفكرية في محاولة لتحديد جوهرها ورسم معالمها وتدقيق معانيها. وقد ظل هذا المفهوم عصيا على التطويع في قالب يحصر مدلولاته في اتجاه معين، بل تناسلت التحليلات والدراسات في الموضوع مشكلة تراكما معرفيا مهما، لكن دون أن تستطيع بلورة تعريف موحد جامع مانع لمفهوم النخبة السياسية أو النخب السياسية) 10 .

لكن من خلال تتبع واستقراء عدد من الكتابات المنتمية لعلم الاجتماع السياسي؛ سواء في النسق المعرفي الغربي أو في النسق المعرفي العربي، بدءا بعالم الاجتماع الإيطالي باريتو Vilfredo Pareto وبوتومور Bottomore وميلز G.Wrignt Mills… وصولا إلى علي شريعتي ومحمد عابد الجابري وأركون… وغيرهم أمكننا أن نرصد ثلاث اتجاهات في دراسة النخبة السياسية حسبما ذهب إليه المفكر أورس Jaeggi Urs: الاتجاه الأول يشمل كل النظريات التي ترد النخبة السياسية إلى الفئة الحاكمة، وقد اعتمد أصحاب هذا الاتجاه على معيار السلطة؛ الاتجاه الثاني ويشمل كل النظريات التي تجعل من النخبة فئة متسمة بجملة من القيم تؤهلها لممارسة الحكم اعتمادا على معيار أخلاقي؛ أما الاتجاه الثالث فيظم كل النظريات التي تحدد النخبة السياسية من خلال وظيفتها في المجتمع اعتمادا على معيار وظيفي، ويمكن اعتبار مجهود سوزان كيلر Killer في دراستها المنشورة عام 1963 مجهودا متميزا في الباب.

لقد تطور مفهوم النخبة السياسية ليتجاوز التعريف الكلاسيكي الذي يعتبر النخبة السياسية كثلة واحدة موحدة منغلقة ذات قدرات وامتيازات تؤهلها لممارسة السلطة السياسية، ليصبح مفهوما متسعا مرنا يشمل جماعات مختلفة، ومجموعات متعددة ومتنوعة بتنوع مجالات الحياة ومصادر التأثير، وبدل الحديث عن نخبة سياسية أصبحنا نتحدث عن نخب سياسية تؤدي وظائف طلائعية ومهمة في النسق السياسي والمجتمعي من خلال توجيه حركة المجتمع وتوجيه حركة الدولة.

وتبعا لهذا فإن تحديد أنواع النخب يدخل فيه بعدان اثنان، أولهما اختلاف مجالات الاهتمام والاشتغال، وثانيهما طبيعة ودرجة النفوذ والتأثير سواء من جهة اتخاذ القرارات وصناعتها أو من جهة التأثير فيها والتفاعل معها أو من جهة طرح التصورات والبدائل للمشاكل المطروحة بما يرسم ملامح المستقبل 11 .

لاشك أن النخب والهيئات الفاعلة في مجتمعاتنا العربية لها دور كبير في نشر أي موقف من المواقف الإيجابية المناصرة للقضية الفلسطينية. كما لاشك أيضا أنه كلما كانت هذه الهيئات والنخب متواصلة وموحدة في مواقفها وأفعالها تجاه القضية الفلسطينية إلا وكان تجاوب الأمة أكثر فعالية وأكثر عطاء وسرعة تجاه قضية الأمة المركزية.

ولعل من العوامل الأساسية لهذا الدور الريادي للنخبة هو وفاؤها للقضية وقوة وثبات مواقفها، وعدم تأثرها بالمواقف السلبية لكثير من السلطات الحاكمة تجاه القضية. وقد استطاعت هذه السلطات مع الأسف تجميد أو تحييد (أي جعلتها محايدة) مواقف عدد من هذه الهيئات والنخب بشكل لا يخدم قضية الأمة الأولى، قضية فلسطين. لذا فإننا لا نبالغ إن قلنا بأن الأمة قد لا تكون استنفرت أكثر من نصف هذه الهيئات والنخب الموجودة في المجتمع لصالح القضية. كما أن التنازع وعدم اجتماع الكلمة يؤثران سلبيا على مواجهة الأمة لغطرسة الكيان الصهيوني.

فقضية فلسطين، بما هي قضية مواجهة للمشروع الصهيوني الاستعماري بكل تفاصيله وعناوينه، هي قضية داخلية في كل قطر، كما هي قضية أساسية خاصة لكل جماعة أو فئة أو حزب أو مكوّن من مكونات الأقطار. بل إن التركيز عليها لا يعني، أبداً إغفال القضايا الأخرى ذات الأهمية البالغة والتي أدى إهمال إيجاد حلول لها إلى ما نراه من تصدعات وصراعات).

ثم إذا كان المشروع الصهيوني الاستعماري بعنوانه الراهن «الشرق الأوسط الكبير أو الجديد» هو مشروع تفتيت المنطقة بأسرها، فهل يكون الرد عليه بغير الالتفاف حول القضايا التي تجمعنا، وتخرجنا من حال الانقسام التي نعيشها لانهماكنا في الصغائر، وعلى رأس هذه القضايا قضية فلسطين وما فيها من مقدسات ودلالات، وهل يمكن المواجهة التاريخية بغير الثقافة التي توحدنا كمجتمعات وأقطار، ثم كأمة ما قام الكيان الصهيوني أساساً إلا ليشكل حاجزاً بشرياً استيطانياً لتجزئتها بالأمس، ولتفتيتها اليوم).

وبهذا المعنى أيضاً، ففلسطين باتت قضية الأمة كلها، قضية وحدتها التي لا تقوم النهضة من دونها لذلك كان شعارنا منذ عقود “فلسطين طريق الوحدة، والوحدة طريق فلسطين).

فلندافع عن أمن كل أقطارنا وعن أمننا القومي، وعن استقرار كل بلادنا ووحدتها الوطنية، من خلال التركيز على فلسطين، قضية وشعباً، مقاومة وانتفاضة، أسرى وشهداء، ونبني حولها وحدة أمتنا كما نبني جبهة عالمية ضد العنصرية الصهيونية والهيمنة الاستعمارية تكون مدخلاً للنضال من أجل عالم أكثر عدلاً وتحرراً وأكثر توازناً وتعدداً، وأكثر إنسانية ومساواة) 12 .

5- كيف تواجه نخبنا عنصرية الكيان الصهيوني

1. المواجهة على الساحة الدولية

لقد بدأ دعم الكيان الصهيوني من قبل الغرب مبكرا، وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ما نلحظه ونعيشه ونراه حاليا من دعم لا محدود لهذا الكيان. والأمثلة كثيرة على جذور وتجذر هذا الدعم الذي يتصف مع الأسف هو أيضا بنزعات عنصرية واضحة في كثير من الأحيان. كتب أحد الأمريكان سنة 1945 في كتاب: “رحلة الحج إلى فلسطين” ما يلي: “إن أفضل حل لتلك المشكلة (يقصد عودة اليهود إلى فلسطين) هو اقتلاع سكان المنطقة وإحلال عرق أسمى مكانهم”. وكتب “جون باركلي” بعد عودته من الطواف بفلسطين كتابا بعنوان: “مدينة الملك العظيم القدس كما كانت، وكما هي الآن، وكما ستصبح في المستقبل”) 13 .

ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” في 1976/7/1 إعلانا على صفحة كاملة وقعت عليه خمس ومائة كنيسة متحمسة. يقول الإعلان: إن من يحارب حق إسرائيل في أرض إسرائيل لا يحارب إسرائيل فقط، بل يحارب الله والتاريخ).

جهود متواصلة، وعقيدة مستمرة، وولاء لا يعرف الشك. في سنة 1919 كان دعم الرئيس الأمريكي ولسون أثقل وزنا من دعم إنجلترا. وفي سنة 1943 رأى الأمريكيون على شاشة التلفزة، وهي لا تزال طرية في خطوات ميلادها شديدة الإغراء، برنامجا دام ساعة ونصف عنوانه: إسرائيل مفتاح البقاء لأمريكا). في هذا البرنامج دعا اثنا عشر زعيما أمريكيا مواطنيهم لتوقيع وثيقة أسْمَوْها: إعلان مباركة دولة إسرائيل). ووقع عليها أكثر من مليون أمريكي ورُفعت إلى البيت الأبيض 14 .

أما الولايات المتحدة، فقد دعمت الدولة اليهودية منذ نشوئها لثلاثة أسباب أكثر أهمية من دوافع أوربا إلى مؤازرتها. أولها أن حلول مملكة صهيون عقيدة يشارك اليهود فيها البروتستانتيون المنكبون على تلاوة التوراة. وثانيها أن الأرض العربية تتوفر على أكبر حقول النفط في العالم وتحتاج لذلك إلى حارس “أمين” يحفظ الكنز ريثما تهب “عاصفة الصحراء”. لكن العلة الاقتصادية والعلة الاعتقادية تدعمهما علة ثالثة -سياسية هذه المرة- تنبع مباشرة من الأحداث، وتكمن في وجود مجموعة ضغط يهودية في واشنطن يسندها حوالي ستة ملايين من اليهود يملكون الثراء والقوة، ويتمتعون بالنشاط) 15 .

لا بد من مضاعفة حضور دور نخبنا وهيئتنا المخاطب والمتواصل مع الرأي العام العالمي لإقناعه أكثر بخطورة الأفعال العنصرية تجاه الفلسطينيين، خصوصا أن معطيات إعلامية وقانونية مهمة عززت مؤخرا النظرة الاستنكارية لجهات عدة في صفوف الغرب تجاه جراء الجرائم الوحشية للكيان الصهيوني أثناء حروبه العدوانية على غزة ولبنان ومعاملاته العنصرية تجاه أصحاب الأرض في جميع الأراضي الفلسطينية. وتذكر معطيات أن اللوبيات الصهيونية قد أنفقت أكثر من 10.5 تريليون دولار على مدى 40 سنة لتلمع صورة الكيان الصهيوني دوليا. لذا ينبغي الوعي بهذه القيمة التي يقدرها الكيان الصهيوني لصورته لدى العالم والعمل على إجلاء الحقيقة عن نزعته وعمله العنصري الذي لا يتوقف في الأراضي المحتلة. لذا ينبغي تكثيف الأنشطة والفعاليات التضامنية في مختلف العواصم والمدن العالمية والتي تستهدف الشعوب، والنخب، والأكاديميين، والفنانين، والمنظمات الحقوقية والأحزاب والرياضيين وكل الفئات الفاعلة في مجتمعاتها. مع استحضار خصوصية دول العالم الإسلامي غير العربية والتي تساند كثير من نخبها وغالبية مجتمعاتها القضية الفلسطينية. كما ينبغي الاستثمار الجيد لمواقف كثير من الدول المساندة للقضية الفلسطينية كغالبية دول أمريكا اللاتينية مثلا، والعمل على إحراج الهيئات الدولية كي تحكم بالعدل وتتجنب ازدواجية المعايير و تطابق أقوالها أفعالها على الجميع وبدون تمييز. ومثال على ذلك ما جاء في احتفال الاتحاد الاوروبي في 21 مارس 2016 باليوم العالمي للقضاء على الميز العنصري) إذ قدمت الممثلة العليا لسياسة الأمن والشؤون الخارجية فدريكا موغريني تصريحا ذكّرت فيه بأنّ الاتحاد الأوروبي يدعو مجدّدا جميع الدّول التي لم تنخرط بعد في الاتفاقيّة الدوليّة للقضاء على جميع أشكال العنصريّة و التّمييز للانخراط. لأنّه لا بدّ من اعتماد تدابير ثابتة وفعّالة على المستوى الوطني والإقليمي والدّولي إذا ما أردنا التوقّي ضدّ التمييز العنصري والقضاء عليه) وبأن الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل بالتوافق مع مجموع البلدان الشريكة والمنظّمات الإقليمية والدوليّة وكذلك مع المجتمع الدّولي بهدف القضاء على التمييز العنصريّ حول العالم).

كذلك لا بد من عمل مستمر تجاه الهيئات والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان وتجاه العدالة الدولية التي أبتت بعض التجارب أنه عندما يكون الحرص وتقديم ملفات مقنعة فإن النتائج تكون إيجابية ولصالح القضية. كذلك لابد من تفعيل الحضور في المنتديات المدنية الدولية كالمنتدى الاجتماعي العالمي الذي يلاحظ أن القضية الفلسطينية لم تأخذ حجمها التي تستحق في دوراته التي عقدت لحد الساعة.

كذلك ندواتنا ومؤتمراتنا الجامعة، الوطنية والإقليمية والدولية ينبغي في رأيي أن تفتح لأعداد دولية أكاديمية وإعلامية وحقوقية مهمة، وتوفر فيها التقنيات الحديثة للترجمة الفورية. وكذلك حضورنا الإعلامي في المنابر الغربية وبلغاته أمر مهم. وكذا العمل على توسيع دائرة المقاطعة الدولية الأكاديمية والفنية للكيان الصهيوني.. وتوسيع الإشراك في الفعاليات التضامنية الدولية (نموذج أسطول الحرية..) والتفكير في المحافظة على دورية قوافل الإغاثة وفك الحصار. وتفعيل التحالفات الحقوقية الدولية لمتابعة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية المرتكبة من قبل القيادتين السياسية والعسكرية للعدو الصهيوني، بإشراك المنظمات الحقوقية الدولية. وفضح الشركات الكبرى المزودة بالسلاح، والسعي لتجريم تسليح العدو في المحافل الدولية..

2. على مستوى الداخل المحلي والعربي

قوى مجتمعاتنا مع نخبها في حاجة ماسة إلى رص صفوفها والانفتاح على بعضها البعض والانطلاق من المشترك وتوسيعه، ونبذ الخلافات الجانبية التي قد تعثر العمل المشترك وتفعيل كل أشكال الحوار والتواصل فيما بينها وتقديم الملموس من الأعمال والذي يعطي عربونا على حيوية هذه النخب لدى الشعوب فتقدرها وتلتف حول مطالبها.

إنه وفي كثير من الأحيان نكتفي بالفعاليات التقليدية ونظن بأن حضور القضية الفلسطينية وسط الأمة حضور مهم ومستمر ومطمئن. وقد يكون كذلك مع تفاوتات من منطقة إلى أخرى. لكن ربما قد ننسى أن هذه الأجيال الجديدة تتعرض لقصف إعلامي يومي مستمر من جميع الجهات وخصوصا تلك التي تستهدف تطبيع الثقافة الصهيونية مع هذه الأجيال. لذا لابد من العمل المستمر مع شباب الأمة، و الانتباه إلى أهمية تعزيز دوره في استمرار دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته المجيدة، مع تنويع الأساليب وتميزها بالإبداع والابتكار واستهداف تحصين هذه الأجيال من التعبئة الدخيلة المناهضة للمصالح الاستراتيجية للأمة في مواجهتها للكيان الصهيوني وفضح عنصريته.

كما ينبغي العمل على تفعيل حقيقي وشامل لمقاطعة العدو الصهيوني، اقتصاديا وأكاديميا ورياضيا وفنيا، والعمل على التجريم القانوني للتطبيع مع هذا الكيان الغاصب للأرض المقدسة. وعدم اليأس والتهاون في التحرك أمام القضاء الجنائي الوطني صاحب الاختصاص لحصار المسؤولين الصهاينة عن جرائم الحرب، وإحداث كراسي جامعية ومسالك بحثية أكاديمية لدعم القضية الفلسطينية وتفكيك العنصرية الصهيونية، بمقاربة شمولية وبعد استراتيجي وأفق استشرافي.. ومقاطعة النخب والمنظمات العربية التي تقيم علاقات مع نخب و منظمات الكيان الصهيوني. وكذلك ينبغي الرصد العلمي والسريع والدقيق لكل أشكال التطبيع والعمل على فضحه والتحرك السريع ضده. وهذا الجانب وحده في حاجة ماسة إلى موقع إلكتروني يختص في متابعة هذا الأمر بشكل مستمر ويكون صلة وصل بين كل الفاعلين في هذا الباب… وتعزيز دور الكتابة والبحث والتأليف والنشر والمحاضرات، والندوات، والأفلام السينمائية، والمعارض في تحصين الأمة من العنصرية الصهيونية والمروجين لها.

لا بد أيضا من تعبئة الشعوب العربية قصد ممارسة الضغط الشعبي على الأنظمة العربية بهدف قطع كل أنواع العلاقات مع العدو الصهيوني وإلغاء المعاهدات الموقعة مع العدو الصهيوني، وإغلاق سفاراته ومكاتبه التجارية في بعض البلدان العربية.

وينبغي إبراز الطابع الاستثنائي لقضية فلسطين وقضية نضال الشعب الفلسطيني فالهدف هنا ليس التحرّر من هيمنة استعمارية أو إمبريالية وليس هدف نضال ضدّ ميز عنصري أو أبارتهايد من حيث الجوهر وإنما هو صراع من أجل الحق في فلسطين. بل هو مقاومة ونضال ضدّ إحلال شعب مكان الشعب الفلسطيني. فالشعب الفلسطيني يكافح من أجل تحرير بلاده واستردادها بالقوّة عينها من اغتصاب الكيان الصهيوني لها. فالحالة هنا تتجاوز حالة حركة تحرّر وطني تقليدية وحالة مناهضة عنصرية تقليدية)..

على أن طبيعة العلاقة العضوية البالغة حدّ التماهي السياسي والعسكري والاقتصادي والأيديولوجي بين الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية. من جهة والاستراتيجية الأميركية خصوصاً والغربية عموماً من جهة ثانية يعطي لهذا الصراع الوجودي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني بُعدَه الكوني ضدّ الإمبريالية والعنصرية. مما يسمح بعقد التحالف الوثيق بينه وبين حركات التحرّر الوطني والمقاومات والممانعات وأحرار العالم عربياً وإسلامياً وعالميا) 16 .


[1] اعتمدت هذه الاتفاقية وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965 (تاريخ بدء النفاذ: 4 كانون الثاني/يناير 1969، وفقا للمادة 19).\
[2] المرجع نفسه.\
[3] عن كتاب: عنصرية إسرائيل، فلسطينيو 48 نموذجا، صادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – لبنان، ص10.\
[4] أمنون روبنشتاين، صحيفة معاريف الصهيونية عدد 13-10- 1975، عن كتاب: عنصرية إسرائيل، فلسطينيو 48 نموذجا، صادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – لبنان) ص21.\
[5] كتاب التاريخ اليهودي، إسرائيل شاحاك، ص 126 نقلا عن نفس الكتاب أعلاه ص 22.\
[6] ذكره جدعون ليفي، صحيفة هآريتس 10-06-2007، عن الكتاب نفسه ص 27.\
[7] الكتاب نفسه ص54.\
[8] صحيفة يديعوت أحرونوت 7-5-2002، المرجع نفسه ص 64.\
[9] ص67 نفس الكتاب.\
[10] النخب السياسية والتحولات الراهنة، ذة. أمان جرعود http://www.aljamaa.net/ar/document/105101.shtml\
[11] النخب السياسية والتحولات الراهنة، ذة. أمان جرعود http://www.aljamaa.net/ar/document/105101.shtml\
[12] ويسألونك.. لماذا فلسطين؟ ذ. معن بشور http://almawqef.com/spip.php?article13321&lang=ar\
[13] كتاب “سنة الله”، عبد السلام ياسين، ص 135- 136.\
[14] كتاب “سنة الله”، عبد السلام ياسين، ص 135- 136.\
[15] كتاب “الإسلام والحداثة” (2000)، عبد السلام ياسين ص 121.\
[16] القضية الفلسطينية واختلافها عن قضايا التحرر الوطني، منير شفيق. http://www.alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=12060\