«وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون» التعليم والإعلام قصة ومثل

Cover Image for «وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون»
التعليم والإعلام قصة ومثل
نشر بتاريخ

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو كان حسن الخلق رجلا يمشي في الناس لكان رجلا صالحا”

لو كان الفقر رجلا لقتلته.).. قالها سيدنا علي كرم الله وجهه ورضي الله وعن أسيادنا الصحب الكرام.

فماذا عن التعليم…؟

وماذا عن الإعلام…؟؟؟

كان التعليم رجلا صالحا، مصلحا، تقيا ورعا حاملا لكتاب الله مهيبا، سهلا لينا من الناس قريبا، يتشربون منه الإيمان، قبل أن يعلمهم القرآن، والحديث والسيرة، ويأخذون عن لسانه اللغة العربية ويعلمهم الحكمة وعلوما أخرى كثيرة.

كان التعليم غنيا بعفته، يعيش حرا في كنف أمته، تخرج على يديه علماء وأولياء وفحول، تفقهوا في الدين وحافظوا على الأصول.

وشاء الله سبحانه تعالت عظمته وقدرته أن يقل تلاميذه المجدون، ويكثر الكسالى البطالون، وينسب إليه منافقون ودجالون. وشاء من حجبت عن المدارك حكمته أن يكتفي الأغلب من المجدين، بتحصيل علوم الدنيا وينسوا علم اليقين. فصار حاله يدمي العيون، فقيرا بعد غنى، أعجزته كثرة الديون.

وذات يوم طالبه الدائنون بمالهم، فباع ما يملك إلا ماء وجهه، فما كان منهم بعد عجزه، إلا أن اقتادوه إلى سوق النخاسة ليبيعوه، وما حصل ذلك لو ساهم تلاميذه في تسديد دينه وأعانوه.

ما شاء الله كان، وعرض التعليم بين السلع بمختلف الأثمان، ولسانه يلهج بقول الله تعالى: فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، بيقين عجيب كأنه في داره لا يعاني أسرا. ‼!

سوق النخاسة هذه، والنخاسة هي هذه السوق، وما أدراك ما في هذه السوق؟، فيها تطفيف وهضم للحقوق…، في هذه السوق، كان غلاما ليس كالغلمان، كان هذا الغلام نشيطا، يخبر الناس بما جرى وكان، لعوبا لا يبالي إن كذب مادامت تناسبه الأثمان، إلا أنه كان يحلم أن يكون صدوقا عبدا لله حرا، لا أن يكون تابعا لسيده نفعا وضرا، لا أن يقول الزور فيمدح سيده الذي ملأ الدنيا ظلما وجورا، لا أن يخون الله ورسوله فيعطي الدنية سرا وجهرا !

ومرت الأيام، وصارت للغلام إذاعات وشاشات، وجرائد ومواقع ومجلات، يلقى فيها المارة – من الدنيا إلى الآخرة – ما يهوونه من ملهيات، وما يطمس فطرتهم من مشاهد عنف و إثارة للشهوات، وما يذهب مروءتهم من تطبيع وتمييع ووعود كاذبة وافتراءات، …..

فظن الغلام أنه قد حان وقت خلاصه، فذكر لسيده ما كان من وفائه وإتقانه وعودته طوعا لأقفاصه، وذكره بخدمته وإخلاصه، وطالب بحريته ولم يزد على ذلك ولو بشيء قليل، فكافأه بالتعذيب والتنكيل، وجمع كل ملعون وساحر وكل خبيث ذي قلب عليل، وكل من سمع له في المكر نهيق وصهيل، فأشاروا عليه: أن اجعل الغلام عبرة لكل من أراد أن يخرج من دائرة الفقر والجهل والتضليل، و أفتوه بأن يقيم وليمة في نفس الآن، يجمع فيها الرعاع من أتباعه وكل الغلمان، ففعل فأمر بذبح ثلاث بقرات عجاف وثلاث حمر وأتم سبعا بأتان، وأمر خدمه أن يطوفوا بالغلام في السوق، بدعوى مس المقدسات والخيانة والعقوق…، أو ببهتان إثارة الفتنة أو الزندقة والمروق…

هنا تبين له واقعه المرير، ألم يكن هو من ينقل أخبار فلسطين والعراق والشيشان … ويشجب ويندد بما يفعله القاسطون من إنس وجان !؟؟؟ أليس هو أولى بالتحرير؟

…أفاق الغلام من أمانيه المعسولة، ونسي أحلامه التي سفهها ظالمه فعاد مرغما إلى خدمته، وقد عرف أن الجبر هو نفسه مهما غير في شكله وسحنته…… ثم اسودت الدنيا في عينه، فشكا إلى ربه ضعفه وقلة حيلته، وسأل الله أن يهديه إلى طريق الرشد والرجولة…فاستجاب الله لدعائه و تضرعه بإخلاص واضطرار ويقين، أليس ربنا من يكشف السوء وينصر عبده ولو بعد حين؟ بلى، ربنا الله وهو أرحم الراحمين.

صار قلب الغلام منكسرا شكورا بعد ما كان مختالا فخورا، قاصدا في مشيه غاضا لبصره وصوته… وبينما هو على تلك الحال بين انزعاج قلبه وقبضه، خطر بباله أن يبحث في السوق عن المسجد، فكان لزاما أن لن وألا يجد، حتى إذا بلغ منه الإعياء، جلس إلى نخلة فرأى شيخا يظهر على وجهه النور والبهاء، فاقترب ثم اقترب، حتى وضع الركب إلى الركب.

فقال الغلام: السلام عليكم.

فرد الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ثم قال الغلام: إني لم أجد في هذا السوق مسجدا، وإني أحب أن أتوب إلى الله في بيته فينالني عفوه وتصيبني رحماته.

قال الشيخ: أنت يا بني تبحث عن خير البقاع في شر البقاع، سأدلك لكن افتح أذني قلبك للسماع. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”. اسأل الله أن يدلك على المصحوب الخليل، تضرع إليه أن يظهر لعيني قلبك الوارث عن النبي فهو واحد في زمانه، واصبر

نفسك مع أتباعه. وإلى ذلك الحين اجمع حولك المصلين، واحرص عليهم واقبض على دينك، جعلك الله من الصالحين.

فقال الغلام: إذا أنت خليلي وشيخي، وفي الصلاة أنت الإمام.

رد الشيخ: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. لست شيخا ولا إماما، يسمونني في هذا الزمان التعليم، وما اسمك يا بني.

رد الغلام: اسمي الإعلام.

وبعد أن قص التعليم قصته للإعلام، وبين الإعلام للتعليم ما أصابه من مالكه الظلاّم، قال الإعلام: يبث الآن في التلفاز برنامج يدافع عنك. فرد الشيخ: إن الله يدافع عن الذين آمنوا، فلا تطمئن لما يقولون وما نقلوا، ولكن انظر لما يفعلون وما فعلوا.

في التلفاز الكبير المعروض في السوق كان يظهر برنامج يشارف على الانتهاء، فيه ضيف يمثل قطاع التعليم يسأله شاب فيجيب، بأسلوب أبعد ما يكون من الذكاء، قريب بل ملتصق بنهج البلداء…

– المذيع: ما هي سياستكم التعليمية الواضحة؟ نذكركم سيداتي وسادتي أنكم مباشرة على قناتكم الفاضحة.

– الضيف: لقد عقد قطاعنا لقاءات مرطونية، كلفت الدولة الميزانية ونصف الميزانية، وقبل أن أتوصل لهذه السياسة بلحظة أو ثانية- طبعا في جلسة كعك وشاي، وهل يحلو التفكير إلا في جو أنس على نغمات دف وناي؟- عندها تذكرت ما كان يقوله التلاميذ:.. من نقل وقبل المساومات ترقى وانتقل، ومن أخلص ونصح لله دخل المعتقل، أو ما شابه ذلك… على أي حال، وجدت هذه المقولة منسجمة مع شعارات الانتقال الديمقراطي، فتم التصويت بشكل اعتباطي، وكان الإجماع، وصيغت المذكرات لتعميم الانتفاع.

– المذيع: يقولون، خصوصا الأساتذة والمعلمون، بأنكم لم تستوردوا من التجارب العالمية إلا القشور، ما ردكم على ذلك؟

– الضيف : هذا غير صحيح، فنحن نستورد التجارب بقشورها، بل نحن الآن نجربها قبل ظهورها، وهكذا حطمنا الرقم القياسي، أما عن القشور فقد ثبت علميا أن تناولها أمر أساسي، فهي غنية بالفيتامينات والبروتينات، ولا تسأل عن المشاريع المستقبلية ولا عن الإنجازات، فنحن قطاع يؤمن بإنكار الذات.

– المذيع: تتحدثون في إعلاناتكم عن الجودة وعن مساهمة الأسرة وعن التكوين والتأهيل من أجل توفير متطلبات السوق، هل تعتبرون ذلك ممكنا في هذه الظروف ؟

– الضيف: بل هذا واقع والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فلقد تقرر أن يعطى التلميذ في الإعدادي كل الأساسيات ليعمل، وربما لا نحتاج بعد ذلك لا إلى ثانويات ولا جامعات، وهكذا نخفض من معاناة قوات الأمن التي تعاني من الإرهاق بسب ضربها يوميا لحاملي الشهادات، وبهذا المخطط سنقضي على الأمية، ولا تسألني من أين لي بهذه الألمعية…

– المذيع: سؤال أخير ما هو آخر كتاب صدر لقطاعكم؟

– الضيف: آخر كتاب صدر اسمه: من الوزرة إلى الوزارة إياك أعني واسمعي يا جارة.

قال الإعلام للتعليم: ما رأيك فيما رأيت وسمعت؟

فأجاب: لقد صدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا لم تستح فاصنع ما شئت”.

ارفع يديك يا أخي لعلها ساعة استجابة. اللهم اجعلنا جماعة واجعلنا جميعا، إنك كنت بنا بصيرا بنا سميعا، لك وحدك مخلصين عبادا، ارزقنا رفقا بالخلق ارزقنا جهادا، وفقني وأخي الإعلام، فك رقبتينا ورقبة الأمة يسر لنا الاقتحام، يا أرحم الراحمين.

آمين والحمد لله رب العالمين