واقع حرية الصحافة بالمغرب يعري الديمقراطية المزعومة!

Cover Image for واقع حرية الصحافة بالمغرب يعري الديمقراطية المزعومة!
نشر بتاريخ

تعتبر حرية الصحافة من ركائز النظام الديمقراطي الحديث، فإلى جانب كونها أداة مهمة للتنشئة والتثقيف السياسيين لمجتمع مدني ديمقراطي متشبع بقيم الحق والمسؤولية، ووسيلة هامة في تبليغ الأخبار والمعلومات للمواطن باعتبار ذلك من حقوقه الأساسية، فهي أيضا ضمير الشعب الذي يراقب السلطات العامة في ممارسة أدوارها ضمن مسيرة البناء الديمقراطي المتكامل، مما ينبغي معه أن تكون الصحافة مستقلة عن هذه السلطات، متمتعة بأقصى ظروف الحرية في العمل والنشر والانتشار بضوابط مهنية وأخلاقية، تجعل منها صحافة مسؤولة وذات رسالة نبيلة، وتخدم قضايا الشعب والإنسانية.

ولأن الديمقراطية ليست ادعاءات وشعارات بل هي سوابق ولواحق، مدخلات ومخرجات، اقتناع وممارسة، فكل مرة تحاول فيها الدولة المغربية تقليد مشية الحمام الديمقراطي بمظهريات شكلية، من قبيل الدستور الديمقراطي، والانتخابات النزيهة، والحريات العامة، والمؤسسات التمثيلية وغيرها، تأبى مشية غراب المخزن العرجاء إلا أن تفسد الإدعاء وتفضح الزيف ليذهب الزبد الديمقراطي جفاء، وليبقى الغراب غرابا والحمام حماما.

فبعد أشهر قليلة من صدور مدونة النشر والصحافة المثيرة للجدل، وفي سياق احتفال العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف 03 ماي من كل سنة، جاءت تقارير المنظمات الدولية والوطنية المتخصصة لترسم صورة قاتمة لحرية الصحافة بالمغرب.  فقد حافظ المغرب على ترتيبه المتأخر في سلم حرية الصحافة العالمي، حيث احتل هذه السنة الرتبة 133 على المستوى الدولي، متراجعا برتبتين بعدما احتل السنة الماضية المركز 131  من أصل 180 دولة شملها تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” لسنة 2017، وكان لافتا في تقرير المنظمة الإشارة إلى “العداء الذي يكنه قادة دول المغرب العربي لوسائل الإعلام”، كما تعاني صحافة المغرب العربي حسب تقرير نفس المنظمة من “كثرة الخطوط الحمراء المفروضة من دول لا تبدو مستعدة لفسح المجال أمام الصحافة المستقلة للقيام بدورها المتمثل في مراقبة الأنظمة الحاكمة”.

بدورها صنفت منظمة “فريدوم هاوس” الدولية في تقريرها الأخير المغرب في الرتبة الـ 143 في سلم الترتيب العالمي حول حرية الصحافة، مانحة إياه معدل 66 نقطة من 100، حيث يعتبر صفر أفضل معدل، و100 أسوأ المعدلات، بل واعتبرت المنظمة المغرب من البلدان التي “لا تتوفر فيه حرية الصحافة”.

وفي بلاغ صحفي بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، جمعية “الحرية الآن”، التي رفضت السلطات المغربية الترخيص لها، نددت بهيمنة “الفكر الأحادي في المغرب على حساب التعددية الفكرية”، واستنكرت “الملاحقات القضائية ضد الصحافيين التي تستهدف الصحافيين عبر “ملفات” مُفبْركة يبدو أن هدفها الأساسي هو إخراس كل صوت منتقد للسلطة” خاصة بعد الموافقة على الصيغة الجديدة لقانون الصحافة، “حيث انتقلت الأحكام السالبة للحرية بالنسبة للصحافيين إلى مشروع القانون الجنائي الجديد. أما عن مشروع القانون المتعلق بحق الوصول إلى المعلومات، فهذا النص لا ينسجم مع المعايير الدولية في هذا المجال، وقد اعتبرته المنظمات الدولية غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان نصا خطيرا”.

من جهته اعتبر “مكتب إعلام جماعة العدل والإحسان” في بيان له بنفس المناسبة أن متاعب الصحافة بالمغرب تتضاعف في “ظل نظام الاستبداد الذي لا هم له إلا تضييق الخناق وتكميم الأفواه وشراء الذمم وتسويد الصحف وتعقب الكلمة الحرة المتحررة لوأدها قبل أن ترى النور”، وأن “سماء المغرب لا تزال ملبدة بغيوم مصادرة الحقوق الإعلامية، ولا إرادة سياسية تبدو في الأفق المنظور لضمان حرية التعبير وتحرير هذا الحقل الرازح قسرا تحت سيطرة السلطة وتحكمها”.

هو واقع ثقيل إذن لحرية الصحافة في المغرب، واقع لا يمكنه أن يرتفع إثر كل شعار براق يدبج، أو تقرير رسمي على المقاس يصدر، أو تصريحات فارغة تأتي بعد كل انتكاسة لتصف هذا الرقم بغير المنصف، وذاك التقرير بالمتحامل، وإلا فالواقع أبلغ من كل رقم وتقرير. ويكفي أن نشير هنا إلى الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الإعلاميون والموظفون العاملون بالشركة المغربية للإذاعة والتلفزة ( (SNRT  يوم الخميس 27 أبريل2017 أمام مقر الشركة بالرباط بمشاركة ست نقابات، ومطالبتهم بتحرير الإعلام العمومي من سلطة التعليمات التي تقيده، وفتح المجال للإعلاميين للاشتغال بحرية، وفق ما تمليه المهنية، وما ينتظره المغاربة من تلفزيون يمثل الشعب. وبعد هذا لا تسأل عن واقع الصحافة الحرة والمستقلة!!

فواقع حرية الصحافة بالمغرب ليس جهدا يعتريه نقص، ولا مسارا يواجه اكراهات، ولا إصلاح يغالب تعثرات، بل على العكس  تعبير عن غياب الديمقراطية وتغول السلطوية، ومصادرة حرية الرأي والتعبير، وتكميم الأفواه وقمع الرأي الحر، ووأد الكلمة المعارضة وتجريم القلم الكاشف، ومحاصرة العبارة المؤثرة.