واقع المرأة المغربية ومداخل التغيير.. ندوة نظمها القطاع النسائي وحضرتها فعاليات متنوعة

Cover Image for واقع المرأة المغربية ومداخل التغيير.. ندوة نظمها القطاع النسائي وحضرتها فعاليات متنوعة
نشر بتاريخ

نظم القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان، يوم السبت 4 مارس 2017، ندوة حوارية فكرية بعنوان واقع المرأة المغربية ومداخل التغيير)، جمعت طيفا من الوجوه المدنية والسياسية والفكرية، وشاركت فيها كل من الأستاذة حليمة عرش عضو مؤسس لحزب الأمة، والأستاذة الجامعية لطيفة البوحسيني، والأستاذة أمان جرعود منسقة القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان.

اتخذت الندوة شكل مائدة حوارية نقاشية، تناوبت فيها الضيفات الكريمات على أخذ الكلمة عرضا للفكرة وجوابا على السؤال وتعقيبا على الاستفسار، بإدارة وتنشيط الأستاذة خديجة مستحسان، التي وضعت سياق الندوة المتزامن مع اليوم العالمي للمرأة، طارحة جملة من الاستفسارات والإشكالات التي تنتصب أمام المرأة المغربية أثناء الحديث عن 8 مارس، ومؤطرة النقاش من خلال محورين الأول عن واقع المرأة المغربية تشخيصا وأسبابا، والمحور الثاني عن مداخل تغيير هذا الواقع.

في البداية، قالت الأستاذة أمان جرعود إن الحديث عن واقع المرأة المغربية ضرورة ما دام هناك، لحدود الساعة، إصرار قائم على إعادة إنتاج الأزمات والأعطاب وألا ننعم بواقع يطبعه العدل والكرامة والرأي والرأي الآخر)، مذكرة بأن مناقشة هذا الواقع من قبل كافة التيارات كان فيما سبق داخل الدوائر الخاصة بكل مكون على حدة داخل حدود فاصلة عن الآخرين، وهذا من الأسباب التي لم تخدم قضية المرأة، إذن علينا، إذا كنا نريد أن نضيف إضافات نوعية للقضايا النسائية، أن نفتح مجالات للحوار وأن ينصت البعض لبعض علّه يستكشف لدى الآخر نقاطا ربما قد تنقصه).

بعد ذلك ربطت واقع المرأة المغربية بالوضع العام الذي يعرفه البلد ويعيشه المغاربة، مفتتحة بالحديث عن الخطاب الرسمي وتضخيمه ادعاء الإنجازات والتقدم. وعرضت أمان ثلاث مؤشرات على هشاشة الواقع المغربي لأنها مجالات تعكس الوضع العام وفي نفس الوقت لها ارتباط وثيق بقضية المرأة؛ وهي مؤشرات الصحة والتعليم والتنمية. واستدعت جملة من المعطيات والتفاصيل التي توضح واقع الحال كالبنية التحتية والأجهزة والكفاءات والأطر التمريضية والتطبيبية والنزوع نحو الخوصصة وفتح المجال على مصراعيه للاستثمار في صحة المواطنين مقابل ميزانيات واعتمادات مالية هشة لا ترقى للنهوض بواقع الصحة، وهو الواقع الذي يرخي بظلاله تلقائيا على واقع المرأة تضيف أمينة القطاع النسائي للجماعة، مؤكدة أنها نفس الحالة تتكرر في قطاع التعليم ومجال التنمية.

أما الدكتورة لطيفة البوحسيني، وبعد أن تقدمت في بداية مداخلتها بالشكر للصديقات والإخوان في جماعة العدل والإحسان، وأنا سعيدة وأنا قادمة من الرباط لأحضر بينكم وسعيدة للحضور مع أخوات أتقاسم معهن هم الوطن وحب الوطن)، أوضحت أنها تتفق مع فكرة ربط قضية المرأة بالسياق العام، لكنها شددت على أهمية التشخيص الخاص لقضية ووضع المرأة لنستطيع التدقيق في تحديد الواقع ورسم الأهداف والسبل إليها. وأكدت على أن واحدة من أهم المشكلات التي تعاني منها النساء هي التمييز ما بين الجنسين )وضربت نموذجا بالتمثيلية السياسية للمرأة والتي بلغت 20 في المائة معتبرة إياها نسبة ضعيفة بالنظر لمبدأ المناصفة، ولكنها خطوة بالمقارنة مع 1993 التي لم تتعد تمثيلية المرأة فيه عضوين). وشددت على ضرورة البحث عن جدور التمييز بين الجنسين والهيمنة الذكورية، وتدقيق مسؤوليات الدولة والمجتمع والتنظيمات والأفراد.

أما الأستاذة حليمة عرش، فاعتبرت أن الموضوع يستدعي منا حوارا حقيقيا، حوار لحظيا وحوارا استراتيجيا، الحوار هو المدخل الأساسي لإيجاد مساحات مشتركة بين جميع المعنيين من مجتمع مدني وجمعيات معنية بقضايا المرأة، وكل الأطراف المعنية بمحاولة النهوض بقضايا المرأة). وذكرت بأن مسيرة النضال النسائية مرت عبر ثلاث مراحل: مرحلة وعي المفارقة، ووعي التواجد وعي الذات، ثم وعي المأساة. وقالت لابد من العروج على هذه المراحل لنعرف هل هناك فعلا مدعاة للنضال، وهل هناك مشاكل حقيقية). وأكدت نتفق كلنا على أن هناك مشاكل حقيقية على جميع الأصعدة وجميع المستويات، وتبقى الإحصاءات الرسمية تثبت يوما بعد يوم تصدر المغرب للمؤخرة، على مستويات عدة؛ التنمية، التعليم، الصحة). وشددت على أن أحوال المرأة المغربية لا تبشر بالخير، تستقطبها جدالات كثيرة ونقاش كبير في المغرب وتستدعي منا الاجتماع عليها، وهذه الحوارات يجب أن تؤسس.

البوحسيني، عادت لتؤكد على مكتسبات أساسية ومهمة، لن نتراجع عنها، لابد من وضعها في سياقها التاريخي)، المسألة الأولى هي قبول فكرة تمدرس المرأة، والثانية هي مسألة خروج النساء للعمل المأجور، والثالثة هي مشاركة النساء ومساهمتهن في كافة مناحي الحياة العامة ببعدها المدني والسياسي والجمعوي والنقابي، معتبرة أن هذه الأمور أساسية ومهيكلة.

ابتدأ المحور الثاني بسؤال هل تضع الدولة قضية المرأة في مقدمة البرامج والاستراتيجيات؟)، فأجابت حليمة عرش لا نراهن كثيرا على الدولة، فأحيانا يكون هناك تبني مقاربات النهوض بشريحة معينة أو بقطاع معين، لكن على المستوى الفعلي وتبني مقاربة شاملة للنهوض مثلا بالمرأة ليس موجودا بالشكل المطلوب، لأن قضية المرأة مرتبطة بمشاكل كثيرة، التعليم والصحة والقانون.. إذن دونها النهوض بهذه القطاعات)، موضحة بأنه على المستوى القانوني مثلا هناك قوانين لكن يعتريها النقص مثلا بخصوص المرأة في وضعيات صعبة، ثم هناك عدم استقلالية القضاء، وبالتالي يبقى وجود ترسانة قانونية في غياب استقلالية القضاء لا يمكن المراهنة عليها (هناك ملفات تبقى شهورا طويلة ولا تحرك القضايا)).

وشددت في المقابل على أن المراهنة تبقى على الفاعلين في المجتمع المدني وأراهن كثيرا على حوار مسؤول خصوصا الحوار الفكري لأن أغلب حواراتنا تكون سياسية، علينا أن نجتمع على حوار فكري مسؤول وجاد من طرف جميع الفرقاء والشركاء؛ حوار لا يلغي فكر الآخر، يتبنى الديمقراطية، متنوع، البحث عن المساحات المشتركة بين جميع الفرقاء، لا يجب البحث عن حلول مستقلة من كل طرف، فيصبح التغيير ممكنا إذا كانت منطلقاته أساسية وكنا نتبنى خيار الإصلاح الجذري وليس خيارات متطرفة).

أما أمان جرعود فاعتبرت المدخل القانوني من المداخل المهمة التي يمكنها أن تكبح العديد من الممارسات الشاذة داخل المجتمع والقائمة على التمييز سواء على أساس النوع أو أي أساس آخر)، لكنها أوضحت أن المشكل عندنا في المغرب ليس مشكل أزمة نقص قانوني… لكن الإشكال الكبير يكمن في الهوة بين التشريع القانوني والتنزيل، ما بين النص القانوني وبين الواقع). وهو ما دعاها إلى القول هذه المقاربة التجزيئية هي في حقيقة الأمر محاولة ترقيعية أكثر منها محاولة علاجية، لهذا نلاحظ أن محاولة تنزيل القوانين دون إعطاء الأسبقية لإحداث تغييرات في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، دون إعطاء الأولوية لبناء العنصر البشري على قيم الرفق والرحمة، قيم الإنصاف والعدل، دون إعطاء أولوية لضرورة تأهيل المؤسسات المنوط بها تطبيق هاته القوانين سيؤدي إلى نتائج عكسية).

ورأت أن هناك خطابين متطرفين؛ خطاب يضعك أمام الاختيار بين ثنائية هل أنت مع حقوق المرأة أم مع الإسلام وكأن الإسلام لا يلتقي مطلقا مع حقوق النساء. في مقابل خطاب آخر لا يرى في النضالات النسائية وفي مطالب الحركة النسائية إلا وسيلة الغرض منها ليس إنصاف النساء لكن الغرض منها هو ضرب الدين الإسلامي وضرب الهوية الإسلامية ويتنكر لواقع المظلومية الذي يفرض نفسه، مشددة على ضرورة إيجاد خط بين هذين الخطين، وقالت، مع الحوار والصدق مع الذات، الطرف الإسلامي سيكتشف أنه في كثير من الأحيان خاض معارك للدفاع عن اجتهاد فقهي وليس عن وحي منزل، وسيكتشف كذلك الحداثي من داخل الدين الإسلامي ومن داخل الشريعة أنه يمكننا أن ننتج نظرة جد متطورة في إنصاف النساء والدفاع عن قضاياهن).

هذه الرؤية الاجتهادية المطلوبة لابد لها من شروط الشرط الأساسي هو شرط التوازن وأقصد به ألا نستصغر هذا التراث الاجتهادي ولا نقدسه، فرق بين أن نمتلك التراث وبين أن يمتلكنا التراث… ثم لابد من شرط الحرية، فلا يمكن الحديث عن الاجتهاد في ظل غياب حرية الرأي والتعبير وعدد من القيم التي تغيب مع غياب شرط الحرية. الشرط الثالث هو شرط الجماعية؛ الوقت الآن لم يعد صالحا لذلك المجتهد الموسوعي الذي يمتلك ويتحدث في اللغة وفي الشرع وفي العلوم.. الآن يجب أن نتحدث عن اجتهاد جماعي تتظافر فيه عين الشريعة مع عين العلم وعين الاختصاصات الأخرى من اقتصاد وسياسة وطب وغيرها، ثم هذا الشرط الجماعي يجب أن يكون حاضرا فيه الشرط النسائي لأنه بالرجوع إلى التاريخ هناك غياب الرؤية النسائية. ثم هناك ضرورة استقلالية المؤسسات الاجتهادية حتى لا تزيغ بالاجتهاد إلى خدمة اتجاه معين أو طرف معين أو أن تخضع لأجندات سياسية معينة وهذا للأسف هو ما جنى على الاجتهاد وهو خضوعه للسطوة والسلطة السياسية).

لطيفة البوحسيني، وهي تتحدث بدورها عن مداخل تغيير واقع المرأة المغربية، رأت بأنها يلزم أن تكون شاملة ومتكاملة، لأن الجوانب مرتبطة مع بعضها البعض، بالنسبة لي المسألة ليست في اختيار المجال الذي نبدأ منه بقدر ما هي مسألة منهجية ومقاربة، المقاربة هي الأساس، نعتبر أي مجال يجب أن نستعمل فيه نظارات المرأة والرجل، يعني نظارات النوع الاجتماعي، لأن أي مجال يكون أثره على جمهوره وعلى المجتمع والذي مكوناته هي نساء ورجال أوضاعهم مختلفة حاجياتهم مختلفة وبالتالي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لكي تكون النتائج بنفس الوقع على النساء والرجال. إذن الأمر يتعلق بمنهجية اشتغال).

وذكرت بأن المغرب سبق أن التزم في المؤتمر الدولي الرابع للأمم المتحدة سنة 1995 بإثني عشر (12) مجال أولوي، عندما تتأمل هذه المجالات تجد بعضها يهم البلدان في طريق النمو أما البلدان المتقدمة فهي غير معنية بها، ولكن في الجملة هاته 12 مجالا أولويا للعالم بأسره (الدول الأطراف في الأمم المتحدة التي التزمت بهذه الخطة للعمل)… المجالات فيها التربية والتعليم، ومحاربة الأمية، وظاهرة الفقر المؤنث، ومحاربة العنف، والاعتراف النسائي بالحقوق الإنسانية، وصورة المرأة..).

وطُرحت في الندوة العديد من الأفكار التي تلمست مداخل النهوض بواقع المرأة والرقي بها وبالمجتمع المغربي عموما، كما حرصت المتدخلات على عرض الأفكار والقناعات كما يؤمن بها وتعبر عن انتماءاتهن الإسلامية واليسارية، مع بروز بحثهن المسترسل عن القضايا الجامعة والمبادئ المشتركة.

وتميزت أيضا بفتح النقاش والحوار مع الحاضرين نساء ورجالا؛ فعند نهاية كل محور أتيح للراغبين في المداخلة المجال للإضافة والاستفسار والتعقيب وهو ما ساهم في إغناء الندوة وطرح المزيد من وجهات النظر في الموضوع.