وأقم الصلاة | 1 | مواكب المصلين

Cover Image for وأقم الصلاة | 1 | مواكب المصلين
نشر بتاريخ

سجَّل فجر الوجود المشهد الأزلي لبدء التكريم والاصطفاء، مشهد السجود الملائكي للمخلوق من طين في أحسن تقويم، المنطوي على نفخة روحية ربانية طاهرة، والدنا الأول آدم عليه السلام. 

حاز والدنا الكبير شرف التكريم عند الله تعالى، إذ خلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته وإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (الكهف 50).

فاز أبونا عليه السلام بحسن الإقامة مع زوجه أمنا حواء في الجنة حيث الرغد والمدد، حيث العطاء والمزيد، رب كريم، وزوج مصون، ومقام مكين، ذاك هو العطاء المبين، قال الحق سبحانه: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (البقرة 35).

انبثق فجر الزمان عن قبول التوبة بعد الزلة، زلة الأكل من الشجرة المحرمة، وتوبة المولى الرحيم، توبة أولها المنُّ الرباني بإلهام كلماتها، يقول سبحانه: فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة 37).

والدنا الأول آدم عليه السلام لما ألح بالدعاء والصلاة بما علمه المولى الكريم، هو وزوجُه؛ الأم الحنون، أن يقبل التوبة ويعفو عن الزلة، تبسمت له آمال الانعتاق من أسر الذنوب، وقيود الهبوط، فانطلق لسانهما بالكلمات الربانية بكل خشوع وخضوع، قال جل وعلا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الأعراف 23).

آمال الانعتاق من أسر الذنوب اقتضت زيادة من الكريم الوهاب، الذي كلما تقرب إليه العبد شبرا، تقرب إليه ذراعا تكرما منه وتفضلا. فكان التشريف ببناء أول مسجد يُصلى فيه ويُتعبد فيه، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: “المسجد الحرام” قلت: ثم أي؟ قال: “المسجد الأقصى”. قلت: كم بينهما؟ قال: “أربعون سنة”. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركت الصلاة فصلِّ فكلها مسجد” 1.

انبثق فجر الزمان عن الانطلاقة الأولى لمواكب المصلين بأوبة والدينا الكريمين إلى الله تعالى، وبقبول المولى منهما والرضى عنهما، ثم كانت منهما الحسنة الجارية الدائمة بناء المسجد الأول للصلاة، لتنطلق مواكب المصلين عبر الزمان إلى البعثة العظمى؛ بعثة أشرف المخلوقين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لتعم بركة البناء الأول فتصير الأرض كلها مسجدا وطهورا تفرح لسجود المواكب الطائعة الراكعة، مواكب المنعم عليهم، مواكب المصلين.


[1] تفسير القرآن العظيم لابن كثير.