هي المرأة الإنسان

Cover Image for هي المرأة الإنسان
نشر بتاريخ

هي حضن الإنسانية وتربتها الخصبة، هي وعاء الحياة وسقاؤها، هي مربية النشء وصانعة المستقبل، هي حامية الفطرة والمدافعة عن أعظم الثغور، هي شق الرجل وشقيقته في الأحكام، هي المرأة الإنسان.

من أعالي التاريخ ومن عمق الهبة الإلهية التي اختص المنان بها كائنا لطالما اعتبر دونا بل عدما، اعتُبرت المرأة الإنسان ميلادا بشرى، وعُدت تعهدا واحتضانا وتربية حجابا من النار في الأخرى، وضمن الإحسان إليها مقام الخيرية.

ارتقت من درك المواطنة من الدرجة المنعدمة إلى علياء العدالة وفساحة الاستحقاق الإنساني، تحولت من واقع بئيس مفتون لا يعتبرها إلا خادمة مطيعة ووعاء للشهوات إلى فقيهة تعلم وطبيبة تمرض ومشاركة فاعلة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومجاهدة تنافح عن حوزة الأوطان.

تحول جذري استقبلته الأمة بترحاب لما تربت بنور الوحي في حجر النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم فعلمت أن الإحسان إليها تشريع إلهي ووصية نبوية، استوعبته لما علمت أن هذا الكائن محور علاقتها بربها وباب عظيم للقرب منه، إما أن تعدل وتحسن وتكرِم فتُكرم وإما أن تغمط الحق وإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، يسمع ويرى ويحصي الفعال، وينزل قرآنا يتلى إلى آخر الدهر إذا اشتكت امرأة من ظلم وقع.

طالت القرون بانتكاساتها داخل الأمة فعادت نظرة الصغار التي رفع الله سبحانه عنها لأواءها. أضحينا نرى من النماذج المنفرة التي تعتبر العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تضاد وخصام وتنابز وتنافس مقيت، نظرات دونية ومعاملة لا تصلح للعبيد الذين رفع الله تعالى عنهم الأغلال التي كانت عليهم فجعلهم لنا إخوة وأوجب علينا أن نطعمهم مما نطعم ونكسوهم مما نكسو ولا نحملهم ما لا يطيقون.

جاءنا زمان، والعيب فينا لا في زماننا، أضحينا نلمس فيه الغبن الشديد والبؤس الأكيد وسوء التعاطي مع قضية تعد من أمهات القضايا.

جاءنا زمان أضحت فيه المرأة تشجع على الابتذال والتحرر الإباحي أو تقيد قدراتها دون أن تجتهد وتعمل وتبدع داخل الأمة، أُفهمت لغة الأجساد فاعتبرتها أساس التفوق ولب التميز والسلاح الأمضى.

أتى علينا زمان أصبحت فيه المرأة كما مهملا منبوذة مقهورة في المصانع والبيوت، أو قينة تؤثث مجالس أهل الفخامة وواجهات المجلات أو تروج بها السلع وإن الذكورية.

أتى علينا حين من الدهر أصبحنا نجد من يعد المرأة كائنا لا يصلح إلا للخدمة ومسح الأحذية والإذلال في النهار والمضاجعة في الليل مضاجعة الحمير، هي عورة كلها في حسبان البعض لا يصح أن تفتح فاها أمام الرجال إلا والقطن في فمها أو الحجر الذي يشوش على مخارج حروفها وصوتها الأنثوي.

لا أحب النظرة السوداوية وأعوذ بالله أن أكون ممن يقول هلك الناس، ولكن هي أجراس تدق على المسامع علها تجد آذانا صاغية وقلوبا واعية تحرص على إعادة النظر في موضوع المرأة بنظرة تجديدية تنهل من معين هذا الدين الصافي ونهره المتدفق.

لا بد من إعادة الاعتبار لهذا الكائن المشرف المكلف. لا بد أن تعي المرأة وظيفتها الوجودية كما ينبغي لأخيها الرجل. لا بد أن تتضافر جهودهما معا في صفاء ونقاء ويتعاونا معا على تحمل أحمال العبودية والعمارة. وقد أثبتت نساء الوطن الكبير قدرتهن على الانخراط ضمن واقع التغيير، وعيْنَ واقعهن وفطِنّ لضرورة اقتحام عقبات النفس والمجتمع فتقدمن بخطى ثابتة جنبا إلى جنب مع إخوتهن من الرجال مضحيات معهم بالغالي والنفيس من أجل غد أمثل وفجر جديد.

ولك مني أيتها المرأة الغالية أجمل التحية عبقها المحبة والتعظيم، ليس في يوم واحد جُعل لك ذكرى، بل دائما وأبدا إلى يوم الخلود. واعلمي وعِي مع أخيك الرجل أن جبهتكما الحقيقية في رفع ثقل القهر والاستضعاف عنكما معا يدا في يد لا في ممارسته على بعضكما البعض، يحدوك يقين أن نفض غبار القرون عنك مسؤوليتك أنت أولا وأخيرا، وأنك إنسان بحقوقه الكاملة لا حقوقا مجردة عن الإنسانية، وأول حقوق الإنسان حقه في معرفة ربه سبحانه.