اعتبرت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة أنّ الأزمة السودانية تتجاوز مجرد مواجهة عسكرية بين أطراف متنافسة، لتتحول إلى قضية مركبة تتداخل فيها “الأطماع الدولية والإقليمية مع التنافس الداخلي على السلطة والثروة”، مشددة على أن “الأطماع الأمريكية/الصهيونية والغربية في السودان ليست ظرفية، بل هي جزء من مشروع طويل المدى لإعادة تشكيل شرق إفريقيا والبحر الأحمر وفق منطق الهيمنة والتحكم”، إلا أنّ السودان، “بثقله الجغرافي والإنساني، قادر إن توحّد قراره الوطني واستعاد زمام المبادرة على تحويل موقعه من ساحة نفوذ إلى فاعل إقليمي مستقل يسهم في أمن البحر الأحمر واستقرار إفريقيا ”.
وأشارت الهيئة في تقريرها الصادر يوم 24 أكتوبر 2025 إلى أن هذا التجاذب الداخلي والخارجي أدى إلى تفكك اجتماعي واسع، وانهيار اقتصادي خطير، وحرمان ملايين المواطنين من الخدمات الأساسية. منبها إلى أنّ هذه المرحلة تتخللها مشاريع “عسكرية واقتصادية وسياسية تهدف إلى تفكيك الدولة السودانية وإعادة هندسة موقعها الإقليمي بما يخدم المصالح الغربية والإسرائيلية ويُقصي الدور العربي والإفريقي المستقل”.
خلفيات سياسية وتاريخية متراكمة
يوضح التقرير بداية القتال المباشر بين الجيش السوداني (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF) اندلع يوم 15 أبريل 2023، قبل أن يتصاعد سريعًا إلى حرب أهلية ثنائية محورها السيطرة على الدولة ومقدراتها. ثم يبيّن أن هذه المواجهة العسكرية تسببت في تبعات إنسانية واسعة، إذ “نحو نصف السكان احتاجوا مساعدات إنسانية في 2025، وملايين النازحين واللاجئين وزيادة حادة في انعدام الأمن الغذائي”، ما خلق واقعًا هشًّا يهدد استقرار البلاد.
ويعيد التقرير جذور الأزمة إلى التحولات السياسية عقب “انتفاضات 2018–2019 والإطاحة بعمر البشير” التي أفضت إلى مرحلة انتقالية هشة جمعت بين القوى المدنية والعسكرية. مشيرا إلى أنّ الانقسام داخل الأجهزة الأمنية بعد انقلاب 2021 كان عنصرًا حاسمًا في تأجيج الصراع، حيث “أدى إلى اشتباك مصالح بين قيادات SAF وRSF”.
كما يركز التقرير على طبيعة الأطراف المتصارعة؛ فـRSF “ تطورت من ميليشيات (جنجويد) وتحولت إلى قوة شبه نظامية ذات قيادة اقتصادية وسياسية تسيطر على شبكات مالية وتجارة”، بينما يتمتع الجيش بـ“الشرعية المؤسسية” لكنه “ضعُف تجنيدياً وسياسياً بعد الانقلابات”. وقد استفادت هذه القوى من تدخلات إقليمية ودولية متباينة، ما منح الصراع بُعدًا جيوسياسيًا وعمّق صعوبة احتوائه.
أزمة إنسانية متفاقمة
يرصد التقرير المشهد الإنساني بأرقام صادمة، إذ يحتاج “أكثر من 30 مليون شخص للمساعدة، أي أكثر من نصف السكان”، بينما يتأثر عشرات الملايين بشكل مباشر. وتتصاعد أعداد النازحين داخليًا إلى ملايين، في حين يعبر كثيرون الحدود هربًا من آلة الحرب، ما خلق موجة لجوء هائلة.
ويتناول التقرير انهيار الخدمات العمومية على نطاق واسع، مسجلًا أنّ شبكات “الصحة والتعليم والمياه والكهرباء” في مدن رئيسية “خاصة الخرطوم ودارفور” تعرضت للتدمير أو التوقف. ويضيف أنّ المستشفيات أصبحت مستهدفة أو غير قادرة على العمل، ما زاد من أعداد الوفيات المدنية.
ويضيف التقرير بُعدًا إضافيًا للأزمة، يتمثل في هشاشة الوضع الاقتصادي والفقر المتزايد، إذ “تعطّل الإنتاج الزراعي والتبادل التجاري، مع انهيار العملة وارتفاع التضخم، ما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والبطالة”. ورافق ذلك انتهاكات واسعة، منها “العنف القائم على النوع الاجتماعي والجرائم ضد المدنيين”، مع ورود تقارير عن “هجمات على مخيمات النازحين، قصف استهدف أماكن عبادة وأسواق”، واتهامات بجرائم حرب في مناطق عدة.
جهود الوساطة… تعثر المسارات
يتوقف التقرير عند المساعي الإقليمية والدولية للوساطة، مشيرًا إلى مبادرات متعددة، أبرزها “منصة جدة” برعاية سعودية-أمريكية، ومحاولات الاتحاد الإفريقي، إلى جانب مبادرات إقليمية من مصر والإمارات وقطر وتركيا، فضلًا عن جهود أممية. ويلاحظ التقرير أنّ هذه الوساطات حققت بعض التفاهمات الإنسانية المؤقتة فيما يخص الهدنة أو تسهيل الممرات الإنسانية، غير أنها لم تنجح في فرض تنفيذ الاتفاقات على الأرض أو وقف القتال بشكل دائم.
ويكشف التقرير أسباب تعثر الوساطات، منها غياب حصانة لتنفيذ الاتفاقات (لا آليات فرض فعّالة)، وتناقض مصالح الوسطاء الإقليميين، واعتماد الفرقاء على الدعم أو الحماية الخارجية، وعدم تمثيل شامل للقوى المدنية والمجتمعات المحلية في مفاوضات الحل.
ويقترح التقرير حلولًا في إطار مرحلي قائم على مستويات متعددة، هو عبارة عن مبدأ أساسي، يرى أن “الحل المستدام يتطلب جمعياً: وقفاً حازماً لإطلاق النار مدعوماً بآليات مراقبة ونفوذ إقليمي/دولي، يتبني على حماية مدنية فعالة، ومفاوضات سياسية شاملة تضم الممثلين المدنيين الحقيقيين وإصلاحاً جذرياً للقطاع الأمني”.
ويتحدث التقرير عن “إجراءات إنسانية عاجلة” لأول 3 أشهر، تشمل وقف إطلاق نار إنساني قابل للقياس مع آلية مراقبة دولية/إفريقية محايدة، وحماية مخيمات النازحين، كما يتحدث عن “إجراءات سياسية متوسطة الأمد من 3 إلى 12 شهرا بمفاوضات شاملة تحت رعاية إقليمية وأممية ملزمة، وذكر التقرير إصلاح قطاع الأمن بخارطة طريق تدمج قوات الدعم السريع أو تفككها وفق برنامج “نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج”.
تحديات التنفيذ وتوصيات
وفيما لم يغفل التقرير “الإجراءات البنيوية بعيدة الأمد لما فوق 12 شهر” يضع إصبعه في المقابل على أبرز التحديات التي تعيق مسار الحل. ويؤكد أنّ “المصالح المتضاربة للوسطاء الإقليميين قد تقوّض التطبيق إذا استمرت بعض الدول بدعم أحد الطرفين عسكرياً أو مالياً”، باعتبار أنّ “غياب قوة فرض مُحايدة وموثوقة يزيد من خطر نكوص الاتفاقات”.
وضمن هذه التحديات، أكد التقرير “تعافي” السودان من هذه التكلفة الاقتصادية الاجتماعية الهائلة “يتطلب دعما ماليا كبيرا لفترات ممتدة إلى جانب رصد شفاف لمصادر التمويل”.
ويقترح التقرير جملة من التوصيات، منها “الضغط على الوسطاء الإقليميين لتوقيع ميثاق عدم دعم عسكري لأطراف النزاع كشرط للتمويل والدعم الدبلوماسي”، إضافة إلى دعم وتمويل قدرات مراقبة التنفيذ، والتركيز على حماية النساء والأطفال وإعادة الخدمات في المدن الصغيرة والولايات الأقل عرضة للقتال كخطوة لبناء الثقة”. كما يشجع على دعم مبادرات محلية للمصالحة الاجتماعية تضم “زعماء قبليين، شبّان، ومنظمات نسائية”.
أطماع أمريكية/صهيونية وغربية… وإعادة تشكيل الجغرافيا
يستحضر التقرير الوضع الجيوسياسي للسودان، بين شمال إفريقيا والقرن الإفريقي، والبحر الأحمر، كما أنه من أغنى الدول الإفريقية بالذهب والمعادن والأراضي الزراعية والمياه اقتصادياً. ما يجعله محور تنافس وساحة تنازع نفوذ مفتوحة بين المحاور الأمريكي–الإسرائيلي، الروسي–الصيني، التركي–القطري، الخليجي–المصري.
ويشير التقرير إلى أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين والكيان الصهيوني لهم أطماع تهدف إلى “التحكم في الممرات البحرية والأمن الإقليمي”، مع “ضمان السيطرة على البحر الأحمر كخط تجاري حيوي للطاقة العالمية”، إضافة إلى “منع الصين وروسيا من إقامة قواعد عسكرية في بورتسودان أو في الساحل السوداني”، فضلا عن “دمج السودان في منظومة الأمن الإقليمي للبحر الأحمر بقيادة أمريكية–إسرائيلية غير معلنة”.
وإضافة إلى “الهيمنة على الثروات” و”فتح السوق السوداني أمام الشركات الغربية”؛ يشدد التقرير على أن من بين أهداف الغرب “استثمار الأراضي الزراعية في مشاريع أمن غذائي مرتبطة بدول حليفة لإسرائيل”، و“تفكيك القوة الوطنية المستقلة” من خلال “دعم الانقسامات السياسية والعسكرية لضمان استمرار هشاشة الدولة”، و“تغذية النزاعات القبلية”، واستغلال الأزمات الإنسانية ذريعة للتدخل الدبلوماسي، وصولًا إلى دمج السودان في منظومة التطبيع.