هل ما زالت النقابات تملك سلطة؟

Cover Image for هل ما زالت النقابات تملك سلطة؟
نشر بتاريخ

استقيت هذا العنوان من برنامج بث في القناة الخامسة الفرنسية (TV5 Monde)، ناقش موضوع تراجع الانخراط في النقابات الأوربية، وضعف قدرتها على إضافة مكتسبات جديدة لفائدة الطبقة العاملة – المطالب المعنوية أكثر – أو على الأقل تحصين المكتسبات السابقة، وهو أمر مرتبط بالتحولات الاقتصادية الكبرى التي عرفتها أوربا، خصوصا انتقالها من الاقتصاد الكلاسيكي إلى المعرفي ، المتميز بسيادة التقنية والعمل عن بعد، وتشتت العمال في فروع صغيرة لا تسمح بتكوين تجمعات كبرى للشغيلة.

إن كان الحال هكذا في أوربا مهد الحركة النقابية ومنطلقها منذ القرن 19م خاصة مع النقابات الأولى التي تشكلت في انجلترا بحكم أسبقيتها للثورة الصناعية والتي حققت للحركة العمالية العديد من المطالب، فكيف سيكون عليه حال النقابات في بلدنا المغرب الذي أعلنت فيه أربع مركزيات نقابية برنامجا نضاليا متنوعا عبر فترات (مسيرة يوم الأحد 29 نونبر بالدار البيضاء، تجمع عمالي عام يوم الاحد 8 دجنبر، إضراب وطني يوم 10 دجنبر…)، لتسجل حضورها الباهت الذي لا يعكس ماضيها الحافل بالنضالات والتضحيات، خصوصا مع الدينامية الاجتماعية التي يشهدها المغرب الحالي والمتجلية في تنامي وتيرة الاحتجاجات التي مست مكونات اجتماعية مختلفة: الطلبة الاطباء، الاساتذة المتدربين، حراك مدن الشمال ضد غلاء الماء والكهرباء، وكلها احتجاجات غاب عنها الانخراط الفعلي للنقابات كمؤسسة للوساطة بين المجتمع والدولة. وهو أمر ليس بالجديد؛ فقد سبق للنقابات أن اختارت الحياد السلبي تجاه مطالب الشارع في حراك 2011. مما يدل بشكل ملموس على تردي الحركة النقابية المغربية وتراجع دورها. وهو أمر تعكسه ضعف نسبة التنقيب، وطغيان التشتت والانقسام، وفوضى التنظيمات وغياب الديموقراطية الداخلية وصراع الهيئات السياسية على المواقع داخل النقابات للتمترس خلف مطالبها، كمؤشر على غياب الاستقلالية عن الأحزاب، وأكبر دلالة على ذلك أن أي انقسام حزبي يتبعه انقسام نقابي، بل وصل الأمر إلى مهادنة الحكومة إن كانت تتألف من الحزب المكون للنقابة، مما خلق في النهاية ازدواجية في الخطاب لدى هذه النقابات التي تعد ملاحق لأحزاب مسؤولة بدورها عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمغرب.

ونتيجة لذلك يلاحظ غياب التأطير النقابي للاحتجاجات التي أصبحت تخرج بشكل عفوي غير منظم، زد على ذلك غياب الوعي النقابي وسيادة منطق الأنانية واللامبالاة في المجتمع، مما أفرز في النهاية نقابات ضعيفة في سلطتها التفاوضية مع الحكومة، وذات مطالب جزئية واحتجاجات غاب عنها الزخم، فغدت أقرب إلى التنفيس الاجتماعي منها إلى النضال ضد مصادر الظلم الاجتماعي الذي تكتوي به الطبقة العاملة.

فإذا كانت المركزيات النقابية الأربع قد اختارت اليوم العالمي لحقوق الانسان (10 دجنبر) يوما للإضراب العام للتعبير عن غياب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشغيلة وللمطالبة بتلبية مطالبها، فإنه من الأولى الحديث عن الحقوق اليومية المهضومة للمواطنين، والتي تكتسي طابع الاستعجال، ولن يكون ذلك إلا بالانحياز والاصطفاف إلى جانب المجتمع، وتجاوز التصدع النقابي إلى بناء جبهة نقابية موحدة، تستطيع تغيير موقعها التفاوضي ومنطقها التدافعي من الصراع إلى العدل (المطالب بالحق في إطار القيام بالواجب) مع السلطة، بدل ترك الساحة فارغة، فالبنية الفوقية لا تعترف إلا بالموجود في الساحة.