صدر للأستاذ المصطفى مسالي، الباحث في قضايا اللغة العربية، كتاب جديد عن دار فكرة للنشر والتوزيع بدولة مصر العربية، وجاءت طبعته الأولى لسنة 2022 في 75 صفحة من الحجم المتوسط، وسمه بعنوان “هكذا علمتني اللغة العربية”.
الكتاب تضمن خمسة فصول تتوسط المطلع والخاتمة، خصص الأول “هكذا علَّمتني الأسماء” لمعالجة الأسماء بصحيحها ومعتلها ومعارفها ونكراتها، ومشتقاتها، والثاني “هكذا علَّمتني الأفعال” جعله للفعل ودلالاته بلازمه ومتعديه، ماضيا ومضارعا وأمرا، والثالث “هكذا علَّمني الفاعل” عالج فيه الفاعل الحقيقي، أما الرابع فعالج فيه دلالات المفعول به وسماه “هكذا علَّمني المفعول به”، في حين الخامس أسماه “هكذا علَّمني الحال”.
وقد توقف الكاتب في هذا الكتاب مع علم النحو وقفات، وتأمل من خلاله تأملات ليستخرج منها ما يمكن استخراجه من فوائد، و“لأتعلم منه ما يمكن تعلمه”.
مسالي، وهو عضو الاتحاد الدولي للغة العربية، لم يجعل الكتاب فقط عبارة عن قواعد في اللغة العربية، وإنما عالج تلك القواعد من منظور تقويمي يجمع بين تقويم اللسان وتقويم الفؤاد، وذلك حينما ربط القواعد اللغوية بالقواعد السلوكية، ورام من ورائها ربط اللسان بالفؤاد.
وقد ذكر في مطلع الكتاب أن “تقويم اللسان دون تقويم الجَنان تيه وضلال، وتقويم الجَنان دون تقويم اللسان كمال دون كمال، وتقويمهما معاً كمال الكمال”، وأورد في هذا المقام ما قاله سيبويه رحمه الله:
لسانٌ فصـيحٌ مـعربٌ في كــلامِهِ ** فيا ليْتَه في موقـفِ الَـحشر يَسْلَمُ
وما ينفعُ الإعرابُ لو لم يكُن تُقَى ** وما ضرَّ ذا التقوى لسانٌ مُعجَمُ
وقال آخر:
لـحنُ اللسـان مبـاحٌ ** واللـحنُ بالقـلبِ ذنـبُ
وأقـبح اللـحن عنـدي ** كِـبرٌ وتـيـهٌ وعُـجْــبُ
وذكر الكاتب في خاتمة الكتاب أن شرف الإنسان وقيمته الكبرى “تكمن في اللغة التي تفصح عن مكنون عقله ونفسه، وتترجم أحاسيسه القلبية وأعماله الفكرية”، موضحا أن الإنسان عاطل عن الفكر والتفكير إن لم تكن له لغة.
ولفت إلى أن “اللغة أعجب مبتكرات الكائن العجيب”؛ معتبرا أنها تعليم رباني، لذلك لم يخلق الإنسان ليصمت، “بل لينطق بالحق والمعروف والصدق، وليتلو الآيات مهللا مكبرا، ثم ليستعمر الأرض وتكون منه تنمية”.
ومما أشار إليه في خاتمة هذا العمل الجديد، أن اللغة من أهم مكونات الشخصية وعاملا مهما في تحريك الحياة، وهي أقدم تجليات الهوية، وتبعا لذلك قال: “اللغة هي الفكر وإنها هي الرمز الحامل للمعرفة، وشكل اللغة لا يمكن فصله عن مضمون الرسالة التي تحملها”.
ومن الدوافع التي يبدو أنها حملت حوافز لدى الكاتب لإخراج هذا الكتاب، أنه انطلق من منطلقات عدة، أهما أن اللغة العربية “هي لغة القرآن الكاملة الواصلة بين حقائق الأرض ومعاني السماء، المضيئة بما هي وحي طريق الدنيا إلى الآخرة، أما نحن المسلمين في أزمان انحطاطنا هذه، انحطت لغتنا العربية بانحطاطنا، لا نعزو للأغيار وحدهم تأخر اللغة العربية، بل نعترف بترددنا واتهامنا للغتنا بدل أن نتهم بالتقصير أنفسنا”.
واعتبر الكاتب ذلك من أهم التحديات الداخلية التي مهّدت لسيادة الآخر فينا بلغاته وحمولتها الثقافية والفكرية والعلمية، فنشأ عن ذلك تقدير وإعجاب وموالاة للغاته وتغييب للغتنا في التعليم والإدارة وغيرها من المجالات؛ والمتسكع على موائد الآخرين الضعيف المتطفل أنى تسمع كلمته؛ وإنما اللغة بأهلها المخلصين لها.
ومن منطلقاته في معالجة موضوعات الكتاب، أن اللغة العربية لا ينبغي أن تجمد تبعا للنقاش السابق، “بل لا بد أن تقبل مبدأ التطور، وإن مهمة تطوير اللغة العربية وتدريبها حتى تصير مستقلة مفتوحة الأبواب على العلوم الكونية والتكنولوجيا، وحتى تتقدم موكب اللغات في مجالات العلوم لتحد مستقبلي كبير ينتظر أبناء اللغة العربية المخلصين”.
ومن المنطلقات أيضا، أن اللغة العربية “هي أهم عناصر الهوية”، معتبرا أن “التفريط في اللغة هو تفريط في هويتنا التاريخية وقيمنا الثقافية والأخلاقية وسيادتنا القومية. وكلما اهتم الإنسان بلغته كان ذلك دليلا على قوته ونهضته وأصالته، والعكس صحيح”.