هل هلال الربيع النبوي، فأشرقت الأرض نورا، وازدان الكون فرحا ورحمة، وتراقص القلب بذكرى مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم، وأنشد اللسان مترنما بحبه:
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ
لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ 1
لكن… تتزاحم المشاعر في قلب ينبض شوقا ومحبة لميلاد خير البرية صلى الله عليه وسلم، وقلب ينزف دما ووجعا لجراح غزة وأهلها، فبات الفؤاد حيران بين أنس الفرح والحبور بمولد خير الأنام، وبين وحشة الألم والحزن على خير بقاع الأرض: غزة.
هل هلال الربيع النبوي وفي القلب غصة اسمها غزة، غزة التي قضم الجوع أجساد أهلها المنهكة، فسمع صرير أمعائهم الخاوية كل العالم. غزة التي تعيش بين ألم التجويع ونيران القصف، ونحن على مشارف الاحتفال بمولد الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، مولد الرحمة المهداة، محمد صلى الله عليه وسلم الذي ولد ليقيم العدل على الأرض، ويدحر الظلم، ويواسي الحزانى، ويكسر قيد المسجون، ويكمل مكارم الأخلاق.
أليس هو القائل عليه الصلاة والسلام: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) 2
فهل رحم الراحمون أهل غزة وأهلها!! هل استجابوا لنداء نبيهم القدوة المهداة!! ألم يؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم على صفة الرحمة بين المؤمنين حين قال الله تعالى: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، هذه صفة المؤمنين “رحماء فيما بينهم” متحابين متآخين متآزرين في الشدة والرخاء، أشداء على أهل الكفر يدحرون الظلم ويبسطون العدل فوق الأرض. هذا ما كانت تنتظره غزة من أمة سيدنا محمد، التي اتخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة لها وسارت على هديه، فمن يدعي أنه من أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم، عليه أن ينصف غزة ويرحم أطفالها ونساءها وشيوخها ويردد بأعلى صوته وبقلب مجروح بجراح الدم والأخوة (كفى كفى من تجويع غزة وأهلها، أوقفوا الإبادة).
القلب حائر كيف يحتفل المسلمون بمولد الحبيب صلى الله عليه وسلم وهم يخذلون غزة ويتجاهلون أنينها وجراحها وشهداءها، أليس نبينا هو القائل عليه الصلاة والسلام: (مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) 3
أين التواد والتراحم والتعاطف الذي أظهره أهل الإيمان لإخوانهم في غزة، ألم تتألم غزة من الحصار!! ألم تئن غزة تحت وطأة الحرب والإبادة!! ألم يشتك إخواننا في غزة هزال أجسادهم المتعبة وصرير أمعائهم الخاوية تجويعا وقهرا من تخاذل الإخوة الأحباب قبل طغيان الأعداء !!
عار على كل من يدعي محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والانتماء لأمته أن يخذل غزة ولا ينتصر لها وينافح عن قضيتها، عار على كل مسلم يحتفل بمولد الحبيب المصطفى وهو يغض الطرف عن دماء تسفك، ومبان تدمر، وأطفال تجوع، ونساء ترمل.
الاحتفال بمولده صلى الله عليه ليس أشعارا تكتب ولا أناشيد تغنى، بل هو اتباع لهديه، ونصرة للمستضعفين من أمته، وإعلاء لكلمة الحق بين إخوانه، ونشر للعدل اقتداء بسنته.