نواة المجتمع

Cover Image for نواة المجتمع
نشر بتاريخ

النواة الأولى للمجتمع هي الأسرة، وفيها تبنى شخصيات الأبناء، ويتلقون مبادئ دينهم، لذا نجد الإسلام الحنيف أولاها عناية خاصة، وحماها بتوصيات ترسي أسس الخير، وتضع معالم طريق معتدل بين الحق والواجب والفضل.
فقد اعتنى الإسلام بالإنسان قبل وجوده، وذلك بالأمر بحسن اختيار أمه و أبيه، واعتنى به طفلا ويافعا وشابا.
وأوصى به أبا وأما أيضا، بأداء ما يجب نحوهم، وهذه الوصايا تدور في حلقة متصلة من سلسلة الحياة، فأبناء اليوم هم آباء الغد، وآباء اليوم بالأمس القريب كانوا أبناء، وهكذا دواليك. الإسلام معهم في كل المراحل يحذوهم إلى الأمن والأمان في الدنيا، طلبا لرضى الله والفوز بالآخرة، والبر المتبادل بين أفراد الأسرة مجلبة للخير ومرضاة لله، بها يغفر الذنب ويفرج الكرب.
تدبر في قول رب العزة حين يدعونا إلى الإحسان للوالدين بقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) – سورة الإسراء.
وتمعن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يبشرنا في حديثٍ رواه البُخاريّ ومسلم من حديث عبد الله بن عُمر بن الخطَّاب -رضِي الله عنْهُما- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم- يقول: “انطلق ثلاثةُ رهْطٍ ممَّن كان قبلكم، حتَّى أوَوا المبيتَ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرتْ صخرةٌ من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنَّه لا يُنجيكم من هذه الصَّخرة إلاَّ أن تدعوا الله بصالِح أعمالكم، فقال رجُل منهم: اللَّهُمَّ كان لي أبَوانِ شيْخان كبيران، وكنت لا أغْبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي في طلب شيءٍ يومًا فلم أرُح عليهما حتَّى ناما، فحلبتُ لهُما غبوقَهما فوجدتُهما نائمَين، وكرهت أن أغبقَ قبلَهما أهلاً أو مالاً، فلبثْتُ والقدح على يدي أنتظِر استيقاظَهُما حتَّى برق الفجْر، فاستيْقَظا فشرِبَا غبوقَهما، اللَّهُمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، ففرِّج عنَّا ما نحن فيه من هذه الصَّخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج”.
وفي بشرى أخرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولد الصالح مما يستمر من عمل ابن آدم بعد موته وانقطاع عمله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له “. وانظر إلى وصية رسول الله صلى الله علية وسلم بالخيرية بين الأقارب: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.
فلنتمثل سلوك رسول الله في الحياة و سنته في تعامله مع أهله وصحابته، مستبشرين بموعود الله عز وجل:  مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) – سورة النحل.
هذا الموعود الذي يبدو أثره على الإنسان لأنه لابد لكل أثر من مؤثر، ومن أهم المؤثرات على المسلم مبادئ دينه الذي ارتضاه لنفسه واعتنقه عن اقتناع، فهو الذي يجعله متميزا عن بقية الناس، صانعا منه إنسانا حضاريا متكاملا يحرص دائما على ما ينفعه وأمته بدءا بمحيطه القريب “أسرته”، مستعينا بفضل الله وكرمه، مستمطرا رحمة الله رجاء وخوفا، مفتخرا بانتسابه لهذا الدين وبمدح ربه لهذه الأمة: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ(110) سورة آل عمران، فجعل نصب عينيه القاعدة العامة التي وضحها ربنا عز وجل في قوله: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير(13) سورة الحجرات.
ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق توجيه للمؤمن، في حديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” رواه البخاري ومسلم.
وفي حديث آخر يحث على بذل المعروف، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول‏,‏ وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله‏”. رواه البخاري‏.
وفي حديث آخر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف، وخير الناس أنفعهم للناس”.
وقد وصف الله عز وجل الدين سمت قلوبهم و عقولهم في قوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا
أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9)
 سورة الحشر.
ودائما ابدأ بمن حولك، الأقرب فالأقرب، آثره بكل ما تستطيع، بكل ما يمكن أن تبذله من معروف بحب واحتساب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى”.
وبهذا الخلق العظيم النابع من هذه العقيدة الشريفة يتكافأ في حياة المؤمن كل ما هو مادي وروحي، قلب وعقل، فكر وعاطفة، لأن تعاليم الإسلام جماع الأمر كله دون تبعيض، يعيش بالقرآن والسنة ليسعد بطمأنينة الإيمان في الدنيا ، والآخرة خير وأبقى لقول الله تبارك و تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77) – سورة القصص.
ويقول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24) – سورة إبراهيم.
فالكلمة الطيبة والبسمة من الأعمال السهلة التي لا تتطلب جهدا لكن أثرها عميق، فهي تأتي أكلها كل حين، ودائما ابدأ بمن تعول. عش بالحق والصدق في القول والعمل والثبات على القيم الحميدة التي جعلها الله في كل من يوحده، أن تكون له سمتا وديدنا، فهو القائل سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(21) – سورة الأحزاب.