نصر مع صبر

Cover Image for نصر مع صبر
نشر بتاريخ

“… واعلَم أنَّ في الصَّبرِ على ما تكرهُهُ خيرًا كثيرًا، وأنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ، وأنَّ الفرجَ مع الكَربِ، و أنَّ مع العُسرِ يُسرًا” 1.

 يستفاد من الحديث أنه كلما تعسرت الأمور فاليسر قادم، وإذا حدث العكس فذلك يرجع إلى حال في نفس الإنسان أو سوء ظنه بربه.

حث الله تبارك وتعالى على الصبر ورغب فيه فقال 2(سورة ٱل عمران، ٱية 200). وقال صلى الله عليه وسلم: “… ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ” 3.

 وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “أَلَا إِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ بَادَ الْجَسَدُ، ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: أَلَا إِنَّهُ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ” 4.

والصبر ثلاثة أنواع. أولا: صبر على طاعة الله. ثانيا: صبر عن معصية الله مثل صبر يوسف عليه السلام على امرأة العزيز أن يطاوعها في المعصية. وثالثا: الصبر على ابتلاء الله وامتحانه بأنواع المصائب من أمراض ونقص المال، مثل صبر نبي الله أيوب على مرضه سنين عديدة، وهذا كله من قدر الله سبحانه وتعالى ولا دخل للعبد فيه. لذلك الصبر على هذا النوع من الابتلاءات هو صبر أساسه الطمع في رضوان الله وحسن عوضه. ويقين العبد أن أقدار الله سبحانه وتعالى كلها خير وفيها حكمة له سواء عاجلا أم آجلا.

ونسوق على سبيل المثال صبر آسية بنت مزاحم على اقترانها بفرعون وهي مؤمنة بالله تعالى وثباتها على الحق وتخليها عن نعيم الدنيا في سبيل الله تعالى، ما جعلها من سيدات نساء الجنة الأربع، وكذلك أيضا صبر أم موسى على إلقائه في اليم حيث قال تعالى: وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ. (القصص الآية 7).

 فامتثلت لأمر ربها وألقت فلذة كبدها في اليم موقنة بوعد الله عز وجل بأن يرده إليها.

وقد كان من تمام نصر الله لها ولبني إسرائيل ولآسية بنت مزاحم، أن جعل ابنها موسى عليه السلام نبيا ورسولا من أولي العزم من الرسل، وكان كليما لله عز وجل.

فلم يكن نصر الله عز. وجل لهؤلاء النسوة بالمال والجاه وهو على ذلك قدير، لكن نصره لهن كان بالمكانة العالية في الجنة والإيمان الراسخ الذي جعلهن قدوات للنساء والرجال على حد سواء.

و لنا في نساء غزة خير مثال، فهن اللواتي ربين المقاتلين والشهداء واسترخصن الولد فداء للدين. وهن في عهدة اليهود المغتصبين وذقن مرارة الاعتقال والاحتقار والذلة في سبيل الدين.

يشكل نصر غزة أملا لكل مؤمنة مبتلاة موقنة بوعد الله بالنصر. هو إشارة لكل من أوشك اليأس أن يستولي على قلبه، وضياء لكل من أحاطت الظلمة بفؤاده، هو نفس جديد لكل من انقطعت أنفاس الأمل من رئته، وتثبيت لكل من أوشكت أن تزل عن الطريق قدمه، إن نصر الله لغزة يعكس وعد الله لكل مؤمن موقن بالسنن الإلهية وبوجوب التمكين للمؤمنين إن حققوا الأسباب لذلك، هو صورة مرسومة للبداية التي تتجلى في الابتلاء والنهاية التي تتجلى في التمكين بإذن الله.

و ختاما إن أعظم نصر للمرأة أن يكون في ذريتها من يحمل لواء الحق ويبلغ رسالة الإسلام. وأعظم نصر لها هو حملها لهم أمتها وتبليغها لدعوتها حيث يكون لها بصمةً في التاريخ كحال خديجة رضي الله عنها وتصديقها لوعد الله عز وجل بالأجر الكريم عنده سبحانه.


[1] أخرجه الترمذي (2516) مختصراً بنحوه، وأحمد (2803) باختلاف يسير
[2] يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
[3] صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1469.
[4] ابن أبي الدنيا (عبد الله بن محمد البغدادي)، كتاب الصبر والثواب عليه، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، منشورات دار ابن حزم، بيروت – لبنان، الطبعة 1، سنة 1997 م.