نساء غزة وإحياء الأمة

Cover Image for نساء غزة وإحياء الأمة
نشر بتاريخ

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) (سورة النحل).

نزلت هذه الآيات الكريمات فحملت معها ترياق الأمل في الحياة لنساء وفتيات عشن الجاهلية، وعايشن أشد أنواع العذاب والألم؛ فقد كانت تقبر طفولتهن وشبابهن وشيخوختهن في شبر من تراب، لا لشيء سوى لأنهن إناث.

لكن عندما رُفِعت راية الإسلام رفعت معها درجة المرأة، فتبوأت مكانها الذي منحها الله عز وجل إياه حين قال سبحانه وتعالى بعضكم من بعض (آل عمران، 190) ورسوله صلى الله عليه وسلم حين قال: “إنما النساءُ شقائق الرجال”.

أقر الإسلام للمرأة بالحقوق والواجبات، واعتبرها إنسانا كاملا، وأسس رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد هذه المكانة عمليا، فلم تتأخر عن أداء واجبها التربوي والدعوي والسياسي والاقتصادي والجهادي. حافظت على بيتها، وهو برجها الاستراتيجي، وربت أبناءها لتخرجهم رجالا أفذاذا، ولبت عندما نادى منادي الجهاد؛ فكانت تقف على ثغور تجهيز الزاد والتطبيب.. بل والمشاركة في القتال عندما يستدعي الأمر، ولنا في القادسيات واليرموكيات خير دليل.

اليوم يتكرر مشهد اليرموك والقادسية في أرض مباركة يغطي سماءها دخان القصف، وتدمر أرضها، ويقتل أصحابها.. في غزة الصمود والإباء رصدت عدسات الكاميرات منذ بدء المعركة المباركة بإذن الله تعالى “طوفان الأقصى” مواقف لنساء عظيمات، أعدن حكايات وصور عصر النبوة، وزمن الخنساء والشيماء بنت الحارث ورفيدة الأسلمية.

كلما حملت هاتفك في يدك تطالعك صورهن، بأجساد مغبرة ملطخة بالدماء، يحضن أطفالهن أو يبحثن عنهم.. وهن صامدات صمود الجبال الشوامخ، متيقنات بمعية الله تعالى لهن، راضيات بقدره، مدافعات عن مقدسات دينهن. يرسلن رسائل صريحة أحيانا ومشفرة أحيانا يثبتن بها المقاومين ويلهبن حماستهم للدفاع عن الأرض والعرض، يحمدن الله، ويكبرن، ويدعين.. يودعن شهداءهن بالزغاريد، وينذرن من بقي منهم لله الواحد القهار.. تُكبرهن وهن المجاهدات وصانعات المجاهدين.

ورغم ما تعيشه المرأة الغزاوية من انتهاك صارخ لكل حقوقها على مرأى العالم وسمعه، فإنها تتحلى بيقين المؤمن، وعزة وكبرياء وصمود الصابر، وهو ما جعل العالم يتساءل عن سره، ويبحث، ويدخل الله منهم من شاء إلى دينه.

عند أقدامهن تحطمت صخور الهيئات والمؤسسات الإنسانية الدولية، وظهر زيف شعاراتها وادعاءاتها، وطاحت كل قوانينها وأعرافها، واتضح للعالم زيفها ونفاقها، وكيلها بمكيالين؛ توزع الحقوق على من تشاء وتحرم منها من تشاء.

فلله دركن من نساء، أيقظتن الوسنان وثبتن الصابر ومنحتن من أنفسكن المثال والقدوة، وأنتم بإذن الله المنتصرات. ثبتكن الله وربط على قلوبكن وأعلى درجاتكن دنيا وآخرة، وجعلنا مقتفيات لأثركن ماضيات على دربكن. وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.