ندوة “خصوصيات مكتشف المنهاج النبوي”

Cover Image for ندوة  “خصوصيات مكتشف المنهاج النبوي”
نشر بتاريخ

بعد الملتقى الأول للمنهاج النبوي بمكناس الذي نظم ندوة تحت عنوان المنهاج النبوي: تأصيله، وظيفته، وحركته التاريخية) والندوة المشتركة بين نادي الأقلام مومنات والمدرسة المنهاجية للمؤمنين تحت عنوان أزمة الأمة الإسلامية والحاجة لاكتشاف المنهاج النبوي)، تأتي هذه الندوة الثالثة في موضوع خصوصية مكتشف المنهاج النبوي) في سياق سلسلة من الندوات التي تخص الفكر المنهاجي.

ملخص مداخلة الأستاذة: حسنة الوالي

بعد الانكسار التاريخي الذي ألمً بالأمة الإسلامية، تجزأ ميراث النبوة وتفرق فغابت بذلك النظرة الكلية والوراثة الشاملة، ولبناء الخلافة الثانية لابد من جمع ما تفرق في هذه الأمة، لا بد من اكتشاف المنهاج النبوي والسلوك عليه تربية وتنظيما، أفرادا وجماعات.

وتعتبر مهمة اكتشاف المنهاج النبوي مهمة ليست بالسهلة، لأنها شيء جديد لا يشبه ما قام به المجددون من قبل من تجديد جزئي للدين وهذا الشيء الجديد لا يمكن أن يكون إلا إذا توفرت في القائمين عليه ما يشاء الله عز وجل من شروط الإحسان التي كان يتحلى بها الخلفاء الراشدون ومن عاش مع الخلفاء الراشدين في زمانهم )[1].

ينبغي أن تتوفر في المكتشف للمنهاج النبوي خصوصيات حتى يفتح له لاكتشاف المنهاج النبوي، ويتحقق له شرف وراثة النبوة: عبودية وتعليما وتبليغا.

إنها وراثة كاملة لا تتأتى إلا لمبعوث يملك المفتاح، والصحبة المفتاح الذي ييسر الله به وظيفة التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعليم العباد وتزكيتهم، وجوهر هذه الوظيفة أن يكون المكتشف قواما لله شاهدا بالقسط محتسبا ومقتحما للعقبة إلى الله.

1. البعثة

يقول الله تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم [2].

بعث الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم واصطفاه لهذه الرسالة العظيمة، وكذلك المكتشف للمنهاج النبوي يكون مبعوثا بعثة إحياء للرسالة وتجديدها، لأن البعثة ليست خاصة بالرسل والأنبياء بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها “[3].

2. الصحبة

قال تعالى: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم [4].

شع نور الإيمان في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم بصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم ورثوا نور النبوة وعلمها وورثوه للتابعين بالصحبة والتلمذة لتبقى بركتها متسلسلة إلى قيام الساعة، لأن الصحبة هي المفتاح للدخول إلى الحضرة النبوية والاستمداد منها، ولا سبيل إلى وراثة كاملة توصل إلى اكتشاف المنهاج النبوي، إلا بصحبة ولي كامل، يقول الإمام المجدد رحمه الله: وفقه المنهاج النبوي مسدود بابه على من حرم صحبة وذكرا )[5].

3. الوظيفة

قال الله تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
[6].

من الآية الكريمة يتبين أنه لحامل الرسالة العظمى صلى الله عليه وسلم ثلاث وظائف:

ــــ وظيفة التبليغ والجهاد

ــــ وظيفة التربية والتزكية

ــــ وظيفة التعليم والتبيين.

وهذه الوظائف هي نفسها وظائف مكتشف المنهاج النبوي، حامل رسالة تجديد وبناء الخلافة على منهاج النبوة لأن الأمة لن يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها)“[7].

ملخص مداخلة الأستاذة: الزوهرة أيت بروال

مكتشف المنهاج النبوي يجب أن تكون وراثته للنبي صلى الله عليه وسلم وراثة كاملة، كما جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد اخذ بحظ وافر” وهو حديث رواه الإمام احمد وبن حبان والأربعة وصححه الألباني. فالعلم الذي يورث من الأنبياء هو علم النبوة فقها وعملا وحالاً.

الوراثة الكاملة هي وراثة للدين كاملاً، إسلاماً وإيماناً وإحساناً، عدلاً وإحساناً، دنيا وآخرة، دعوةً ودولةً، وهذه الوراثة لا تتحقق إلا بالانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يحقق هذه النسبة الصحبة لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم. وتتحقق كذلك بكمال الفهم والاستيعاب عنه صلى الله عليه وسلم، فالوارث كمل اكتشافه وفهمه للسنة النبوية. وهاتان الخصوصيتان تؤهل الوارث للإنابة أي للخلافة، وهي الخلافة في بيان الدين، فالوارث هو خليفة الله ورسوله، ينوب عن الرسول صلى الله عليه وسلم في تبيين الدين عنه فمهمته من مهمة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا يوحى إليه.

الشهادة هي تجلي الوراثة في الإنسانية والأمة، أي الحضور مع الله تعالى من جهةَ، والحضور المسؤول في الأمة، قال الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين سورة النساء، الآية 135 ، ويقول الله تبارك وتعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا سورة المائدة، الآية 8.

ولتحقيق هذه الشهادة ينبغي أن يكون الوارث هو: الإيمان والعمل الصالح، القومة لله، القيام بالقسط، والوسطية وهي الأخير والأعدل.

وعند حديثنا عن الأستاذ عبد السلام ياسين، كانت صحبته للحاج العباس القادري البودشيشي رحمهما الله بمثابة ميلاده الروحي، فلقد استفاد من هذه الصحبة الشيء الكثير إلا أنه رحمه الله غادرالزاوية البودشيشية بسبب الأخطاء المتراكمة لمريديها الذين لم يلقوا بالا لنصائح الإمام، فلقد كانت له نظرية منهاجية مبينة للدين بمراتبه الإسلام والإيمان والإحسان، والجامعة لكل مناحي النشاط الإنساني: الإيماني العلمي الخلقي الاجتماعي الفكري الاقتصادي.

كما كان رحمه الله دائم الحضور مع ربه، دائم الذكر وقراءة القرآن، فكان صواما قواما. أما مواقفه السياسية كانت على أعلى قدرمن النصح والصراحة والوضوح إلى من يهمهم الأمر، على سبيل المثال رسالته الإسلام أو الطوفان) الموجهة للملك الحسن الثاني رحمه الله، وكذا مذكرة إلى من يهمه الأمر) إلى الملك محمد السادس، ولقد نالت كتاباته، التي أفرد فيها مشروعه المنهاجي، إعجاب وإكبار العديد من العلماء والمفكرين في العالم.

فلقد أسس رحمه الله جماعة العدل والإحسان التي تعد أكبر جماعة معارضة للاستبداد، فتميزت بحضورها القوي في الدفاع عن حقوق المستضعفين ومناصرة القضايا الكبرى للأمة بدءا من القضية الفلسطينية إلى الربيع العربي، وكذا القضايا الإنسانية العادلة بشتى الأشكال (مسيرات، وقفات، تظاهرات، شعر، غناء، مسرح، رسم، رياضة، …).

[1] حوار شامل مع الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين، ص: 65 ـ 66

[2] الجمعة، الآية: 2

[3] أخرجه أبو داود والحاكم.

[4] الفتح، 29

[5] الإسلام غدا، ص : 61

[6] سورة الجمعة، الآية 2.

[7] محنة العقل المسلم، ص : 34.