نحو توجيه النقاش الجاري في المشاركة في اللعبة السياسية الانتخابية المغربية من منظور مقاصدي

Cover Image for نحو توجيه النقاش الجاري في المشاركة في اللعبة السياسية الانتخابية المغربية من منظور مقاصدي
نشر بتاريخ

لا شك أن الاستنجاد بالنظر المقاصدي في الواقع السياسي المعاصر عموما والواقع السياسي المغربي خصوصا مسلك رشيد ومنهج سديد يهدي للتي هي أقوم زمانا ومكانا وحالا، غير أن نقاش جزئية جواز الدخول من عدمه في اللعبة السياسية الانتخابية المغربية ينبغي أن يتأسس مقاصديا على الأصول الموجهة الآتية:

أولا: مناقشة هذه الجزئية خلافا ووفاقا يجري في سياق التنزيل الزمني والمحلي لأصل المشاركة وليس في سياق التأصيل التشريعي حتى نستدعي النصوص الشرعية والقواعد العامة.

ثانيا: مقتضى تحقيق هذا التنزيل وضع موضوع الإشكال في محله ووفق حجمه، وذلك باعتبار مسمى اللعبة السياسية الانتخابية الجارية بالمغرب جزئيا لكلي العمل السياسي بالمغرب، إذ من المجانب لمقررات العلوم السياسية أن نختزل المشاركة السياسية في المشاركة الانتخابية.

ثالثا: مبنى تقرير المشاركة من عدمها في اللعبة الانتخابية على المصلحة المعتبرة الراجحة شرعا وعقلا حالا ومآلا، وذلك في تقدير خبراء الواقع السياسي المغربي وعلماء الشريعة معا.

رابعا: تقدير المصلحة والمفسدة في المشاركة الانتخابية وجودا وعدما ترجيحا وموازنة حالا ومآلا اجتهاد مأجور عليه وإن أفضى إلى سوء تقدير، لكن ما لم يكن إصرارا على الخطأ وتماديا في النهج نفسه رغم مرور الزمن الطويل وانكشاف حقيقة الأحوال وظهور المآلات الفاسدة رأي العين.

خامسا: المقرر الثابت في الوعي الجماعي في المجتمعات العربية خصوصا ومعظم المجتمعات الإسلامية عموما، ومنها المجتمع المغربي بنخبهم وعوامهم أن أصل البلايا في تلك المجتمعات وعلة عللها وكلي فسادها الاستبداد التاريخي الذي اتخذ لنفسه نظاما مركبا لحماية نفسه وضمان ديمومة وجوده، ومن وسائل الحماية عنده بناء نظام صوري للديمقراطية من انتخابات ومجالس منتخبة وحكومة، وغيرها من أجهزة يتنفس بها، تخفي الوجه الحقيقي للبلاء، فهل يجوز في هذه الحالة أن نتوسل بتلك الانتخابات الصورية للقيام “بإصلاحات” جزئية هي من أعراض البلاء الأصلي ومقتضى طبيعته، ونعرض عن مقاومة أصل البلاء فينا حسب وسعنا واجتهادنا في ابتكار مختلف وسائل الضغط السلمية على الاستبداد ليتنازل عن استبداده ويكف عنا فساده فيستقيم حينها النظر الجزئي في المصالح الجزئية،وإلا فمن أخذ بالجزئي معرضا عن كليه فهو مخطئ كذلك من أخذ بالكلي معرضا عن جزئيه كما قال الشاطبي.

سادسا: مقتضى فقه التوسل والتقصد أن نختار الوسيلة المفضية قطعا أو ظنا راجحا إلى المصلحة المعتبرة إما حالا أو مآلا أو هما معا، وبعد التجريب وتبين الأحوال وانكشاف المآل يكون التقويم ونستبدل الوسائل بغيرها بحسب الجدوى ودرجة الإفضاء، ولا نجمد على وسيلة استعملناها لسنوات ذوات العدد لم تفض إلا إلى مايراه الناس ويعيشونه من مآسي وخزايا أحصتها وتحصيها الأجهزة الرسمية المغربية والمؤسسات والمنظمات الدولية في الصحة والتعليم والاقتصاد والاجتماع والسياسة وحقوق الإنسان وغيرها، ومعلوم مقرر أن الوسائل تتغير وتتبدل بحسب خدمتها للمقصد، فحكمها حكم ما أفضت إليه، لأن اعتبار الوسيلة مشروط بعدم عودها على المقصد بالإبطال كما قرر أهل المقاصد.

سابعا: لا جرم أن نجتهد في إصلاح واقعنا السياسي حسب وسعنا وتقديرنا، لكن شرط الاجتهاد الحرية في الاختيار، بحيث إذا ظهر للمجتهد خطأ تقديره أعلن رجوعه ولا يبالي، فالرجوع إلى الصواب خير من التمادي في الخطأ، فهل يستقيم استعمال مفهوم الاجتهاد في مواصلة المشاركة في العملية الانتخابية في المغرب؟ فهل يملك حزب من الأحزاب السياسية المشاركة في العملية الانتخابية القدرة والاختيار في الخروج من العملية؟ تلك هي النقطة الحساسة المفصلية التي يضمرها أهلها كمدا إن صدقوا ولا يجرؤون على التلميح بها بله التصريح، وعليه فالأمر قد يكون اجتهادا في الابتداء أما في الانتهاء فلا أراه إلا استسلاما للأمر الواقع المكروه.

ثامنا وأخيرا: لعل من شروط الإصلاح لفساد قديم مركب أن تلتمس له وسائل إنهائه على المدى الاستراتيجي البعيد المتدرج ابتداء بالإعراض عن مده بأكسجين الحياة لإطالة عمره.

اللهم ألهمنا سداد القول وصلاح العمل.