موقع المقاطعة الاقتصادية في الفعل الاحتجاجي المغربي

Cover Image for موقع المقاطعة الاقتصادية في الفعل الاحتجاجي المغربي
نشر بتاريخ

تعتبر المقاطعة الاقتصادية واحدة من الأدوات المؤثرة في المعارك النضالية ضد تغول السلطة الغاشمة تجاه المواطنين العزل، ورغم أنها تحظى بحضور قوي في عدد من الحركات الاحتجاجية الدولية، لكنها كانت بعيدة عن واقعنا المغربي، فقد فشلت المحاولات النادرة لتنزيلها، حيث تم التعاطي باستخفاف وتشكيك دائم في نجاعتها حتى من لدن المناضلين فبالأحرى بالنسبة لعامة المغاربة.

اليوم وفي ظل الاختناق الذي يشعر به كل مغربي بسبب حملة النظام الشرسة عليه وحاجته الماسة إلى رد فعل يوقف غي السلطة أو على الأقل ينفس عليه ويعيد الاعتبار لكرامته المسحوقة، ولأنه عاجز عن تحمل كلفة أي خيار يتطلب المواجهة المباشرة، فقد وجد ضالته في سلاح المقاطعة الذي تهيأت له أخيرا الأرضية المجتمعية الملائمة لتقبله.

وهكذا ولأول مرة يتفق المغاربة بكافة أطيافهم على مقاطعة عدد من المنتوجات التجارية والتي لا تزال مستمرة ويبدو أنها مرشحة لمزيد من التوسع بسبب التلكؤ في الاستجابة لمطالب المقاطعين، وهو ما يعني أن مسلسل المقاطعة ماض في خط تصاعدي.

 نحن إذن أمام تطور نوعي في الوعي النضالي وهو مؤشر إيجابي على حيوية هذا المجتمع الذي لا يمكن أن يبقى مكتوف الأيدي متفرجا على الاستهداف الممنهج بحقه، فكما برع المغاربة في عدد من الأشكال الاحتجاجية كالوقفات والمسيرات هاهم الآن يتعرفون على وسيلة احتجاج جديدة قد تفتح لهم آفاقا واسعة في التأثير على صانع القرار في البلاد.

التحدي الأبرز يتعلق بالقدرة على إدماج سلاح المقاطعة في معادلة الاحتجاج وتوظيفها فيه بما يخدم المعركة ضد الفساد والاستبداد، حيث أن الإفراط في الحماس والمبالغة في التعويل عليه دون تحليل إمكاناته في التغيير وخصائص الطرف المستهدف به قد ينقلب إلى إحباط شامل في حالة عدم الإنجاز لما هو مأمول منه، وهو ما يستميت النظام من أجل تحقيقه عبر رهانه على إصابة الناس بالملل وتيئيسهم من التغيير بهذه الوسيلة مستغلا طول نفسه المعهود وجذوره الاستبدادية العميقة في الدولة والمجتمع.

لذلك فإن سعي البعض لإحلال المقاطعة بديلا عن باقي الأشكال النضالية مغامرة غير محسوبة، ففي الوقت الذي ينتظر منها أن تستنهض الهمم وتقطع السلبية من المجتمع ثمة من وجد فيها فرصة للتبخيس من نضال الشارع وازدرائه معتقدا أنه اكتشف العصا السحرية التي ستضرب المخزن بالضربة القاضية، الشيء الذي يهدد بمزيد من التقاعس والخمول دون أية ضمانات فعلية.

المقاطعة في جل التجارب الناجحة ذات أبعاد اقتصادية بحتة، فحيث ما وجد تجاوز من بعض الشركات أو حتى من الدولة فإن سيف الإجماع الشعبي على مقاطعتها وحده كفيل بجعلها تستجيب وتبحث عن تسوية من أجل ترضية المستهلك الغاضب عليها بشرط أن نكون في بيئة تحترم آليات السوق.

في الحالة المغربية حيث سيادة التحكم والاحتكار وغياب أي شكل من أشكال الممارسة الاقتصادية النزيهة فإن لي ذراع أية مؤسسة اقتصادية بالمقاطعة يؤدي بنا مباشرة إلى مواجهة مع المخزن المنتصب دائما للدفاع عن لوبياته الاقتصادية، وهو ما يفسر مكابرة تلك الشركات لحد اللحظة في الاستجابة لمطالب الشعب، ذلك أن حيتان المخزن المفترسة رغم جشعها قد تتحمل الضغط الظرفي وقد تضحي ببعض امتيازاتها وخسائرها في لحظة معينة على أمل استرجاعها أضعافا مضاعفة في فترات الارتخاء الشعبي.

لسنا متشائمين وندرك أن جولة المقاطعة هذه لا بد لها أن تثلج صدور المقاطعين بتنازلات سلطوية مؤلمة غير أن الواجب يقتضي اليقظة التامة والاستعداد لجولات أخرى، فالمخزن لا يمكن أن يتنازل عن منطق الردع، فهو ينوع من وسائل الإخضاع حتى الخشنة منها بما يجعل من سلاح المقاطعة الأحادي سلاحا غير كاف لرد عدوانه.

المقاطعة الاقتصادية واجهة من الواجهات النضالية المتميزة التي تشكل قيمة مضافة للمشهد الاحتجاجي المغربي، وقد تدفع النظام للانكفاء والتراجع عن بعض ممارساته في بعض الجوانب، لكنها غير قادرة على التغيير لوحدها، فلن يذعن النظام إلا إذا أصيب بحالة من الشلل التام لن تنفعه معها أية مناورة.

وهذا لا يمكن أن يتأتى بالنضال ببعد واحد، فلا بد من أن تستنفر كل وسائل الضغط الشعبي السلمية حتى يتم تفكيك كل عوامل قوته في شتى مجالات نفوذه حينها فقط سيعود المخزن ذليلا صاغرا ليسلم الراية للشعب.