موسم الخير أقبل

Cover Image for موسم الخير أقبل
نشر بتاريخ

مع حلول  شهر رجب المبارك من كل سنة نستقبل موسما عظيما من مواسم الطاعات؛ موسم يبدأ بشهر من الأشهر الحرم، وينتهي بشهر من الأشهر الحرم، ويضم بين أيامه الشهرين المتبقيين من هذه الأشهر العظيمة.

موسم أوله شهر رجب الأبرك الذي كان الناس في الجاهلية يعظمونه في جاهليتهم فزاده الإسلام شرفا وتعظيما، وجعله الله شهرا حراما، حرم فيه الظلم والجور على النفس وعلى الغير.

شهر تكثر فيه كل أعمال الخير والبر، ويكثر فيه الصيام تمهيدا واستعدادا لما هو آت من أيام الله ونفحاته الربانية. كيف لا وقد قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: “صم من الحرم واترك“.

شهر يدخلنا على شهر عظيم آخر هو شهر شعبان. ذاك الشهر المبارك الذي يغفل عنه الكثير من الناس، فيه تصعد أعمال العباد السنوية إلى رب العالمين، فكان الحبيب عليه الصلاة والسلام يحب أن يصعد عمله وهو صائم، فكان يكثر من الصيام.

شهر هو محطة تكوينية تدريبة لاستقبال سيد الشهور وتاجها؛ فهو إذن البوابة التي تدخلنا على الشهر الفضيل، وهو بمثابة السنن والرواتب القبلية بالنسبة لرمضان المعظم.

ثم يحل بعد ذلك الشهر الأبرك المطهر مهيبا جليلا كعادته، فتتنور المساجد والبيوت والقلوب، ويقبل المؤمنون على ربهم فرضا ونفلا، تبتلا ودعاء، قرآنا وذكرا، برا وإحسانا، تزاورا وصلة رحم.

تسلمنا عشر الرحمة إلى عشر المغفرة لنحط الرحال في أبهى الليالي وأعظمها؛ إنها العشر الأواخر وما أدراك ما العشر الأواخر، فيها يزداد العمل ويزداد الأجر التماسا لليلة الكبرى؛ ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، فتعتق الرقاب ويرحم العباد ببركة لحظة اتصال السماء بالأرض، لحظة نزول أولى قطرات الوحي الإلهي التي أحيت القلوب وأخرجت البشرية من الظلمات إلى النور.

ونودع رمضان، ولكن لا نودع الطاعات والقربات، فنحن في حضرة شوال؛ شهر أول أيامه هو يوم المباهاة، يوم الجائزة لمن اجتاز امتحان رمضان بسلام، إنه عيد الفطر أولى فرحات الصائم، وثانيها عند لقاء ربه يوم الميعاد إن شاء الله، ويستمر بعد ذلك صيام ستة أيام منه لنكتب ممن صام العام كله بإذن الملك الوهاب.

وبعد شوال نستقبل شهرا آخر من الأشهر الحرم؛ إنه ذو القعدة؛ ذاك الشهر الذي يبدأ فيه الحجيج بالتوافد على الديار المقدسة تلبية لنداء المولى عز وجل، حتى إذا دخل شهر ذو الحجة استعد الجميع لشهود شعيرة من أعظم الشعائر وركن من أركان الإسلام؛ ركن الحج العظيم، فننعم بعشر أخريات؛ هي العشر الأوائل من هذا الشهر الكريم، عشر فيها يوم من أعظم أيام الله، إنه اليوم المشهود يوم عرفة، يوم يبكي فيه إبليس اللعين ويتحسر حزنا وكمدا لما يرى من تنزل الرحمات والمغفرات على عباد الله المومنين.

وبقلب مفعم بالإيمان وزاد روحاني عظيم نصل إلى آخر محطة في هذا الموسم المبارك؛ إنه محرم الحرام، الشهر الذي به نستقبل سنة هجرية جديدة، نجدد فيها العهد والنية ونعزم أفضل العزائم وندعو أسمى الدعوات، آخذين العبر من أعظم صورة من صور صراع الحق مع الباطل المتجسد في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون زمانه، والتي نتذكر أطوارها وأحداثها ونحن نصوم تاسوعاء وعاشوراء اقتداء بحبيب الحق وسيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام.

موسم مبارك عظيم ينتهي ليفتح المجال لموسم آخر جديد. ففضل الله علينا لا ينقضي، وأيامه سبحانه لا تنتهي، والمحروم من لم يتعرض لنفحاتها.

لا حرمني الله وإياكم من بركة هذه المواسم..