“موازين”.. إيقاعات الفساد والاستبداد من تنظيم مغرب التناقضات

Cover Image for “موازين”.. إيقاعات الفساد والاستبداد
من تنظيم مغرب التناقضات
نشر بتاريخ

الرهان على السياحة

هناك دول لكي تتقدم وتتطور وتحقق التنمية والرقي تعمل على إرساء أسس متينة لاقتصاد قوي، يقوم على صناعة متطورة وفلاحة متنوعة ويد عاملة ذات كفاءة عالية وخبرة علمية، مع تبسيط المساطر الإدارية، وشيء من النزاهة والشفافية، فتكون بذلك الدولة سائرة في الطريق الصحيح، طريق الاكتفاء الذاتي والاستقلال السياسي. وهناك دول أخرى -من بينها بلدنا الحبيب- تعتبر أن طريق التنمية والتقدم يمر بالضرورة عبر تشجيع السياحة من خلال تنظيم عدد كبير من المهرجانات الفنية والسينمائية، مع ما يتطلبه ذلك من فنادق فاخرة واستقبال وحسن ضيافة. ومن حسن الضيافة أن يعيش السائح الأجنبي الحرية المطلقة. كيف لا وهو مصدر العملة الصعبة؟ هناك من يستثمر في الصناعة والفلاحة وفي الإنسان من خلال التربية والتدريب والتكوين، وهناك من يستثمر في كل ما من شأنه أن يرفه على السائح الأجنبي من فنادق فاخرة وملاه ماجنة ومهرجانات عالمية، حتى إذا ما غير السائح وجهته، أصاب اقتصاد السياحة الجمود، فلم يبقى أمام دولة الرهان على السياحة خيار إلا إستعمال جميع الوسائل التي من شأنها أن تجلب السائح الأجنبي، حتى وإن تحولت السياحة من سياحة ثقافية الهدف منها التعرف على خصوصية المجتمع وثقافته وحضارته، إلى “سياحة جنسية” مرغت وجوه المغاربة في التراب وعاتت في الأرض فسادا ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إيقاعات الفساد والاستبداد

لعل مهرجان “موازين” من أكثر القضايا التي شغلت بال المغاربة قاطبة، حيث تحدث الناس عن حجم المجهودات المبذولة وحجم الأموال المرصودة التي إن حسُن استغلالها وتدبيرها عادت على المغاربة بالخير الوفير. بل خرج الناس بالآلاف في حركة 20 فبراير وقالوا بأعلى صوت: لا نريد موازين.. نريد قوانين عادلة ديمقراطية. لا نريد فنانين عالميين.. نريد شغلا يضمن كرامة الإنسان. نريد حرية نريد عدالة اجتماعية. ولكن لأن المخزن “لا يستجيب تحت الضغط” “ولا يكترث لصوت الشعب” فموازين باقٍ. بل إنه أصبح من ثوابت المخزن الفنية المقدسة. فهو وسيلته الأساسية لتلميع صورته أمام العالم. إنه بمثابة رشوة يقدمها المخزن للفنانين والفنانات حتى يتغنوا بديموقراطيته وحداثته واستقراره وانفتاحه. أما من يقول غير ذلك، ويتغنى بهموم المغاربة ومعاناتهم من ويلات الفقر والبطالة والأمية، فهو غير مرحب به ولا توجه له الدعوة.

إن المخزن “الشريف” ومن خلال مهرجان “موازين” يقول للشعب وخاصة الشباب منهم: عيشوا حياتكم كيفما تريدون. فلا قيمة للأخلاق والقيم والمبادئ. كونوا مغاربة أجسادا وكونوا غير ذلك ثقافة وأخلاقا. كونوا ما شئتم، وافعلوا ما يحلو لكم. المهم ألا تجدوا الوقت، حتى تفكروا في أنفسكم، في مشاكلكم، ومعاناتكم، في ثرواتكم وخيراتكم التي تنهب، في المستقبل الغامض الذي ينتظركم.

مغرب التناقضات

لا يختلف اثنان في كون مهرجان موازين هو مجرد وسيلة لإلهاء الشعب عن المشاكل الحقيقية التي تؤرقه وعن الواقع المزري الذي يعيشه المواطن المسكين، واقع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، بسبب تخلي الدولة تدريجيا عن دعم المواد الأساسية “نظرا للعجز الذي تعاني منه الميزانية”، الدعم الذي كان يكلف الدولة 13 مليار سنتيم سنويا، فلم تستطع الدولة الالتزام به، في حين أن فنانة واحدة لها شهرة عالمية قد تكلف مهرجان موازين مليار سنتيم لإحياء سهرة أو سهرتين. ولنا أن نتصور كم من فنان عالمي يحضر للمهرجان وكم من مليار سنتيم تهدر في ظرف أسبوع واحد وليس سنة!

تحت الرعاية السامية للمخزن “الشريف” تتم الإحتفالات في الرباط من خلال مهرجان موازين حيث السيارات الفخمة تقل الفنانين والزرابي الحمراء تفرش لهم، حيث الأضواء الكاشفة والموسيقى الصاخبة حيث يتحول ليل الرباط إالى نهار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

في نفس المغرب هناك من الناس (سكان المناطق الجبلية بنواحي خنيفرة وأزيلال) من يموتون بسبب البرد والجوع حيث تعتقل الثلوج الإنسان لمدة ثلاثة أشهر بسبب غياب المسالك الطرقية وجميع وسائل النقل والمواصلات، في نفس المغرب تحول الحق في التعليم إلى حلم في ظل اكتظاظ بلغ معه عدد التلاميذ 52 تلميذا للقسم الواحد بالنسبة للثانوي التأهيلي، أما بالنسبة للحق في السكن أو الحق في العمل أو الحق في الصحة فحدث ولا حرج. لعل المخزن يتصرف وفق منطق المثال الشعبي المعروف (كثرة الهم كتضحك)؛ فكأنه يقول للمغاربة: نظرا للواقع المزري الذي تعيشونه فما عليكم إلا ب”موازين” لتفريج الهموم وكشف الغموم، لكن لعل الشعب يرد على المخزن ويقول له “إن لم تستح فاصنع ما شئت”.

إشارات لابد منها

– إن تحقيق التقدم والتطور يمر بالضرورة عبر تشييد وبناء أساس اقتصاد قوي، اقتصاد يقوم على صناعة متطورة وفلاحة متنوعة ويد عاملة ذات تكوين وتدريب وكفاءة عالية، وليس عبر تشجيع “السياحة الجنسية” التي أفسدت البلاد والعباد، ومرغت وجوه المغاربة في التراب.

– كم سيلزم المخزن “الشريف” من الوقت والمال حتى يقنع العالم بأنه دولة الاستقرار والحرية والديمقراطية، كم سيلزمه من الفنانين ومشاهير الغناء والسينما حتى يلمع صورته بالخارج. فلا يصح إلا الصحيح، إن الله لا يصلح عمل المفسدين.

– إن شباب هذا الشعب الأبي يمتلئ بالحيوية والقوة، ومهما حاول المخزن إفساده وتنميطه وتربيته على الخضوع والخنوع فإنه يأبى الخضوع والركوع إلا لله عز وجل ولن يرضى بغير الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بديلا.

– إن الشباب المغربي لن تنطلي عليه حيل المخزن المقيتة، ولن يقر له قرار حتى تقويض دعائم الباطل والظلم وبناء دولة الحق والعدل، وإن غدا لناظره لقريب والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.