من هم أولو الأرحام؟ وكيف نصلهم؟

Cover Image for من هم أولو الأرحام؟ وكيف نصلهم؟
نشر بتاريخ

صلة الرحم من أسمى مقاصد الإسلام، شقق لها الرحمن الرحيم سبحانه من اسمه، وأمر بوصلها، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَل (الرعد: 21)، وبين جل جلاله أن من وصلها وصله، ومن قطعها بته سبحانه [1]، وأن قطع الرحم نوع من أكبر أنواع الإفساد في الأرض، الموجب للعنة، قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (محمد: 22 – 24).

كما بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أن أحب الأعمال إلى الله “الإيمان بالله” ثم “صلة الرحم”، وأن أبغض الأعمال إلى الله “الإشراك بالله” ثم “قطيعة الرحم” [2]، وأن صلة الرحم تزيد في العمر، وتبسط للإنسان في الرزق [3]، وتنجيه من الخزي في الدنيا والآخرة [4].

فمن الذين أُمرنا بصلة رحمهم؟ وكيف نصلهم؟

الوالدان أحق الناس بحسن الصحبة ودوام الصلة:

روى الشيخان أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحق الناس بحسن الصحبة؟» قال: “أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك” [5]. أي الأقرب فالأقرب.

فهذا حديث صريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه جل وعلا أمرا بالإحسان إلى من هم أقرب الناس إلى الإنسان، في قوله تعالى: وبالوالدين إحسانا (الإسراء: 23)، يبين أن الأم بما حملت وأرضعت وسهرت وربت، ثم الأب بما قدم في كل ذلك وضحى ليصل هذا الإنسان إلى ما هو عليه، هم أولى الناس بحسن الصحبة، ودوام الصلة.

وصلة الآباء تختلف كل الاختلاف عن صلة غيرهم، فالجلوس معهم وإليهم وحسن الاستماع لهم صلة، والصبر على ما يكون منهم، ومقابلة ذلك بالرضى والابتسامة، وترك التذمر والعبوس، بل والمسارعة للتنفيذ، أعظم الصلة، بل إنها تصل الإنسان بمن أمر بالإحسان إليهما.

وقد بين الحق سبحانه أن رعاية الآباء في الكبر حيث تزداد حاجتهما إلى الجليس والمؤنس والمخفف آلام المرض ووحشة الوحدة، وحيث يختل ميزان التقدير، وتضيق النفس، وما يستتبع ذلك من تصرفات قد تثير بعض الأبناء وتزعجهم، تتطلب من الأبناء النظرة الحانية من غير تذمر، والكلمة الكريمة من غير تأفف، واللمسة الرقيقة من غير شدة، وخفض الجناح من غير استعلاء، والدعاء لهم من غير تقصير، مصداقا لقوله تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرا (الإسراء: 24).

 ومقتضى الآية أن كبير السن يحتاج إلى رعاية دائمة، ولذلك قال سبحانه “يبلغن عندك الكبر”، فليس من الصلة البعد عن الآباء، والتأخر في زيارتهم والسؤال عن أحوالهم، وقضاء حوائجهم، ففي ذلك هجر ونسيان للفضل، وجحود وقطيعة، وهي المنهي عنها، لما فيها من الفساد الموجب للعنة، وأما ما قد يصاحب ذلك من الإذاية فهو العقوق الذي يطرد صاحبه من رحمة الله.

الأبناء أولى بالصلة صحبة وتربية وتزكية ورعاية:

الصلة بين الآباء والأبناء معلومة بالضرورة، فلا تكاد تجد أحدا يكن من الحب والرجاء أن يبلغ غيره أكثر مما بلغه، حتى يكون أعلى وأفضل وخيرا منه، ما تجد من الأم والأب لأبنائهما، كما لا تجد أرقى وأرق ما يكون من الرحمة منهما، ولذلك فقد مثل الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله برحمة الله تعالى لعباده برحمة الأم بولدها [6].

ومع الحب والرحمة المطلوبين من الأبوين تجاه أبنائهما، لا بد من التربية والتزكية والرعاية والتنشئة الصحيحة للأبناء، وتقديم القدوة والنموذج العملي، لوصل القلب بما أمر الله به أن يوصل، وهي أعظم مسؤولية يتحملها الآباء تجاه أبنائهم، فمن خلالها يتشرب الناشئة ويتشبعون بالقيم والفضائل، وفي مقدمتها الوفاء بالأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم قياما بمصالح الدين والدنيا، بتوسط واعتدال، من غير تفريط مخل، أو إفراط ممل.

ومن أعظم الأمانات والمسؤوليات، الوقاية من العذاب، مصداقا لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا (التحريم: 6)، والبحث عن سبل النجاة، وفي مقدمتها ربط الصلة بالله تعالى، مصداقا لقوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (طه: 132). والصلاة أعظم صلة بالله، و“أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد” [7].

وكم من رب بيت همه الأول توفير الرزق للأبناء، وينسى أن رزقه ورزق أبنائه بيده سبحانه، فمتى طرق بابه وربى أهله على طرق باب الله، جاءه الرزق من حي لا يحتسب، مصداقا لقوله تعالى: مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (الطلاق: 2-3).

كما أنه من الصلة التي تقرب الآباء من الأبناء إشراكهم في مختلف شؤون الحياة، وتقاسم المسؤولية معهم، بحيث يربي الوالدان أبناءهما على تحمل جزء من المسؤولية، والقيام بالواجبات الدينية والدنيوية، ويشركانهم في القيام بذلك، وذلك لأن التربية المبكرة على تحمل المسؤولية تجعل الأبناء قادرين على مواجهة مختلف مطالب وتحديات الحياة بثقة وعزم وقوة واقتدار.

وصحبة الأبناء وتوفير الرعاية التربوية والصحية الوقائية والعلاجية، الشاملة لكل من أمراض القلب والبدن، من شأنها حفظهم من الآفات والمخاطر، وفي مقدمتها الانحراف، بل إن الحاجة إلى الصحبة والقرب من الأبناء تكون أكبر وأكثر ملحاحية في المراحل التي ينفتح فيها الأبناء على الأغيار، وعلى المنصات المفتوحة بل المشرعة على عوالم وعوامل الإفساد والفساد، مع ما يتطلبه ذلك من معاني الصلة المتمثلة في الرِّقَّة والعطف والرأفة والرعاية.

ومن العناية والرعاية المطلوبة من الأبوين بث الثقة في الأبناء وتقديم فرصة لهم للتعبير عن آرائهم ورغباتهم مهما بدت مخالفة للآداب والضوابط الشرعية، والإنصات إليهم، وعدم فرض الرأي عليهم، أو رفض وجهات نظرهم، بل يحرصون كل الحرص على معالجة ما يكون منهم من الأخطاء أو يرغبون فيه من المخالفات بالرفق والحكمة، مع إشراكهم في استجلاء فساد ذلك وعواقبه، وفي البحث عن الحلول المناسبة للمشكلات التي تعترض طريقهم بما يناسب طبيعتهم ونظرتهم وتطلعاتهم.

وكذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يعتريه شيء فيعلنه ويعبر عنه بحثا عن سبل علاجه، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا، فزجره الصحابة، لأنهم نظروا إلى المعصية، أما المعلم المربي صلى الله عليه وسلم فتفهم طبيعة المرحلة وحقيقة ما بداخل الشاب من شهوة، ونظر إلى جوانب الخير فيه، وانطلق منها ليقنعه ويرشده ويرده إلى طريق العفة والاستقامة، ودعا له، حتى لم يعد شيء أبغض إليه مما كان يطلبه ويرغب فيه [8].

فمن ابتلي في أبنائه بشيء من الآفات كالتدخين أو تناول المخدرات والكحول وغير ذلك، أو ابتلي في بناته برفض الحجاب والافتتان بالزينة والرغبة في مسايرة الموضة، أو حتى من تجاوز ذلك إلى الفواحش، فالمطلوب منه أن يعزز صلته بهم، فيصبر عليهم، ويدعو لهم، ويهون من أفعالهم، ويبحث عن مسوغ لها، ويدنيهم منه، قصد حملهم على الإقرار بالأخطاء والمعاصي، والبحث عن سبل تركها والرجوع عنها، عوض أن يتركهم لمصائد الشيطان ومكائد أعوانه، ويبذل في ذلك أضعاف ما يبذله من كتب الله له السلامة في أبنائه.

ومنهج التهوين من المعصية، والبحث عن مسوغ لصاحبها سنة المعلم المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم، فيمن يأتيه معترفا بمعصيته، مقرا بذنبه، بعدما تحركت نفسه اللوامة، لما فيها من بقايا إيمان، دفعته لمحاسبتها والبحث عن سبيل لإصلاحها، فمن جاءه صلى الله عليه وسلم قد وقع على امرأته وهو صائم، بعد أن عرض عليه الكفارات فلم يقدر عليها، وأعطاه ما يتصدق به تكفيرا عن خطيئته وأخذه لأنه الأحق به، ضحك في وجهه النبي صلى الله عليه وسلم حتى [9]، وآخر قد أصاب حدا فلم يسأله عنه حتى قضى معهم الصلاة، فذكر له أنه بصلاته غفر الله ذنبه [10].

وليعلم الآباء أن انحراف الأبناء إما بلاء يصيب الآباء بسبب المعاصي والذنوب، مصداقا لقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (الشورى: 30)، وهو ما يستوجب مراجعة النفس، والتعجيل بالتوبة إلى الله تعالى، ليصلحه ويصلح ولده، أو ابتلاء لرفع درجات المؤمن والمؤمنة وإعلاء ذكرهما ومضاعفة حسناتهما، وهي سنة الله في الأنبياء والرسل والصلحاء من عباد الله، مصداقا لحديث النبي ﷺ: “إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل” [11]، فلا يملك الأبوان إلا الرضى والتسليم بقضاء الله وقدره، ومزاحمة الأقدار المعلقة بالدعاء، عسى أن يغير الله ذلك بجوده ورحمته وهو القادر سبحانه.

الأقارب من جهة الأم والأب رحم وجبت صلتهم:

الأقارب من جهة الأم ومن جهة الأب هم الأرحام، والمقصود بهم الأجداد والجدات، والأولاد وأولادهم من ذكور وإناث، والإخوة والأخوات وأولادهم، والأعمام والعمَّات والأخوال والخالات وأولادهم.

وقد عظم القرآن الكريم من شأن ذوي القربى وحث على صلتهم وإكرامهم، في قوله تعالى: قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (الشورى: 23)، وقوله عز من قائل: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (الإسراء: 26)، وأكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “إنَّ الصَّدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرَّحم اثنتان: صدَقةٌ وصِلةٌ” [12]، كما بين عليه الصلاة والسلام أن صلة الأقارب من صلة الآباء، قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ فِي قَبْرِهِ فَلْيَصِلْ إِخْوَانَ أَبِيهِ بَعْدَهُ” [13].

وقد يجد بعض الناس في صلة بعض الأقارب ألفة ومتعة وراحة نفسية، خصوصا إذا كان يجد منهم ما يبادلهم إياه، فيحرص على زيارتهم وتهنئتهم وتبادل الاتصال معهم في كل مناسبة، وحتى بدون مناسبة، في حين يتقاعس عن ذلك في حق عدد آخر من أقاربه لأسباب أو حتى بدون أسباب أحيانا، لكنه لا يجد منهم ما يجده من الآخرين من الترحاب والإكرام والسؤال عنه ونحو ذلك، وليس هذا بالواصل كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها” [14]، وقوله عليه الصلاة والسلام: “أفضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ” [15].

ومن الناس من يترك صلة الرحم متذرعا بأن بعض الأقارب لا يمتثلون لشرع الله حسب الظاهر، إما لتناول البعض للمحرمات من خمر أو مخدرات ونحوها، أو للتبرج أو الإباحية، أو لأخذ أموال محرمة عن طريق بيع المحرمات أو أخذ الرشاوى وغير ذلك، وليس ذلك من الحكمة ولا من الصلة التي أمر الله بها أن توصل، بل إنه يتعين عليه أن يبحث عن المخارج والسبل الكفيلة بتحقيق الصلة، وأقلها عن طريق الهاتف، ويحرص مع الصلة على كف من يصله عن المحرمات بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة، وبالسؤال وتفقد الأحوال والأوضاع المعيشية والأسباب التي دفعته لذلك، وبذل المال متى استطاع لذلك سبيلا في قضاء حاجاته المادية والمعنوية، والأخذ بيده ويد أبنائه، ومساعدتهم والتعاون معهم، وترك الاستعلاء والتباهي في ذلك، وتلك أعظم الصلات.

المسلمون إخوة، وحفظ الأخوة الإيمانية من صلة الرحم:

قد يقول قائل وما دخل الأخوة الإيمانية في الرحم، فالجواب كما بين القرطبي أن: “الرَّحِم التي توصَل: عامَّة وخاصة، فالعامَّة: رحِم الدِّين، وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح، والعدلِ والإنصاف، والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وأمَّا الرحم الخاصَّة: فتزيد للنَّفقة على القريب، وتفقُّد أحوالهم، والتغافُل عن زلَّاتهم” [16].

وقد اعتبر الشارع الحكيم صلة هذه الرحم الإيمانية برا، بل واجبا لاكتمال الإيمان، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه: “لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” [17]، ونهى عليه الصلاة والسلام عن قطيعة رحم الأخ المسلم: قال صلى الله عليه وسلم: “لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ” [18].

ومن الناس من يبرر تركه لصلة رحم أخيه المسلم في كونه فعل كذا وكذا من الأخطاء في حقه أو في حق غيره، فيكون التوجيه من رب العالمين: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ (النـور: 22)، بل إن عليه أن يخصصه بالدعاء ليصلح الله شأنه، وفي ذلك إصلاح لنفسه كذلك بدعاء الملائكة له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “دعوةُ المسلم لأخيه بظهرِ الغيبِ، مُستجابةٌ، عند رأسِه ملَكٌ مُوكَّل، كلَّما دعا لأخيه بخيرٍ، قال الملَكُ الموكل به: آمين، ولكَ بمِثل” [19].

وأعلى أنواع الصلة أن يأخذ المسلم بيد أخيه إلى الله تعالى، كما كان الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة: “إذا لقي الرجل من أصحابه، يقول: تعال نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجل، فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يرحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة” [20]، ومن الصلة كذلك أن يتفقد الأخ أخاه إذا غاب، وإذا تكاسل أو تهاون، أو أصابه شيء من الفتور والضعف، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتفقد أصحابه ويسأل عمن غاب منهم، ويرسل في طلبه والاطمئنان عليه، ويحرص على التخفيف عنه، ومن ذلك ما جاء في افتقاده صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس وسؤاله عنه، وتفقده صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت تنظف المسجد، وللرجل الذي مات ولده، وغيرهم كثير.

نسأله تعالى أن يوفقنا لربط قلوبنا به عز وجل وتعزيز صلتنا به سبحانه، وأن يوفقنا لصلة ما أمر به أن يوصل، والحمد لله رب العالمين.


[1] لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك”. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله، حديث رقم: 5647.

[2] المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني، كتاب الطب، باب فضل صلة الرحم، حديث رقم: ‏2574‏.

[3] عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: “من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه”. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، حديث رقم: ‏1978‏.

[4] لقول أم المؤمنين خديجة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم حين رجع خائفا بعد نزول الوحي عليه “والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم”. أخرجه البخاري في باب بدء الوحي، حديث رقم: 9452.

[5] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، حديث رقم: ‏4727‏.

[6]  عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: “أترون هذه طارحة ولدها في النار” قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: “لله أرحم بعباده من هذه بولدها”. صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، حديث رقم: ‏5659‏.

[7] صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، حديث رقم: ‏773‏.

[8] عن أبي أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه. مه. فقال: “ادنه، فدنا منه قريبا”. قال: فجلس قال: “أتحبه لأمك؟” قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: “ولا الناس يحبونه لأمهاتهم”. قال: “أفتحبه لابنتك؟” قال: لا. والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال: “ولا الناس يحبونه لبناتهم”. قال: “أفتحبه لأختك؟” قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: “ولا الناس يحبونه لأخواتهم”. قال: “أفتحبه لعمتك؟” قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: “ولا الناس يحبونه لعماتهم”. قال: “أفتحبه لخالتك؟” قال: لا. والله جعلني الله فداءك. قال: “ولا الناس يحبونه لخالاتهم”. قال: فوضع يده عليه وقال: “اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه” فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء”. أخرجه أحمد بن حنبل، مسند الأنصار، حديث أبي أمامة الباهلي، حديث رقم: ‏21625‏.

[9] عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: “ما لك؟ ” قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هل تجد رقبة تعتقها؟” قال: لا، قال: “فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين”، قال: لا، فقال: “فهل تجد إطعام ستين مسكينا”. قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر -والعرق المكتل- قال: “أين السائل؟” فقال: أنا، قال: “خذها، فتصدق به” فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: “أطعمه أهلك”.  أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان، حديث رقم: ‏1849‏.

[10] عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه علي، قال : ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا، فأقم في كتاب الله، قال: “أليس قد صليت معنا” قال: نعم، قال: “فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك”. أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه، حديث رقم: ‏6450‏.

[11] السنن الكبرى للنسائي، كتاب الطب، أي الناس أشد بلاء، حديث رقم: ‏7234‏.

[12] شعب الإيمان للبيهقي، الاختيار في صدقة التطوع، حديث رقم: ‏3266‏.

[13] صحيح ابن حبان، كتاب البر والإحسان، باب حق الوالدين، ذكر البيان بأن بر المرء بإخوان أبيه، حديث رقم: ‏433‏.

[14] صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: ليس الواصل بالمكافئ، حديث رقم: ‏5651‏.

[15] مسند أحمد بن حنبل، مسند المكيين، حديث معاذ بن أنس الجهني، حديث رقم: ‏15317‏.

[16] ابن حجر، العسقلاني، فتح الباري، دار المعرفة، بيروت، 1379 هـ، 10/418.

[17] صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، حديث رقم: ‏13‏.

[18] صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الهجرة، حديث رقم: ‏5732‏.

[19] صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، حديث رقم: ‏5020‏.

[20] مسند أحمد بن حنبل، ومن مسند بني هاشم، مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، حديث رقم: ‏13521‏.