هذه مجموعة قصص سمعتها من أصحابها، وها أنا ذا أحكيها على لسانهم -مع بعض التصرف- مستعملا الضمير المتصل “تُ” عوض الضمير المنفصل “هو”.
ولدت في حيّ شعبي من أحياء مدينة القنيطرة. حيّ إمّا أن تكون فيه ذئبا أو تأكلك الذئاب. إمّا أن تكون مثل سكّانه، تتكلّم لغتهم، وتحذو حذوهم، وإلا داستك الأقدام بلا رحمة. لم يتركوا لي خيارا، فكنت على شاكلة أبناء حيّنا، فظّة ألفاظي، لقيطة كلماتي، سيئ خُلقي، جريئة أفعالي.
كبرت في هذا الوسط، ووجدت لي مكانا بين الأقران. وتعلّمت ممّن هم أكبر منّي التدخين وما سواه ممّا لا تحمد عقباه.
كدت أضيع في هذا المستنقع -الذي صنعته الأيادي الآثمة لتدجين الشعب وتخريب شبابه من جهة، ولخلق أسواق نِخاسة تدرّ على أصحابها أرباحا طائلة- لولا أن تداركتني الألطاف الإلهية والعناية الربّانية.
فبعد الحصول على شهادة تقني من مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، اشتغلت بالبحث عن الشغل -وأصعب ما يعاني منه شباب الطبقة الفقيرة الحاصلون على الشواهد هو فترة البحث والانتظار هاته-، حملتُ شهادتي وطفت بها على معامل مدينتنا ومصانعها المعدودة على رؤوس الأصابع دون جدوى. بعنا ماء الوجه واستجدينا النّاس بلا فائدة… ثمّ بدا لي بعدما رأيت الآيات أن أعتقل شهادتي وأحكم على صاحبها بالصمت والعزلة المؤبّدة مع تناول السجائر وجلد الذات دون هوادة.
وبعدما أمضيت حوالي السنتين في السجن الانفرادي مجانبا المخالطة البشرية، ودبّ إليّ اليأس وكدت أفقد عقلي، جاءتني فرصة العمل -التي طال انتظارها- في إحدى أكبر الشركات ببلدنا الحبيب.
وجاء عطاء الله تعالى في وقت ضاقت عليّ فيه الأرض بما رحبت، وضاقت عليّ نفسي، وظننت الظنون.
انتقلت إلى مدينة أخرى، وبدأتُ حياة جديدة.
لم أستطع التخلص مما ابتليتُ به، وبعدما كنت أجدُ صعوبة في الحصول على المال لاقتناء ما أريد من مخرّبات الجسد، أصبحتُ في بحبوحة من العيش لدرجة أن أتبرّع على رفاق دربي الجدد وأغدق عليهم في توفير ما نسمّم به عقولنا وأجسادنا.
من كرم الله عليّ أن اختار لي زميلَ عملٍ طيّبٍ هيّنٍ ليّنٍ متديّنٍ، ينصحني بلطف، ولا يعاملني بعنف.
كنّا نقضي مع بعضنا -في العمل- وقتا أطول مما نقضي مع أزواجنا وأولادنا، ففي كلّ يوم نلازم بعضنا لثمان ساعات. كنّا نتشارك وجبة الإفطار إن عملنا صباحا، ووجبة الغذاء إن عملنا زوالا، ووجبة العشاء إن عملنا ليلا، ونتشارك مع الطعام الأحزان والآلام، نتقاسم الهموم ونتبادل الأفكار ويتشرّب بعضنا من بعض.
كنّا لسنوات معا في نفس الفوج حتى أصبح جزءا منّي. وكنّا متباينين تماما؛ هو يجد الراحة في الصلاة، وأنا أجدها في التدخين، هو حريص ألا تفوته الصلاة في وقتها -بل في أوّل وقتها- وأنا لم أكُ من المصلّين، هو يختار ألفاظه بعناية لئلاّ يجرح غيره فيأثم، وأنا أرمي بكلّ خبيث ثمّ لا أندم.
كنت كلّما شكوت له همّا، قال: أبشر، أبشر. حتى حينما أكون واقعا في مصيبة يكاد أن يشيب منها الوليد، هو دائما يردّد مبتسما: أبشر، أبشر، فلك ربّ حميد مجيد.
وكان في الحقيقة نعم الأخ والصديق، دائما يحثّني على إقامة الصلاة ويدعوني إلى فعل الخيرات. في المقابل كان لي ستة أصدقاء آخرين -ألتقيهم في المقهى يوميّا- ما يشجّعونني إلاّ على كلّ إثم مبين.
كنت بين جليسي الصالح وجلساء السوء كطفل بئيس افترق أبواه، فهو يحنّ تارة إلى أمّه وتارة إلى أبيه؛ إن ذهب إلى أمّه ضمّته إلى صدرها، وأدفأته في حضنها، وشملته بعطفها، حتى ليكاد ينسى أباه. وإن ذهب إلى أبيه أغدق عليه في العطاء، واستدرجه باقتناء الأشياء، وحاول استرضاءه ولو بشراء ما كان -أيّام الأسرة الواحدة والشمل الملتئم- من الممنوعات التي لا يجب أن تدخل البيت.
وكنت كلّما أفرطت في السوء سِرتُ نحو صديقي الطيّب أرتجي تعادلا، وإذا أحسست بأنّي “أكثرت من فعل الخير” مِلتُ نحو رفقاء السوء. أحمق من هبنقة أنا… فقد سألوا هبنقة هذا -وهو يزيد بن ثروان وقيل: بن مروان، أحد بني قيس بن ثعلبة- وكان يضع قلادة في عنقه، لم تضعُ هذه القلادة؟ قال: أخشى أن أضلّ نفسي، فوضعتهُا حتى إذا ضلّت عرفتُها. فعمد أحدهم إلى القلادة ليلا وهو نائم فحوّلها إلى عنق أخٍ له. فلمّا أفاق ورأى القلادة في عنق أخيه قال له: يا أخي أنت أنا، فمن أنا؟
وأنا؛ من أنا؟ أريد أن أكون في أهل اليمين، لكنّي مصرّ على مجالسة أهل الشمال. يعجبني حال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأفعل فعل أبي جهل وأبي لهب…
واأسفي على نفسي…
قبل عامين، سافر صديقي الطيب إلى الديار المقدّسة لأداء مناسك العمرة، فعاد ممتلئا إيمانا، أثبت أركانا، أحسن حالا، فمازال يحدّثني عمّا عاشه -ومن معه- من أحوال، وما جاد به عليهم ربّهم سبحانه من أنوار وأسرار هي أقرب -عندي- إلى الخيال، حتى أصبحت أحدّث نفسي بالزيارة… ثمّ يتلبّس بي إبليس وجنوده فأقول: أأعطي أموالي إلى هؤلاء القرشيين ليهبوها للصهاينة فأساهم في قتل إخوتي في غزّة؟
وأقنعني الشيطان الرجيم بهذه الذريعة، ومحوت فكرة العمرة من رأسي، واجتهدت في مجالسة أهل السوء.
فلما كان هذا العام -أي عام 1446 هـ الموافق لـ2025 بتاريخ النصارى- ودخل شهر شعبان، اهتزّ قلب صاحبي وهفت روحه إلى الكعبة الشريفة وإلى القبّة الخضراء وساكنها -عليه أفضل الصلاة والسلام-، فأخذ يتحدّث عن شوقه ويتكلّم عن مبلغ الرحلة الذي كان يراه ضئيلا وكنت أراه كبيرا. هو يسترخصه في روحة لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنا أقول هذا مبلغ أفرش به غرفة الضيوف. هو يستصغره لرؤية البيت الحرام والطواف به، وأنا أستعظمه وأرى أن المبلغ كافٍ لإسكات زوجتي التي كانت تزنّ وتطنطن عند أذني كلّ يوم من أجل تجديد المطبخ.
آخ… آخ… كلّ وهمّه… وكلّ وهامته… وكلّ وهمّته.
هامة في الثرى… وهامة في الثريّا…
همّة فأر… وهمّة نسر… فهل يستويان مثلا؟
استعذت بالله من وساوس صاحبي، وقلت لنفسي: دعكِ من هذا الهراء… فلنفرش غرفة الضيوف، ولنجدّد المطبخ.
لكن ذات صباح وأنا قادم إلى العمل في سيارتي، كان المذياع مشتغلا على إحدى القنوات المغربية، فإذا هناك حوار مع شابّة. سألوها قائلين: “بعد إتمام دراستك وحصولك على وظيفة، يا ترى ماذا كان أول حلم حاولتِ تحقيقه؟
عادة؛ كلّ شابّ أو شابّة يكون لديه مجموعة من الأحلام يريد تحقيقها؛ اقتناء سيارة، شراء شقّة، سفر إلى الخارج، شراء ملابس ومجوهرات…
لكنّ هذه الشابّة أذهلت الجميع بإجابتها، وصفعتني صفعة لم أستفق منها إلاّ وأنا ألطُم بسيّارتي الحاجز الأمني لمدخل المعمل الذي أشتغل به.
قالت -بكلّ فخر واعتزاز- وحُقّ لها أن تفخر: “عندما استلمت أوّل وظيفة لي، كان حلمي الأوّل أن أردّ بعضا من جميل أبواي، فجمعتُ مبلغا كافيا من المال وأرسلت الحبيبين الغاليين إلى الديار المقدّسة لأداء مناسك العمرة قبل أن يموت أحدهما فتكون حسرتي بلا نهاية”.
قلت لنفسي: “والله، هذه المرأة خير منّي”.
وأطلقت العنان لبنات الفكر: “كيف لم تفكّر بهذا من قبل؟ كيف لم يخطر لك على بال؟ ألم يحسن لك أبواك؟ ألا يستحقّان منك هدية غالية كهذه؟ هيه يا ناكر الجميل” !
وصلت إلى مكان عملي وأنا أتصبّب عرقا من خجلي أمام فعل تلك الفتاة العاقلة، وجدت أصدقائي يفطرون، دعاني صاحبي فقلت: “لا رغبة عندي في الطعام”. دخّنت أكثر من ثلاث سجائر على غير العادة، انتبه صاحبي لهذا التغيّر المفاجئ، سألني قائلا: “ما بك؟” حبست دموعي بصعوبة وأظهرت جلدا وقلت: “لا شيء، لا شيء، أشعر ببعض التوتّر فقط”.
ما إن بلغت الساعة العاشرة صباحا حتى ناديت على الوالدة وقلت لها: “حضّري -أنتِ وأبي- نفسيكما، فسنذهب -إن شاء الله تعالى- في شوّال لأداء مناسك العمرة”.
الله الله… فعلتها. الآن دخلت عنق الزجاجة ولا مجال للتراجع.
وبدأت البحث عن وكالات أسفار مناسبة، فاستقرّ رأيي على واحدة. أخبرت زوجتي وخيّرتها بين الذهاب معنا أو تجديد المطبخ، فلم تتردّد لحظة وقالت: المطبخ أمد إصلاحه طويل، وهذه إن فاتتني لم أدركها… لبيك اللهم لبيك”.
لمّا أخبرتُ صاحبي بما عزمت عليه، فرح كأنّما هو وأبواه من سيعتمرون، وإلى الأرض الطيبة سيذهبون؛ شجّعني، حفزني، هنّأني، هيأني، علّمني… وفتح باب خزنته في وجهي وقال: “خذ ما شئت”.
وبدأتُ أعدّ الأيام عدّا، وأنتظر على أحرّ من الجمر. ثمّ جاء يوم السفر، وما هي إلاّ سويعات حتى وجدنا أنفسنا في عاصمة الأنوار، فأصابنا الذهول والانبهار، وشعرنا براحة وسكينة وطمأنينة واستقرار. صلّينا على النبي المختار وآله الأطهار، وتوجّهت بنا الحافلة إلى الفندق فوضعنا متاعنا، وقلت لأهلي سأخرج لأحضر لكم طعاما.
وبينما أنا أتجوّل في شوارع المدينة بعدما صلّى الناس صلاة العشاء منذ حوالي ساعة، دعتني القبّة الخضراء إليها، وشدّتني فَوْغَة الواجهة الشريفة، فلم أشعر إلاّ وأنا داخل المسجد النبوي. كنت في طريقي متوجّسا ألاّ أشعر بشيء وأنا في الحضرة النبوية، كنت خائفا أن يكون قلبي قد مات -من طول الصدود والإعراض- فأقف بين يدي سيد الخلق كما أقف بين يدي أيّ كان من النّاس. لكن بمجرّد انتهائي من ركعتي التحيّة تُهت في سبحات الجمال، وشمّت روحي غالية سيّد أهل الكمال، فهبّت -بلا حول منّي- رياح الشوق محمّلة بالغيث، وأرعد صدري وأبرق، وهطلت -على الرغم منّي- أمطار العين غزيرة. حاولت حبسها، خنقتني العبرة، آلمتني العثرة، كبّلتني الحسرة… نظرت حولي فإذا أقوام من العجم قد أرخوا العنان لدموع قلوبهم تتقاطر تترى على سفح النحور، فقلت لنفسي: “مالكِ في حرج تريدين لدمعك أن يغور. ابكي -يا نفس- فهنا تسكب العبرات… ابكي -يا عين- فهنا تمحى الهفوات… وإن لم تبكي فتباكي فها هنا تغفر الزلاّت ويُعفى عن الخطيئات… اذرفي يا عين فربّك تعالى يقول: وَلَوَ اَنَّهُمُۥٓ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اُ۬للَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ اُ۬لرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اُ۬للَّهَ تَوَّاباٗ رَّحِيماٗۖ [النساء: 63]”.
بكيت حتى ابتلّ قميصي، بكيت ندما على ما فات، تَهَنَّفْتُ على ما اجترحت يداي من خزايا وسيئات.
وعدت إلى الفندق -بعدما اكتفيتُ- أحمل في يدي طعاما. لمّا رأتني زوجي وأمّي قالتا: “ما بال عينيك منتفختين؟ أتشاجرت مع أحدهم؟” قلت ضاحكا: “معاذ الله ! وهل أتينا هنا لنتشاجر؟”.
نمت تلك الليلة نومة هنيئة لم أنم مثلها مذ كنت طفلا، وشعرت بخفّة ونشاط وكأنّما كنت أحمل جبلا على ظهري فتخلّصت منه.
في اليوم التالي حرصت ألاّ تفوتني الصلوات الخمس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فصلّيت بحمد الله كلّ الصلوات في وقتها مع الجماعة، واجتهدت في الذكر والعبادة.
في اليوم الثاني، وبينما نحن في صلاة الظهر، تقدّمت إلى صفّ أمامي وبقي الوالد الحبيب خلفي. ما إن سلّم الإمام حتى التفتُّ لأرى هل ما زال والدي خلفي، لكنّي للأسف لم أجده.
كان أبي قد أصيب بمرض الزهايمر منذ مدّة، وكنت أدرك يقينا بأنّ أي خطأ منّي يمكنه أن يعكّر صفو الرحلة، لذلك لمّا اضطررت لأن أتقدّم إلى الصفّ الذي كان أمامي -وكان والدي عن يميني- خمّنت أنه قد يخرج من الصلاة ويذهب إلى غير وجهة، وبالفعل ذاك ما حدث. فخرجت أبحث عنه، وكان معي -ولله الحمد- صورة حديثة له صورتها بالهاتف. فكتبت الخبر -مرفوقا بالصورة- في مجموعة “الواتساب” الخاصة بالوكالة التي سافرنا معها، فإذا حوالي أربعين شخصا كلّهم يبحثون معي عن والدي إلا واحدا وزوجه فقد كانا بعيدين قرب مسجد بلال يتبضّعان.
جبنا ساحات المسجد النبوي بحثا عن أبي دون جدوى، كانت الوالدة قد وصلت هي وزوجي قبلنا إلى غرفة الفندق، فلمّا تأخرتُ أنا والوالد، قالت أمي: لقد تأخرا كثيرا، ولا أراه خيرا. فصارحتها زوجي بما حدث، فخرجت المسكينة مفجوعة تبحث هي أيضا.
وبينما ذاك الرجل الذي كان يتبضّع قرب مسجد بلال ينتظر زوجته لتخرج من أحد المتاجر، إذا به يرى والدي واقفا عند باب المسجد، فكتب إلينا في المجموعة أن أبشروا فالوالد معي عند مسجد بلال، فطرت أجري حتى استلمته منه في الحال.
بعد ثلاث ليال غادرنا طيبة الطيّبة ولم نشبع بعدُ من رَوْحها وريحها وريحانها وروضتها وقبتها وبقيعها، غادرناها على مضض، وسرنا حتى بلغنا أبيار علي فأحرمنا للعمرة ومضينا نلبّي. ثم تملّكني نفس هاجس دخولي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ ماذا سيحدث لي وأنا أمام الكعبة الشريفة؟ هل سأشعر بما يشعر به المحبّون والعاشقون؟ هل سيحدث معي ما حدث مع صاحبي فيما حكاه لي من خشوع ودموع؟ أم سأحرم من لذّة النظر وحلاوة الشهود جزاء على ما كان من إعراض وصدود؟
سارت الحافلة لساعات طوال، ودخلنا مكّة ليلا، واعتمرنا ليلا، وفرحت فرحا لا مثيل له. وقضينا في خير البقاع أياما ما لها نظير، حتى وددت أنّي ما عدت إلى بلدي ولا رجعت.
يا أخي… جميل أن تحمل أبويك في سيارتك ثمّ تسافر بهما إلى مناطق لم يحلما بأن تطأها أقدامهما…
جميل أن تأخذ بيد الوالد الحبيب وتصعد به قمم الجبال، وتدخله إلى فنادق لم تدر له في خيال، أو تجلس مع الوالدة الحانية تتعشّيان في مطاعم غاية في الجمال، أو ما شئت من أنواع البرّ والإفضال…
لكن أن تأخذ بيد الوالد -المصاب بالزهايمر- وتطوف به في البيت العتيق… أن تمسك بيد الوالدة الحنون وتسعى بها سعي السيدة هاجر عليها السلام… أن تسقي الحبيبين الغاليين من ماء زمزم بيديك، وزوجك إلى جانبك تساعدك وتؤازرك وتشاركك هذا البرّ… هذا شيء آخر… ذوق آخر… طعم آخر.
فاحرص -يا أخيَّ- أن تبادر، قبل أن ينقطع حبل عمر أحدهما فيغادر أو تغادر…
بادر وإيّاك والتسويف، فبعد الربيع صيف وخريف، وبعد الإدراك والقدرة ضعف وتخريف، وبعد الصحّة سقم وألم وخور ونزيف. فاهرع وأسرع وتحمّل التكليف وفز بذا التشريف.
أخّر شراء السيّارة، أجّل تجديد المطبخ، أرجئ فرْش الصالون، عجّل العمرة والحجّ مع أبويك، فوالله الذي لا إله غيره للبستُ ما وددتُ من الثياب، وتناولتُ ما اشتهيتُ من صنوف الطعام والشراب، وذقت من ملذات الحياة ما لذّ وطاب، فما وجدت حلاوة مثل عبادة في الحرمين مع الأبوين.
وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.