بعد حديثه في الحلقات السابقة عن صفة الحج بالتمتع، وكلامه عن الحاج القادم من المدينة المنورة، أعاد الأستاذ ميلود الصحراوي، في حلقة ثالثة من سلسلة “حج مبرور” التي يعرضها بلغة عربية بسيطة، التأكيد على أن الميقات المكاني للقادمين من المدينة هو آبار علي، وبالنسبة للمغاربة الحجاج الذين يذهبون لمكة مباشرة فإن إحرامهم يكون في الطائرة، لذلك يلزم الحاج أن يتنظف ويلبس الإحرام في داره، ويلبس فوقه جلبابا، وعند الوصول إلى مكان اسمه: “رابغ” حيث يعلم ربان الطائرة بذلك، ينزع الجلباب، “ومن الأحسن إن كان يملك حجرة أن يتيمم ويصلي ركعتين، وهي ليست لازمة، وفي ذلك المكان يقول: “لبيك عمرة” لأن الحج بالتمتع هو الإحرام بالعمرة، وبعد قوله “لبيك عمرة” يشرع في التلبية حتى يصل ويقوم بما تحدثت عنه في الحصة الماضية” يوضح الصحراوي.
وتحدث الصحراوي في هذه الحلقة من سلسلته، التي بثتها قناة الشاهد، عن ارتداء الحاج للباس الإحرام، مبينا عددا من “المسائل الممنوعة، تسمى محظورات، وهي: عدم تغطية الحاج رأسه، ولا يقتلع أظافره، ولا يمس الطيب، ولا يحلق رأسه، ولا يأخذه من شعره، ولا يخطب لنفسه أو لغيره، وممنوع عليه الجدال، لقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، والرفث هو الجماع ودواعيه، والفسوق هو الكلام السيء، والجدال هو كذلك مما نهى عليه الله تعالى”.
وفي حال نسي الحاج مثلا ومس الطيب خطأ ونسيانا، يقول الصحراوي، “فلا شيء عليه، ولكن إذا تعمد مثلا مس الطيب أو نقص من شعره… فهذا تلزمه الفدية”، والفدية ثلاثة أشياء بينها انطلاقا من قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ؛ “إما أن يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام، أو ينسك بشاة”. ولتأكيد الأمر ذكّر بقول النبي صلى الله عليه وسلم لصحابي اسمه كعب بن عجرة رضي الله عنه، الذي كان يعاني من القمل في رأسه، وعندما رآه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هجم القمل على رأسه وآذاه، قال له: “لعلك آذاك هوامك”، وأضاف: “احلق رأسك وتصدق أو صم أو انسك بشاة”.
الأستاذ الصحراوي أورد في شريطه أيضا واجبات الحج، “وهي كثيرة، حيث يقول سيدي عبد الله التليدي في كتابه إتمام المنة لا يمكن حصرها، لأن في هذه الواجبات اختلاف بين العلماء رحمهم الله، وما يمكن أن نقول هو أن هذه الواجبات تجبر بالدم، حيث يقول الناظم: “والواجبات بدم قد جبرت ** منها طواف من قدم”، مثلا طواف القدوم الأول إذا لم يقم به الحاج يدفع بدله ثمن شاة، لأنه من واجبات الحج، أو مثلا الإحرام من الميقات من مكانه فهو من الواجبات، فإذا لم يحرم الحاج من المكان المحدد يدفع ثمن شاة”.
ومنها أيضا، يزيد المتحدث: “رمي الجمرات، فإذا لم يقم بها الحاج يدفع ثمن شاة، ولكن في الجمرات يمكن أن ينوب عنه أحدا، وإذا ناب عليه أحد لا يدفع شيئا، لأن النيابة في الرمي جائزة، وكذلك المبيت بمنى”. ليستطرد موضحا امتناعه عن ذكر جميع الواجبات؛ لأن فيها اختلاف بين الفقهاء رحمهم الله، ففي بعض الأحيان يكون ما هو واجب عند الإمام مالك غير واجب عند غيره، مثلا ركعتا الطواف؛ يرى المالكية أنها من الواجبات ويشترطون لها دفع ثمن الشاة، في حين يرى علماء الجمهور من السنة أنها غير واجبة.
وبخصوص أركان الحج، عرف الصحراوي الركن بأنه “ما يقوم عليه الشيء، وفي الاصطلاح ما لا ينجبر بشيء ويبطل به الحج إن ترك”. وكشف أنها أربعة: الإحرام، والسعي، والوقوف بعرفة، والطواف، وأضاف أنه في حال يذهب الحاج للوقوف بعرفة، مثلا، فحجه يعتبر باطلا، كذلك الحاج الذي قام بالتمتع وعندما رجع من منى لمكة اكتفى بالطواف ولم يقم بالسعي، فحجه أيضا باطل، “لأن أركانه التي قام بها في البداية هي العمرة، ولها ثلاثة أركان: الإحرام والطواف والسعي، أما الحج فأركانه أربعة، الركن الأول يقوم به في اليوم الثامن من ذي الحجة، عندما يحرم، ويقف بعرفة في اليوم التاسع، وعندما يعود يكمل الرمي ويطوف ويسمى طواف الإفاضة، ويلزمه أن يقوم بالسعي”.
ونبه الصحراوي لمسألة حج الحائض، قائلا: “بإمكان الحاجة استعمال أقراص منع الحيض، ولكن باستشارة طبيبة أو طبيب مختص، ولها أن تأخذ إبرة حسب فتاوى علماء تلك الأماكن، وفي فقه المناسك يقال: خذوه عن أهله، وأهل مكة أدرى بشعابها، فيمكن لها أن تستعمل الأقراص لمنع الحيض. ولكن إذا استعملت الأقراص ونزل ذلك الحيض فهذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فعندما يصل الميقات تغتسل وتحرم، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر أو حتى تغتسل، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة: “افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري” أو حتى تغتسلي.
أما إذا أكملت الطواف، يردف الصحراوي، ونزل منها الحيض بعد إنهائه “فهذه تكمل عمرتها ولا تصلي الركعتين، ولكن تسعى بين الصفا والمروة، فلا يشترط للسعي بين الصفا والمروة الطهارة. وكذلك ترمي الجمرات وتقف بعرفة. وإذا جاءها الحيض مثلا في يوم عرفة وعند الرجوع لمكة تبقت لها مدة قصيرة، فتقوم بطواف الإفاضة لأنها مضطرة له رغم الحيض”، موضحا أن “هذه فتوى لابن تيمية رحمه الله وبها يفتي علماء تلك الديار المقدسة”.