من سفينة “مادلين” إلى المسيرة العالمية نحو رفح.. حين يُختَطف الضمير العالمي وتُغتال الإنسانية

Cover Image for من سفينة “مادلين” إلى المسيرة العالمية نحو رفح.. حين يُختَطف الضمير العالمي وتُغتال الإنسانية
نشر بتاريخ

في مطلع يونيو 2025، أبحرت سفينة “مادلين” من سواحل إيطاليا باتجاه غزة، محمّلة بمساعدات إنسانية رمزية، وعلى متنها 12 ناشطًا من مختلف الأديان والجنسيات، من بينهم غريتا ثونبرغ وريما حسن. لم يحملوا سلاحا، ولا شعارًا سياسيًا… فقط إصرارًا على كسر حصار ظالم يخنق أكثر من مليوني إنسان في غزة العزة.

لكن كما هو متوقّع، لم يُسمح لهذا القبس من نور كرامة الإنسانية المشتركة أن يكتمل.

ففي المياه الدولية، وكما فعلت سابقا، اعترضت قوات الاحتلال الصهيوني السفينة، واقتادتها عنوة إلى ميناء “أسدود”، حيث اعتُقِل طاقمها، واحتُجزت المساعدات، وأي مساعدات ! في انتهاك سافر لكل الأعراف والمواثيق الدولية.

هذه الحادثة تعرّي وحشية نظام الاحتلال، لكنها تفضح أيضًا صمتًا عربيًا رسميًا متواطئًا، وعجزًا دوليًا مريعًا. فلا بيان إدانة، ولا حتى تلميح بالرفض، من عواصم لا تتورّع عن التنديد بأي حدث عابر في أقصى الأرض، لكنها تصمت أمام حصار غزة لأنه لا يُحرج مصالحها.

“مادلين” لم تكن سفينة فقط، بل كانت ضميرًا عابرًا للحدود، وموقفًا صادقًا وسط عالمٍ متخاذل. تحية لكل من جسد الموقف وقاوم بسلام، وانتصر للحقّ بلا حسابات.

وفي السياق نفسه، وبزخم شعبي مغاربي ملهم، انطلقت من تونس قافلة “الصمود” البرية نحو معبر رفح، حاملة معها نشطاء من دول المغرب العربي: تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا… بالإضافة إلى أحرار العالم الذين سيلتحقون مباشرة بالقاهرة، رغم معرفتهم المسبقة بأن المعبر مغلق وأنهم قد لا يصلون فعليًا إلى غزة، فإن رسالتهم كانت أقوى من حدود الجغرافيا: “نحن هنا… لا نحاصر غزة بالصمت، بل نكسر الحصار بأجسادنا وخطانا وأملنا”.

كانت قافلة الضمير الشعبي، لا تنتظر تأشيرة من الحكومات، بل ترفع صوت الإنسان العادي في وجه التواطؤ الرسمي، مجسدة المعنى النبيل للتضامن الإنساني: من قلب الشعوب إلى قلب المحاصرين.

وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32].

في كل محاولة لإغاثة غزة، حياةٌ تُستنقذ، وضميرٌ يُوقَظ، ورسالةٌ تُبعث في وجه الصمت والخذلان.

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70].

الكرامة ليست منحة من قوة دولية، بل حق فطري، تُنتهك كلما صمتنا على الحصار أو بررناه.

والحمد لله رب العالمين.